حاولت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشف سر إقامة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في المملكة العربية السعودية الشهر الماضي، والتي وصفتها ب"الغامضة"، وذلك بنقل روايات عشرات المسؤولين الغربيين واللبنانيين، ومسؤولين اقليميين، ومساعدين للسياسي اللبناني، اشترط بعضهم عدم الكشف عن هويتهم حتى يتمكنوا من التطرق إلى أدق التفاصيل. وبقى الحريري في العاصمة السعودية الرياض أكثر من عشرة أيام، بدأت في 4 نوفمبر الماضي، بعد إعلان استقالته من الحكومة اللبنانية في خطاب مُتلفز عُرض على قناة العربية، ثم توجه إلى العاصمة الفرنسية باريس ومنها إلى بلاده، حيث أعلن تراجعه عن الاستقالة، والتزام حكومته بسياسة النأي عن النفس، وواصل ادانته لإيران، خصم المملكة الأبرز في المنطقة. وقالت الصحيفة، في تقرير نُشر على موقعها الإلكتروني أمس الأحد، "اعتقد الحريري، الحليف المُقرب للسعودية، ذلك الصباح إنه ذاهب إلى التخييم مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فارتدى بنطال جينز وقميص، ولكن عوضًا عن ذلك اُنتزعت هواتفه المحمولة، وفُصل عن كل حُراسه الشخصيين باستثناء واحد فقط، وبقى تحت حراسة الضباط السعوديين. ثم حدثت الإهانة الكُبرى: وقدم استقالته في خطاب مُتلفز من التليفزيون السعودي". وذكرت الصحيفة الأمريكية أن السبب الحقيقي في دعوة الحريري إلى الرياض كان الضغط عليه من أجل الاستقالة، وإلقاء اللوم على إيران، كما لو أنه موظفا وليس قائد لدولة ذات سيادة. مُشيرة إلى أنه قبل أن يتوجه إلى إلقاء خطابه مُنع من الذهاب إلى المنزل الذي يملكه في المملكة، وطلب من حارسه الشخصي أن يذهب لكي يُحضر له بذلة. وبحسب الصحيفة، فإن ما حدث مع الحريري كان فصلا من فصول قصة محمد بن سلمان، الذي يريد في إحداث تغييرا كبيرا ليس في بلاده فقط، ولكن في المنطقة بأكملها. "تحركات جريئة" وقال مسؤول لبناني رفيع المستوى، إن مساعدي الحريري في بيروت حاولوا التواصل معه بعد أن ألقى خطابه ولكن دون جدوى، موضحًا أن السياسي اللبناني قضى ذلك المساء مع بن سلمان في الصحراء. وبحسب الصحيفة، فإن قرار الحريري كان بمثابة إشارة "سيريالية" للعديد من الأحداث التي تتكشف الآن، موضحة أن تلك الليلة لم تكن عادية، إذ شهدت مجموعة من الأحداث التي وضعت الشرق الأوسط بأكمله على صفيح ساخن، وتضمت إطلاق مليشيات الحوثيين صاروخًا بالقرب من الرياض، وشنّ المملكة حملة ضد الفساد، ترأسها بن سلمان، واحتجز على إثرها المئات من رجال الأعمال، والوزراء والمسؤوليين الحاليين والسابقيين. وزعمت نيويورك تايمز أن بن سلمان أراد العثور على رئيس جديد للحكومة اللبنانية، بعد أن رأى أن رئيس الوزراء الحالي غير مُطيع بما يكفي. كما أنه اعتزم بعث رسالة مفاداها "أن هذا الوقت المناسب لمنع حزب الله الشيعي اللبناني، والحليف المقرب من إيران، من تعزيز قوته". ووفقا للصحيفة، فإن "ملحمة" رئيس الوزراء اللبناني والتي استمرت قرابة الشهر، كانت مثالا آخر لمحاولات القائد الجديد، بن سلمان، على تغيير الطريقة التي عملت بها السعودية لسنوات، مُشيرة إلى أن الحريري عاد إلى منصبه، وحزب الله أقوى من ذي قبل. وزعمت أن سياسات السعودية المتشددة أدت إلى "نفور" بعض حلفائها المقربين، من ضمنهم الولاياتالمتحدة، والكويت، ومصر، والكثير من السياسيين السنّة في حزب الحريري. "خطة طويلة المدى" ومع تصاعد وتيرة القلق، عمل