كتب - رنا الجميعي وإشراق أحمد ومحمد مهدي: في العمارة 58 بمدينة الإعلام في العجوزة، وضع الأخوان مهيب حجر الأساس لتحد جديد بإقامة ستوديو خاص بهما، كان بمثابة مدرسة أولى للرسوم المتحركة عربيًا وإفريقيًا، زخرت بأحدث آلات التصوير، وصارت قِبلة محبي الفن والتحريك في ذلك الوقت. ارتفع طموح الشقيقين بعد نجاح فيلم "الخط الأبيض"، غير أن ظروف البلد لم تعين تطلعهم لتنفيذ أفلام أخرى لذلك قررا الانفصال عن التليفزيون "كانوا قبل 67 وميزانية الدولة رايحة على التسليح" يذكر علي سعد مهيب، ابن شقيقهما. كان للأخوين تجربة تمهيدية في تنفيذ إعلانات بالرسوم المتحركة، مع وكالة روز اليوسف للإعلان، التي أسندت لهما مهمة تنفيذ مادة إعلانية، حيث لعلي علاقات مهنية بحكم وصوله لمنصب سكرتير تنفيذي لمجلة دار الهلال، فكّر رسام "الأنيميشن" حينها لما لا يُنشئا استديو خاص يحققا من خلاله آمالهما، وقال لشقيقه حسام "اللي خلانا نعمل قسم كامل في التليفزيون مش هنعرف نعمل كدا لوحدنا"، ليؤسسا استوديو مهيب عام 1966. "الاستديو اتعمل في شقة فوق بيت والدة علي وحسام".. يقول عبد القادر الكراني، أحد تلاميذ حسام، بدأ الاستديو بشقة واحدة، تحمل رقم 1004، لكنه اتسع مع الوقت لضمه الكثير من المعدات، وتجهيزه على أعلى مستوى، أصبح أربعة شقق بالإضافة إلى المرسم الموجود في شارع المراغي. انطلق الاثنان مرة أخرى في تجربة جديدة، هذه المرة بصُلب أيديهما، برأس مال بلغ 7 آلاف جنيه، وشراكة وثقوها رسميًا بعقد تم تحريره في 1 يناير 1968، ذلك العام الذي قامت فيه وكالة الأهرام للإعلان باحتكار أعمال الأخوين مهيب، واتخذتهم مستشارين فنيين لها، ليشهد الاستوديو منذ ذلك التاريخ إنتاج كم هائل من الإعلانات "لكن دا مكنش هدفهم، الإعلان كان وسيلة لنشر الرسوم المتحركة" كما يقول ابن شقيقهما. انتقل مع الأخوين مهيب عدد من تلاميذهما بالتلفزيون، "كنا حوالي 4 أفراد في الأول" يذكر وجيه فهمي، أحد أقدم أعضاء فريق العمل، كان الاستديو قِبلة العديدين من طلبة وخريجي فنون جميلة، ومعهد السينما، كما تردد عليه العديد من الفنانين أمثال عبد المنعم مدبولي وسيد مكاوي وعبد العزيز محمود ومحمد منير، والمخرج عاطف سالم. حساسية آل مهيب تجاه الفن لم تكن ملكهما فقط، مُنحت العائلة نفسها تلك الهبة، لذا عمل معهما عدد من الأقارب، منهم الكراني، جاء تهجير أهالي السويس حيث يقيم في الستينات، ليُقربه من عالم مهيب، ويبدأ العمل معهم عام 1977 خلال عامه الأخير بكلية الزراعة. في ذلك الوقت تخرج طارق رشاد من قسم الرسوم المتحركة، بمعهد السينما، كأول دُفعة حققت رغبتها بإنشاء خاص بها بفضل الفنان علي مهيب، موهبة طارق في التحريك جعلت منه المُحرّك الأساسي باستديو مهيب، منذ عام 1978 حتى عام 1989. أما الكراني، قريب الشقيقين، والذي برزت موهبته في يديه، فاقترب أكثر من حسام مهيب، ليعمل بجواره، وتُصبح ورشة التصوير حكرًا على حسام وتلميذه فقط، ويتعلم منه كل ما