كانت جثة ابن شقيقته الأولى التي ينتشلها عمّال الانقاذ، ثم أخرجوا بعدها المزيد من تحت الركام الخرساني الذي كان من قبل منزل شقيقته في غرب الموصل، وفي هذه اللحظة لم يستطع العراقي محمود سالم إسماعيل تمالك أعصابه، وسقط منهارا بجانب الأكياس التي وضعت الجثث بداخلها. قال إسماعيل لوكالة الأسوشيتيد برس الإخبارية، إن بعض الناس حُرقوا، والآخرين انقسمت أجسادهم إلى نصفين، في الواقعة التي عُرفت إعلاميا باسم "مجزرة الموصل". تحدث إسماعيل عن الهجوم الذي حدث في الموصل في 17 مارس الماضي، وأودى بحياة أكثر من 100 شحص، في إطار استمرار القتال بين القوات العراقية ومقاتلي تنظيم داعش في المنطقة، وتسبب في مقتل 14 شخصا من عائلته، هم شقيقته "بشرى"، وأبنائها الثلاثة، وعمه وعمته ونجليهم ونجلتهم، وأطفالهم. ويتابع قوله : "رأيت جثة شقيقتي، وجهها أزرق إلا أن جسدها سليم." ولفتت الوكالة لإقرار التحالف الجوي بقيادة أمريكا بشن قصف جوي على المنطقة، إلا أن المسؤولين في الجيش الأمريكي أكدوا أن الذخائر المستخدمة لم تكن كافية لكي تُحدث كل هذا الدمار، ورجحوا بأن مسلحي داعش احتجزوا المواطنين داخل المباني، وقاموا بتفجيرها. قال إسماعيل إن شقيقته أخبرته بأن عائلتها وجيرانها سينقلون إلى تلك البناية بالتحديد، ليمكثوا هناك فترة، لأنها آمنة، فهي مكونة من طابقين ولها قبو، يستطيعون الاختباء فيه مع تواصل القتال واقترابه منهم. لم ينقطع الاتصال بين إسماعيل وشقيقته، حتى اليوم الذي سبق الغارة، وفي إحدى المكالمات أخبرته بأن النساء اجتمعن في القبو، ويتواجد عدد محدود من الرجال في الطابق الأرضي. وبعد عدة أيام من وقوع الانفجار، كان إسماعيل يسمع شائعات بقصف البناية التي تمكث فيها شقيقته والعائلة، وبعد تأمين القوات العراقية للمنطقة، أسرع إلى هناك برفقة أشقائه الخمسة، يحاولون العثور على بشرى وأبنائها، ويقول : "تستطيع سماع أصوات الطلقات النارية في الشوارع حتى الآن، وقذائف الهاون تسقط عشوائيا على المنازل." وأضاف : "المنزل بأكمله انهار، أصبح متساوي بالأرض." بحسب جيران بشرى، أطلق أحد مقاتلي داعش بعض الطلقات النارية بشكل عشوائي من فوق سطح البناية ثم هرب، ويقول إسماعيل إن شخصا واحدا تسبب في مقتل 105 من المدنيين الذين لم يرتكبوا أي خطأ. ولفتت الوكالة إلى أن كل الجثث كانت تحت الأنقاض، سوى جثة ابن شقيقته أحمد، 17 عاما، والتي وضعت في ساحة مجاورة، وتم تغطيتها ببطانية. وفي اليوم التالي للانفجار، أجرت الحماية المدنية في بغداد عمليات بحث وتنقيب لاستخراج الجثث، واتصلت السلطات بإسماعيل لكي يتعرف على هويات الجثث. كانت بشرى أكبر أشقاء إسماعيل. وبالنسبة له لم تكن مجرد أخت بل كانت مثلًا يُحتذى به، فحياتها لم تكن سهلة، زوجها عانى من مرض الفشل الكلوي، حتى توفي منذ شهرين. وتشير الوكالة إلى تعهد إسماعيل بعدم العودة إلى تلك المنطقة مرة أخرى، ويقول : "شقيقتي وابنها كانوا صغار السن، لم يروا كثيرا في الحياة، وإذا عدت إلى هناك مجددا سأصاب بالجنون، لن ننسى ما حدث لهم، وسنذكر ما جرى حتى يوم وفاتنا."