مسؤولون لبنانيون على الحول دون ما اعتبروه "خطة السعودية طويلة المدى"، زاعمين أن المملكة تتبناها لزعزعة الاستقرار في مخيمات اللاجئين الفلسطنيين في لبنان، بحسب ما نقلته نيويورك تايمز. وقال مسؤولون لبنانيون وعدد من الدبلوماسيين الغربيين إن هناك مخاوف في بيروت، من أن السعودية وحلفائها اللبنانيين يسعون إلى تشكيل مليشيات مناهضة لحزب الله في المخيمات، أو مناطق أخرى في لبنان. وذكرت الصحيفة أن الحيرة ما زالت تسيطر على بعض المسؤولين العرب والغربيين، لاسيما وأنهم لا يستطيعون معرفة ماذا أردات السعودية فعله من خلال ما قامت به في لبنان. وقال بريان كوتليس، الزميل البارز في مركز التقدم الأمريكي في واشنطن، إن النهج الذي يتبعه بن سلمان في سياسته الخارجية، يتطلب تفهما عميقا لديناميات السياسة في الدول الأخرى، وحُسن استخدام العلاقات الدبلوماسية، مؤكدا أن "ما يرغب فيه ولي العهد لن يُحدث بين ليلة وضحاها". "نقاط ضغط" وفقا للصحيفة الأمريكية، فإن المشاكل تتراكم بين السعودية والحريري منذ سنوات. وقالت إن الحريري، مثل والده من قبله، يدين لحياته السياسية وثروة عائلته الكبرى للسعودية، إلا أن المملكة اشتكت كثيرا من أن حكومة رئيس الوزراء اللبناني تمنح الكثير من الدعم لحزب الله، وهو حزب سياسي وجماعة مسلحة ليست مسؤولة أمام الدولة. وبحسب مسؤول، فإن الحريري زار الرياض في أكتوبر الماضي، وأخبر المسؤولين السعوديين عن حاجته للتوصل إلى تسوية مع حزب الله، لتجنب حدوث مشاكل سياسية في بلاده، وفي بيروت، طالب حسن نصرالله، زعيم حزب الله، بتخفيف لهجته العدائية تجاه السعودية. وفي الأسبوع ذاته، حذر وزير الدولة السعودية لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، من صمت الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني تجاه ممارسات حزب الله. وكتب في تغريدة نشرها على حسابه على تويتر "ليس غريباً أن يعلن ويشارك حزب الميليشيا الإرهابي حربه على المملكة بتوجيهات من أرباب الإرهاب العالمي، ولكن الغريب صمت الحكومة والشعب في ذلك". وفي 3 نوفمبر، التقى الحريري المسؤول الإيراني البارز علي أكبر ولايتي، والذي أكد على قوة العلاقة الإيرانيةاللبنانية. وتقول الصحيفة "قد يكون هذا اللقاء القشة التي قصمت ظهرت البعير"، لاسيما وأن الحريري تلقى دعوة العاهل السعودي الملك سلمان في غضون ساعات، ثم جرى ما جرى. ويصف المسؤولون اللبنانيون الساعات الطويلة بين وصول الحريري إلى السعودية وإعلان استقالته ب"الصندوق الأسود"، وقالوا إنهم يترددون في الضغط على الحريري للحصول على المزيد من التفاصيل. وبحسب الصحيفة، فإن السعودية لديها الكثير من الأوراق التي تستطيع استخدامها في الضغط على الحريري، أبرزها التهديد بطرد أكثر من 250 ألف لبناني يعملون في أراضيها، ما يعرض الاقتصاد اللبناني للخطر. وبحسب الصحيفة، فإن الرياض قادرة على تهديد الحريري شخصيا، لاسيما وأنه يحمل الجنسية السعودية، ويجمع بين البلدين صفقات واتفاقيات تجارية ضخمة. ورجح دبلوماسي عربي أن السعودية قد تكون هددت الحريري باتهامه ب"قضايا فساد". وفي لبنان، قال مسؤولون لبنانيون وغربيون إن السعودية توقعت أن تتسبب استقالة الحريري في إثارة حنق المواطنين تجاه حزب الله، ولكنها على العكس زادت اللبنانيون تمسكا برئيس الوزراء، فقاموا بالاحتجاجات والتظاهرات المنددة بما يحدث لرئيس حكومتهم، وطالبوا مسؤوليهم بزيادة الضغط لعودته.