القائد العام للقوات المسلحة يستقبل اللواء محمود توفيق وزير الداخلية للتهنئة بذكرى انتصارات أكتوبر    كيف شكل يوسف شاهين بداية أمينة خليل؟    بعد مكاسب تجاوزت 100 دولار.. تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الثلاثاء    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر فى سوق العبور للجملة    بيان عاجل لوزارة العمل حول زيادة الحد الأدنى للأجور    «الإسكان» تتوسع في منظومة التمويل العقاري الحر بالتعاون مع البنوك والشركات    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 في الأسواق    الرئيس السيسي يتوجه إلى بروكسل للمشاركة في أعمال القمة المصرية الأوروبية    الهلال الأحمر المصري يدفع ب240 ألف سلة غذائية عبر قافلة «زاد العزة»    «نيويورك تايمز»: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    سفارة الصين بواشنطن ترد على تصريحات ترامب عن الصفقة العادلة    الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن لمدة 5 سنوات    متحدث «الشباب والرياضة» يكشف أزمة الإسماعيلي بالتفاصيل    تشكيل الهلال المتوقع لمواجهة السد في دوري أبطال آسيا    أحمد أبومسلم يكشف كواليس جديدة في أزمة مباراة الأهلي وبيراميدز مواليد 2007    «الأرصاد»: طقس اليوم خريفي مائل للبرودة.. والعظمى بالقاهرة 32 درجة    السيطرة على حريق سيارة بالتجمع تسبب في شلل مروري    في محاولة لسرقته| نفق سري من داخل مسجد إلى مكتب بريد العوايد بالإسكندرية    اصطدام قطار بنهاية رصيف محطة مصر برمسيس دون إصابات    إخلاء سبيل التيك توكر هدير عبد الرازق بكفالة 20 ألف جنيه في قضية غسيل الأموال    ريهام عبد الحكيم ومحمد الحلو يلتقيان الليلة بمهرجان الموسيقى العربية    هنا الزاهد: لا وقت للحب والزواج.. وتركيزي الآن على شغلي    على ريد كاربت الجونة.. أول ظهور ل رانيا يوسف وزوجها    هام وعاجل| الحكومة تدرس منح يوم 1 نوفمبر إجازة رسمية    قائد القوات البحرية: قواتنا قادرة على مواجهة التحديات لحماية الوطن    الباشا والزعيم    لم ينجح أحد    ضبط 14 سائق حافلات مدرسية بتهمة تعاطي المخدرات    ياسين منصور يكشف إمكانية طرح شركة الأهلي في البورصة    لامين يامال يطارد رقما قياسيا أمام أولمبياكوس في دوري أبطال أوروبا    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وإلغاء التوقيت الصيفي (تفاصيل)    السر المُذاع في المغرب    تعرف على برجك اليوم 2025/10/21.. «الحمل»: حوّل تركيزك لاتخاذ خطوات جريئة.. و«الجدي»: لا تنسى من يحبك    هل يجوز للزوجة التصدق من مال زوجها؟.. دار الإفتاء تحسم الأمر    في نص ساعة جاهز للأكل.. طريقة تجهيز الخيار المخلل السريع    لا مزيد من الروائح الكريهة.. تنظيف الميكروويف ب 3 مكونات في المنزل    أهمها استنساق البخار والمحلول الملحي.. 6 حلول عاجلة لعلاج انسداد الأنف في المنزل    القبض على زوج ألقى بزوجته من شرفة المنزل في بورسعيد    تامر عاشور وآدم يجتمعان في حفل غنائي ضخم بالكويت    فيضانات مدمرة تجتاح ألاسكا ويُطلب من ترامب إعلان الطوارئ    اتحاد "شباب يدير شباب" (YLY) ينظم جلسة تدريبية حول مهارات التواصل الفعّال ضمن برنامج "تماسك"    جامعة قناة السويس تواصل فعاليات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    إعلام: ترامب متحمس جدًا لإنهاء حرب أوكرانيا    المغرب وموريتانيا يوقعان على برنامج عمل في مجال التحول