روح تصعد إلى بارئها، وأرواح أخرى تنتظر.. تلك هي حال خمسة من أبناء قرية أبو شلبي التابعة لمركز فاقوس بمحافظة الشرقية. الحزن يخيم على جميع أهالي القرية، والكل يترقب جنازات أخرى قد يشييعونها قريبًا، بعدما شييعوا أمس جثمان أحد بناتهم التي حاولت السفر لزوجها في بلاد الغربة عبر هجرة غير شرعية إلى ألمانيا. يقول محمد علي شلبي، أحد العائدين من رحلة الموت غير الشرعية، إنه اصطحب زوجته وابنته الوحيدة، في رحلة إلى إيطاليا بحثا عن لقمة عيش وحياة رغد مثلما كان يحلم. وأضاف محمد: "كنا ضمن ركاب يخت مشئوم، وكان مقررًا أن يسافر 300 فردًا على متن اليخت، والذي لا تتسع حمولته لأكثر من 100 راكب فقط، ورغم الاتفاق الزائد إلا أننا قد سافرنا 700 فردًا بعدما انتظرنا ساعات في عرض البحر". وتابع: "أثناء سيرنا توقف اليخت فجأة بعد عطل في المحرك، وبعث ريس اليخت برسالة استغاثة، وبالفعل جاءت إحدى السفن وساعدتنا على تشغيل المحرك، وألقوا لنا حبالٍ لربطنا من الأمام والخلف، ولكن علت الأمواج؛ ليرتطم اليخت بالسفينة عدة مرات في لحظات رعب بالغة". واستطرد: "أصابنا الخوف والفزع، خاصةً بعدما بدأ اليخت في التمايل، ولم يحرك رعبنا أية مشاعر في طاقم السفينة، والذين كانوا ينتظرون التعليمات لانقاذنا فور الغرق، وهو ما حدث مع ازدياد ميل المركب، حيث قامت عدة سفن بنقل بعض الركاب، ومنهم من أكمل رحلته إلى إيطاليا مثلي أنا وزوجتي، حيث تم تسليمنا إلى الصليب الأحمر". وأوضح: "عدت بعدها إلى قريتي ولكن معي زوجتي فقط، بعدما فقدنا بنتنا الوحيدة نور، والتي لم يفيدنا الإنتربول الإيطالي بأي شيء، ولم يخبرنا أحد عن مكان الركاب سواء كانوا أحياءً أم أموتًا؛ لنرتاح حتى ولو كانت النتيجة مصاب جلل". على بُعد بضعة منازل، كانت هناك ضحية أخرى ل"مركب الموت" غير نور، ولكنها كانت جثة هامدة، حيث شيع الأهالي جثمان سارة محمد، 35 عامًا، والتي لقت حتفها غرقًا أثناء سفرها برفقة زوجها إلى إيطاليا، بينما نجا زوجها من الموت، وعاد بها إلى القرية مصابًا بانهيار عصبي. وبالقرب من منزل سارة، كان هناك 3 ضحايا جدد، وهم طفلان وأمهما "مروة صبري محمد" ابنة ال 23 ربيعًا، والتي تقول والدتها: " زوج مروة سافر المانيا من حوالي سنة، ولما استقر هناك فضل يلح عليها علشان تسافر له، وزيها زي بنات القرية اللي بيستنوا أزواجهم يسافروا ويستقروا في الغربة علشان يسافروا لهم.. سافرت مروة". وتابعت الأم المكلومة: "مروة بنتي الكبيرة، وكانت مسافرة من غير علمنا، كانت خايفة نرفض سفرها، واكتشفنا من يومين إنها سافرت، ومن ساعة ما وصلنا الخبر، وأنا عندي انهيار عصبي". ويلتقط والد مروة، أطراف الحديث، ليؤكد أنهم يعيشون في صدمة منذ علمهم بسفر ابنته وغرق المركب، خاصةً أن جثمان "سارة" وصل القرية، ولكن ابنته لم يراها ولو حتى جثة هامدة. وناشد والد مروة، السلطات المصرية، بمتابعة الموقف ومساعدتهم في البحث عن نجلته، موضحًا أنه لو كان يعلم بسفرها لكان منعها بالقوة. ومن جانبه أوضح محمد شحتة "خال مروة"، أنها ضحية زوجها، والذي ألح عليها بالسفر إليه، منوهًا بأنها كانت ترفض فكرة السفر من خلال المركب، وأخبرتهم بذلك. وتابع: "حينما اتصلنا بزوجها، أخبرنا بأنها سافرت له عن طريق الطيران، وعلمنا فيما بعد أن شقيقه "رضا" كان مع ابنتنا في الرحلة، ولكنه عاد سالمًا، وحينما سألناه عن مروة، أكد أنه لم يشاهدها على متن المركب، ونتمنى أن يكون كلامه صحيحًا". وحاولنا التواصل مع زوج مروة، المتواجود في ألمانيا، والذي أكد لنا، أنه شاهد مروة وطفليها بإحدى المستشفيات في تقرير إخباري تلفزيوني. وكان 300 فردًا، حاولوا الهجرة بطريقة غير شرعية، على متن مركب قوته 100 فرد فقط، وغرق بهم في مياه البحر المتوسط، وبعد محاولات البحث والانقاذ، تم انتشال 31 جثة بينهم 26 مصريًا، وصلت جميعها إلى ميناء الإسكندرية. كما وصلت 9 جثث متحللة الأجزاء، بينهم جثة لسيدة مصرية، ويرجح أن تكون باقي الجثث لمجموعة من الأفارقة المهاجرين على متن المركب.