-أيوه يا أحمد اخبارك ايه يابني =الحمد لله يا بابا.. انا كويس وبخير -خير يا أحمد مجتش ليه؟!.. أنا مستنيك.. ومجهز لك أكلة سمك بوري سنجاري اللي بتحبها =معلهش.. كان عندنا شوية شغل زحمة كتير الأسبوع ده والحمد لله ربنا وفقنا فيهم -طيب أنت فين دلوقتي ؟! =أنا موجود في الجيزة -ليه؟ =طالعين مأمورية. -فين؟ =معرفش -خلي بالك من نفسك =ادعيلي يابابا -بدعيلك يابني.. لا إله إلا الله =محمد رسول الله.) مشهد 2 أغلق الملازم أحمد الهاتف، وذهب برفقة زملاؤه لتنفيذ المأمورية الأمنية، معلومات تقودهم لوجود عناصر إرهابية متطرفة تشرع في تنفيذ عمليات تخريبية وتفجيرية، يسير أحمد وزيدان وصلاح داخل مدرعة العمليات الخاصة، يصلون ثم يشتبكون مع عناصر مسلحة تخترق رصاصات غادرة جسد الثلاثة. مشهد 3 عصر الجمعة، جلس حافظ شوشة، والد أحمد يتناول الغداء برفقة ليالي ابنته الصغرى مواليد 1998، وظلت الصغيرة، تحكي عن أمنيتها لرؤية شقيقها الذي يكبرها ب 3 أعوام فقط وصديقها وكل ما تبقى لها في الحياة فهو من عوضها بحنانه عن غياب والدتهما منذ وفاتها. ساعتان تمران خلفهما ساعة أخرى، يتسلل القلق إلى قلب الأب بخطوات متثاقلة، ينهش فؤاده، يعذبه عدم الرد على الهاتف، يجري اتصالاً آخرا بابنتيه الكبرى "خلود" فيسألها عن زوجها وابنائها، و"ليالي" التي خرجت منذ ساعة لزيارة صديقاتها. يعود الأب إلى حالته الأولى، ينتظر، يفكر، يتأمل، يتمنى، أن يدق هاتفه المحمول، دقائق أخرى فتأتيه الإجابة عبر مكالمة أخرى من أحد زملاء أحمد، وبعد تمهيدات ومقدمة هادئة، جاءه نبأ دب في أوصاله، دق قلبه بعنف، جمد الدم في عروقه، وانحبست أنفاسه، كأنما سرت بجسده طعنات اخترقت جميع حواسه: "يا عم حافظ شد حيلك.. ابنك شهيد مأمورية في الواحات للقضاء على إرهابيين.. ابنك في الجنة إن شاء الله". مشهد 3 "ليالي مع صديقاتها، تتلقى اتصالاً هاتفياً من حسام زوج شقيقتها خلود الذي علم بالخبر من أحد زملاء أحمد، تسقط على الأرض مغشياً عليها، تنقلها صديقاتها إلى منزل العائلة، يخيم الحزن والصدمة على الجميع وكأن ثعباناً ضخماً ساماً، فتح فاهه، ونظر إليهم نظرة مباشرة، ونفث فيهم سمه القاتل، دون حول لهم أو مقاومة. مشهد 4 يستجمعون ما تبقي لهم من عزم، تذهب ليالي ووالدها وشقيقتها وزوج شقيقتها وبعض أصدقاء أحمد إلى مركز تدريب العمليات الخاصة الذي يعمل به الشهيد لاستلام جثمانه من هناك، يشاهدون وجهه للمرة الأخيرة، جسداً طاهرا منيراً وجهه كالبدر، يودعون جسده، بدموعهم ودعواتهم وصلواتهم ويقيمون جنازة مهيبة له، لكن روحه لم تغادر ظلت باقيه في شقيقتيه وأبيه، تأبى الرحيل، يأتي الأصدقاء من كل مكان يحكون حكاياته ويروون مواقفه. مشهد 5 الجميع يتوافدون لحضور العزاء وتأدية الواجب، بينما يقف "عم حافظ" أمام المرأة يضع "برفانه" المفضل، ويرتدي أفخم "بدلة" من دولابه، وقميصاً و"كرافات"، تسأله جدة أحمد عما يفعله، فيجيبها: "أنا نازل فرح أحمد يا أمي مش نازل أخد عزاه". مشهد 6 أصدقاء أحمد يتجمعون للشد من أزر والده وأسرته، يتذكرون.. هذا "عبدالرحمن صديق الطفولة يروي: "عارف ياعم حافظ كنا في 3 إعدادي واحنا بنلعب واحد زميلنا كان اسمه بودي عصام وهو بيجري اتخبط واتعور في رجله وفضلت تجيب دم، جه ابنك احمد الله يرحمه قطع ايد شنطته الجديدة وربط الجرح عشان مينزفش". وآخر يقول: "يا عم أنا أحمد كان عاطيني مبلغ كبير عشان أحطه في الجامع الجديد اللي بيتبني في منطقة الجناين"، وثالث: "أحمد ده طول عمره بطل.. فاكرين لما نجح في جميع اختبارات كلية الشرطة والكلية الحربية وطلع الأول وفضل إنه يختار كلية الشرطة عشان يخدم الناس"، ورابع ضابط يُكمل: "أحمد طلع الأول علينا كلنا في كل فرق المهام الخاصة والتدريب والسيل والصاعقة، أحمد كان حلمه يدخل فرقة مكافحة الإرهاب الدولي عشان كده كان بيتدرب أكتر من 6 ساعات في اليوم" مشهد 7 تذهب ليالي إلى مخدعها دون أن تهاتف أحمد اليوم، يدخل الأب غرفته دون أن يتناقش مع نجله الوحيد صاحب ال 23 عاماً في كل أمور حياته وكيف سيختار عروسته؟ ومتى حصل على المركز الأول في اختبارات فرقة المهام الخاصة.. ماذا أكل.. لماذا سهر ليلة أمس.. ومع من تحدث.. ومتى موعد أجازته؟! و..... عزيزي: هل دق بابك إرهابي، وأتاك من حيث لا تحتسب، يتلوى ويختبئ بين ثنايا الأشياء ليداهمك فجأة. لقد دق باب "عم حافظ" إرهابي، فتصدى له نجله أحمد، البطل الذي أبى أن يتركه يسرق جيرانه ويهدد أمنهم وحياتهم واستوقفه بعيداً عن المدينة كلها. لَك أن تتخيل كم العناء الذي ستجنيه جراء فقدان أعز من لك برصاصة مغدورة مخفية جبانه تتوارى وتنزوي بين المنحنيات وفي المخابئ والأنفاق، والمتاهات. إنها الحرب التي يبذل فيها الأبطال جهدهم وحياتهم وروحهم وأنفسهم، تحية لهم ولذويهم ولكل من يتصدى لذلك الثعبان المتربص الخائن.