يتعلق بمجال التصوير. كانت طريقة العمل تُدار بداية من علي مهيب "أساس الرسم في الاستديو والباقي بيقوموا بالشغل اللي بعد كدا" بحسب الابن أحمد مهيب. يقوم علي بعمل "السكريبت"، يرسم ثم يُحدد توقيت الرسومات "ويشوف بقى هيعمل كام كادر، كانت الثانية الواحدة ب24 كادر، يعني 24 رسمة" كما يذكر عبد الناصر أبو بكر، أحد التلاميذ في الاستوديو. سيمفونية ينطلق فيها علي بالرسم، وينهيها حسام بالتصوير. "أستاذ علي مكنش فيه زيه في رسم الشخصيات" بصوت مازال مُنبهرًا يقول رشا، أحد المُحرّك الرئيسيين في الاستوديو، 90% من شخصيات الإعلانات كانت من عمل يدي علي "وأوقات كان زميله وصديقه الفنان مصطفى حسين يرسم، كان معروف أد ايه هو بيرسم شخصيات مصرية أصيلة".
ولم يكن يحتاج رشاد وقتًا للتمييز بين رسوم علي ورسام آخر، إذ لم يواجه صعوبة في تحريك شخصياته، خلاف غيرها التي أحيانًا تتطلب المعالجة لتحريكها بحسب قوله. ترسّخت تلك الفترة من تاريخ الأخوين بشعار مُهيب، كان انتاجهما له روح تظهر على الشاشة، والشعار أشبه بختم يوضع على كل إعلان، تقول منار ابنة حسام مُهيب إن الشعار جمع بين شقين أساسيين هما؛ "بالتة" الألوان وثقوب الفيلم التي تعني الحركة، وهو ما يُشير إلى تكامل الأخوين، فيما ثُبتت أعلى "البالتة" فُرشتان متساويتان في الطول "ودا معناه الشراكة المتساوية بينهم". بعد الرسم والتحريك يشمر المصورون عن سواعدهم "أستاذ علي يقول أنا عايز الفسيخ يبقى شربات، والمفروض إن حسام ينفذ ده" يحكي الكراني، مساعد المصور، كانت معدات الاستديو من إضاءة وتصوير ومونتاج في يد حسام، بحُكم قربه من بيتر نيلسون هورديل، أحد أكبر مُصنعي المعدات السينمائية بالعالم، فقد كان الفنان المصري المستشار الفني ووكيل الشركة الإنجليزية بحسب منار مهيب. وعلى الرغم من أسعار الكاميرات المُكلفة، غير أن الاخوين تمكنا من شراء أحدث آلات التصوير في ذلك الوقت، تعددت زيارات حُسام إلى إنجلترا حيث هورديل، يتفقد المعدات ويراسل علي للاتفاق على المناسب للإمكانيات، وبذلك امتلك استوديو مهيب اثنين من كاميرات الأوكسبري "oxberry" 35 مم، وأربع آلات آخرين 16 مم، بالإضافة إلى جهاز المونتاج "الموفيولا". لم تكن الكاميرا بالنسبة ل"حسام" مجرد أداة "كان يعالمها كأنها ولاده" يقول مساعده مبتسمًا. عبر تجربته شاهد "الكراني" كيف يتعامل أستاذه مع الكاميرا، ظلّت تتردد نصائحه في أذنيه "مفيش كاميرا مان من غير مفك"، لم تتدخل أيدي خارجية في إصلاح أجهزة الاستديو، كان "حسام" ومن بعده مساعده وعدد آخر من التلاميذ هم الموّكلين بالصيانة "مكنش فيه صنايعي يدخل.. أحنا الصنايعية والفرّاشين وكل حاجة"، كان الأمر يتعدّ فكرة التصليح إلى مدى حرفية مدير تصوير الاستوديو في التعامل مع كل ما يخص معدّاته. ولأن استوديو مهيب مدرسة ومنزل بالنسبة للمترديين عليه، لم تغب عنه الصفات الإنسانية "حسام كان عصبي جدًا وهادي جدًا في نفس الوقت"، يفسر مساعده ذلك بالشدة في