الرقمي لمنظومة العدالة    مصطفى هريدي يكشف ل واحد من الناس علاقته بالزعيم عادل إمام وأول أدواره    خناقة اتحاد تنس الطاولة    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الثلاثاء 21102025    موعد مباراة بنفيكا ونيوكاسل يونايتد في دوري أبطال أوروبا والقنوات الناقلة    ناهد السباعي تتصدر تريند جوجل قبل عرض "السادة الأفاضل" وتستعد لمشاركة أحمد السقا في "هيروشيما"    إصابة 10 أشخاص إثر تصادم ميكروباصين بالبحيرة    كيف تعدل المركز الانتخابي قبل بدء التصويت في انتخابات مجلس النواب؟ الوطنية للانتخابات تجيب    كيف نحب آل البيت؟.. أمين الفتوى يجيب    قائمة بيراميدز في مواجهة فاركو بالدوري    متى وكيف تقيس سكر الدم للحصول على نتائج دقيقة؟    متحدث الحكومة: نهدف لتيسير الخدمات الحكومية من أجل المواطن والمستثمر    شوربة الشوفان بالدجاج والخضار، وجبة مغذية ومناسبة للأيام الباردة    هل يشترط وجود النية في الطلاق؟.. أمين الفتوى يجيب    أمينة الفتوى: الزكاة ليست مجرد عبادة مالية بل مقياس لعلاقة الإنسان بربه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقوع البلاء ولا انتظاره.. سكان "منشأة ناصر" يحلمون بمنازل غير آيلة للسقوط (تقرير)
نشر في مصراوي يوم 13 - 03 - 2018


تصوير- علاء أحمد
منذ أسبوعين، لا يترك أحمد شحاتة فرصة حتى يذهب لحي مُنشأة ناصر، محتضنا الأوراق التي تثبت ضرورة هدم منزله، تُزعجه الوساوس، فما إن يخرج للعمل ويسمع صافرة الإسعاف بالصدفة حتى يتصل بأولاده مطمئنا عليهم "كل مرة أقول ده بيتنا اللي وقع".
ما عايشه الرجل ليس يسيرًا، إذ يقبع مقر عمله بمسجد قريب من "عقار شارع التنجيزي" الذي انهار في 22 فبراير الماضي، لم يكن فزع شحاتة لسقوط العقار عادياً حال بقية سكان المكان "بيتنا مهدد بالسقوط من 2014 ومحدش سائل عننا".
أدى سقوط عقار التنجيزي إلى وفاة 12 مواطنًا، وإصابة 19 آخرين. لم يكن خبر الانهيار خفيّا على آل حي منشأة ناصر، لكن بعض البيوت القريبة، تحديدًا الكائنة بشارع "المعدسة" كان لأصحابها قصة أخرى قريبة من مأساة العقار المنهار؛ فبعضهم صدر له قرار إخلاء وهدم منذ عدة أعوام، ورغم محاولات جمّة من الأهالي مع الحي، لم يتغير الوضع إلى الآن، حتى بات بعض السكان ينتظرون وقوع البلاء، ومنهم شحاتة.
في حضن الجبل يقع منزل شحاتة، وغيره من البيوت، أسفل منطقة "الزرايب" كما يسميها الأهالي –مركز رئيسي لتجميع القمامة وإعادة تدويرها. لا يحتاج الأمر كثيرًا لتبين تهالك أحوالها "البيوت زي ما هي من زمان مبنية من الخشب والبوص" يقول الرجل بينما يشير إلى قاعدة إحدى الشرفات المتآكلة.
في 2014 أصدر الحي قرارا بإزالة المنزل بعدما جاءت لجنة هندسية للمعاينة، لكن القرار لم يُنفذ "صاحب البيت راح وطلع قرار بترميمه"، حسب قول شحاتة، الذي لا يعلم سببًا لذلك الفعل سوى رغبة في إطالة مدة الانتفاع، لأنه في حالة الهدم سيقتسم السكان معه التعويض.
لا يوجد مأوى آخر لشحاتة وأبنائه الأربعة سوى مسكنهم الصغير. طابقان يشكلان البيت المتواجد فيه شقة شحاتة. رائحة العطن تملأ المكان، مياه الصرف لم تترك بقعة إلا وتسربت إليه.
ما إن يصعد شحاتة السلم الضيق حتى يشير إلى شق بالحائط، باتت ملاحظة ما يطرأ على المنزل مهمة شبه اعتيادية لأهل المكان "كل يوم بقول هيقع النهاردة" تقول فاطمة، ابنة شحاتة بينما تبتسم هو، وتشير إلى تآكل الحائط المقابل لشقتهم "فجأة لقيناها اتنفخت وبقت تقع".