العمل، فيما يدلل على الوصف الثاني، برواية لموقف حدث معه داخل الاستوديو، حينما أصاب الكاميرا عطل أثناء غياب "حسام"، حاول الكراني تصليحها باستخدام "شونيور"، وحينما بدأ العمل رآه الأستاذ، الذي لم يُبد رد فعل، إلا عندما تحدث له المساعد، فنهره "حسام" رغبة منه في الفهم، لأن ما فعله قد يُكلف خسارة ملايين الجنيهات، فضلاً عن الحب الكامن فيه للكاميرا. أما "علي" ليس أقل من شقيقه حمية للعمل "لو شاف أي حاجة على لوح التصوير "سليلويد" تبقى مصيبته سودة لأن لو شعراية هتبقى شارع في التصوير"، الدقة هي حياة رسام الاستوديو، ونسبة الخطأ لا يقبل أن تكون غير الصفر، وخلاف ذلك "كنت تاخد منه أي حاجة أب تلاقي أخ تلاقي"، كما يقول الكراني قريب الشقيقين. كان لأستوديو مهيب نظام خاص "كنا ندخل أوضة الكاميرا من غير جزم، كانت منطقة مقدسة" يتذكر قريب الشقيقين والعامل معهما. حتى ذرات التراب ما كانت لتدخل إلى المكان "مفيش شباك يتفتح، عشان أي حاجة ممكن تدخل تبوظ الشغل"، يضحك مساعد حسام كلّما استعاد معاملة مهيب للكاميرا "ياريتنا كنا بنتعامل زيها، كنا بنطبطب عليها". بين إعلانات وتترات أفلام وخدع سينمائية وفوازير، تعددت الأعمال التي أنتجها استوديو مهيب، لكن الاخوين لم يتمكنا من تكرار تجربة الخيط الأبيض "شغل الإعلانات اخد كل الوقت والمسألة محتاجة دقة جدًا"، يستغرق إخراج منتج فني وقت ومجهود لدرجة اعتذارهما عن كثير من طلبات العمل المنهال خاصة أن "في الوقت ده الرائج كان الرسوم المتحركة" بحسب قريب الشقيقين. وكما كان الاستوديو مصنع الأفكار لأعمال الرسوم المتحركة، كذلك ظل مستودع زمام التطوير في تلك الفترة؛ سمحت علاقة "حسام" بصانع الكاميرات "هورديل" أن يبادله الزيارات، فيرى الأخير التعديلات التي يقوم بها حُسام على الكاميرات وينفذها، "كان دايمًا يشوف الكاميرات لو فيها مشاكل مُتكررة يعدل فيها، ودا كان بيفيد هورديل" يحكي مساعد مدير تصوير الاستوديو، جازمًا بقوله إن النسخة الأحدث من آلة التصوير القادمة من إنجلترا تصبح مُعدلة بأفكار "حسام". وكذلك حينما دخلت تقنيات جديدة مع مطلع الثمانينيات، بدأت مع كاميرا الإريال ايمدج (الصورة الهوائية) ثم الكومبيوتر "الأستاذ علي ربط كاميرا الأوكسبيري بالكومبيوتر"، تقول رشيدة عبد الرؤوف، رئيس قسم الرسوم المتحركة سابقًا، وعملت لفترة بالأستوديو. الكثيرون ممن ترددوا على استديو مهيب لم يستمروا لفترات طويلة، بالنسبة لمساعد "حسام" لم يكفيه العمل بالاستديو فقط "أنا كنت شغال في وزارة التموين"، كان العمل مُرهقًا بمقابل مادي بسيط، فلم يستمر في الاستديو سوى من أحبّ الأخوين وأراد التعلم "المخرجة منى أبو النصر مكنتش بتمشي من الاستديو". ظلت أعمال أستوديو مهيب، علامة مسجلة منذ الستينات وحتى الألفينيات، تشير إلى إخلاص فريق مهيب، ودليلا على عبقرية صانعيها وتفانيهم لرسوم متحركة، توالت أجيال في حفظ تفاصيل شخصياتها، حتى باتت "تيمة" حديثهم إن حلت في جلساتهم.