يتأثر شحاتة بينما يرفع السجاد المهلهل عن البلاط، فإذا به منفصل عن الأرض، يتساءل الرجل الخمسيني: لماذا لم يتم نقلهم إلى سكن بديل؛ كغيرهم من أهالي منشأة ناصر؟ لم يمل شحاتة من إعادة تقديم كل الورق الخاص بالمنزل، صاحب مهندس الحي أثناء تفقده المكان، قبل نحو أسبوع، أنهى كل ما يلزم للمرة الثانية عسى أن يُجدي نفعًا، فيما ينتظر سير الورق "وياخد دوره في الحي وبعدين يروح المحافظة" كما أخبره مهندس الحي قبل نحو أسبوع.
تقع منشأة ناصر على مساحة 15.220 كيلو متر مربع، منها 5.103 كيلو متر مربع مأهول بالسكان، حسب آخر إحصاء لمحافظة القاهرة. كان الحي "العشوائي" ملجأ كثير من وافدي المحافظات المصرية المختلفة على مدار السنين، منهم حكمت عبد الرحيم.
32 عامًا هو عُمر منزل السيدة الستينية. حين اشترته رفقة زوجها لم يكن ثمة منازل محيطة، سوى الجبل "دلوقتي الناس بقى عندها بيوت فوق الجبل وكل القرف بينزل على بيتنا.. ماية وزبالة.. مبنعرفش ننام من الريحة" حسب قولها.
يتكون منزل السيدة من 3 طوابق، يُعاني كل واحد منهم بشكل مختلف؛ فبينما تسود الرائحة السيئة والرطوبة الطابق الأرضي "لدرجة إن مرات ابني مشيت وسابت الشقة"، تتآكل جدران بعض الحيطان في الطابقين الثاني والثالث.
لم تكن السيدة الستينية ممن انتظروا سقوط عقار التنجيزي لمحاولة الانتقال من منزلها "إحنا مقدمين شكاوى من أربع سنين للحي ومحدش مهتم"، لكن ما أن سمعت عن انهيار العقار حتى ازداد خوفها "بقيت أقول يارب يعني لو البيت وقع عليّا هشيل بنتي العيانة وأجري ولا جوزي الراجل الكبير إزاي"، تمر السيدة بالحي مرتين أسبوعيا، تفعل ما يُطلب منها "عندهم كل الأوراق اللازمة وصور البيت وحالته"، اكتسبت تعاطف الموظفين هُناك، إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا تجاهها، إلا من كلمات مثل "البيت بتاعكوا دة عايشين فيه إزاي يا حاجة".
في المقابل قال محمد عبد الجليل، رئيس حي منشأة ناصر، إن هناك لجانا هندسية مشكلة منذ أكثر من عام، ومهمتها رفع تقارير بشأن جميع المناطق المهددة في الحي، ليتولى الحي تنفيذ هدمها، ووضعت في أولوياتها ما عرفوه بالأماكن الأكثر خطورة المهددة للحياة، وهي ما وصفها عبد الجليل بالبيوت الموجودة على حافة الجبل "دي بتتشال ولو حتى معمولة مسلح"، بحسب تعبيره لمصراوي.
حوالي متر فقط يفصل بيت شعبان فرج عن منزل حكمت، غير أن المعاناة واحدة. يجمع المنزل 3 أسر، يبلغ عددهم حوالي عشرين شخصا "بس محناش عارفين هيشيلونا إمتى؟ ولا لازم نبقى جثث عشان يبصوا لنا؟" تقول ميرفت محمد إحدى الساكنات.
بعد حادث التنجيزي، عانت أم الأطفال الثلاثة من الأرق "بقى قلبي يترعش وأقول يارب منموتش زيهم"، تشير لسقف حجرتها المبني من العروق الخشبية، فيما يقاطعها فرج العامل بأحد مصانع "أنا هنا ساكن في بيت أبويا.. أجيب منين حق إيجار أي أوضة برة؟".
يروي فرج، الأب الثلاثيني عن حالة المنزل "الماية اللي بتنشع من الأرض مبهدلانا غير الحيطان البايظة"، تلك المياه بعد اختلاطها بالأرض الترابية ملأت الدور الأرضي في المنزل، فاختفى تمامًا، فرّ منه ساكنوه بعدما يأسوا من إصلاح الوضع، فما كان من الشاب سوى إغلاق الغرف الموجودة فيه حتى إشعار آخر.
منذ 11 أغسطس 2017 ويعمل القائمون على الحي لإزالة البيوت في المربع الذي حددته اللجنة لمناطق "الرزاز والنور وفوزي عليوة"، حسبما يقول رئيس الحي، مشيرا إلى أنه تم إزالة 50% من المكان.
أما المناطق التي يتقدم أصحابها بطلبات إلى الحي فقال عبد الجليل "أي حد عنده قرار إزالة يجيبه وهنفذه وأي حد بيته في مشكلة يجيي واللجنة الهندسية هتقول كلمتها"، مشيرا إلى مشكلة سعي الجميع في الحي إلى الحصول على شقة تمليك تابعة للدولة.
خروج أهالي المنطقة، يفتح احتمال السكن في مدن بعيدة، ما يراه شحاتة وفرج صعبًا "لو ودونا مدينة بدر مثلا هنعمل إيه؟.. حياتنا وشغلنا هنا".
على مدار السنوات، خاصة بعد انهيار صخرة الدويقة 2008، توجهت أنظار المهندسين والمهتمين بالعمارة إلى منطقة منشأة ناصر. وفي 13 إبريل 2016 أصدرت مبادرة التضامن العمراني (تضامن) –مستقلة تأسست 2012- تقرير بحثي عن المكان، ومن بين ما جاء فيه الإشارة إلى أنه "ينبغي استشارة الأهالي في مكان السكن و مدى ملائمته لهم، و تقنين وضع الأهالي في الشقق التي ينتقلون إليها لتعزيز إحساسهم بالأمان ولأن هذا من شأنه أن يساهم في الحد من انتشار رجوعهم الي المناطق غير الرسمية". وذكر الباحثين في التقرير إنهم رصدوا عودة أكثر من حالة عادت لمسكنها بعد فترة وجيزة من نقلهم.
أمام منزلها جلست السيدة الأربعينية صابرين جوهري. يمضي الليل والنهار في المنطقة بطيئا. تتسمع السيدة لأي مار بالمنطقة كي تُريه حالة منزلها المكون من طابقين و9 شقق، يفصلهما سُلم خشبي متهالك.
منذ حوالي 15 عاما تم نقل سكان منزل صابرين "الحكومة ودتنا مساكن الإيواء عشان قالولنا هنطوّر الجبل".. ظلت الأسر حوالي 7 أشهر، قبل أن تُخبرهم الدولة بعودتهم مرة أخرى "جزء مننا فضل هناك وإحنا رجعنا"، ظنت السيدة أنهم سيعودون لمنازل جديدة "بس رجعنا البيت هنا قالولنا إنهم هدوه وبنوه تاني وإحنا منعرفش"، تنظر الأم لأرجاء المكان "من يوم ما رجعنا وهو حالته تعبانة"، رغم ذلك لم تُقدم أوراقها للحي حتى الآن "خايفين صحاب البيت يعملوا معانا مشاكل لو عرفوا إننا عايزين نمشي".
لم يختلف الحال عند خليفة محمد قناوي، الساكن بنفس المنطقة، بدأت رحلته مع محاولة تغيير المسكن منذ سبع سنوات "إحنا عايشين في رعب" بتلك الكلمات يلخص خليفة ما يعانيه رفقة أكثر من سبعة منازل، زارها مصراوي في مربع سكني واحد، متوسط ساكنيها حوالي 15 شخصًا.
لا يضيف خليفة كلمة أو يشير إلى شقوق جديدة في الحيطان، إلا ويلقي اللوم على تأخر الإجراءات من قبل رئاسة الحي، يتهم -مثل غيره- بعض الموظفين بالسعي لأخذ الأموال مقابل هدم البيوت وهو ما دلل عليه –بالنسبة له- هدم 7 بيوت في محيطهم، رغم أنها مبنية بالخرسانة، وكان ذلك بعد ثورة 25 يناير 2011، فيما يؤكد رئيس حي منشأة ناصر إن المنطقة بأكملها "عشوائية" غير مرخصة المباني، وأن الحي كجهة تنفيذية يتولي يوميًا هدم منزل أو أكثر من تلك المهددة بالانهيار وفقًا للتقارير الهندسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.