قدم الدكنور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، كشف حساب عن فترة توليه الأمانة العامة للجامعة العربية طوال خمس سنوات بدأت من عام 2011 إلى 2016، وذلك بمناسبة انتهاء فترة ولايته في أول يوليو المقبل. واختار وزراء الخارجية العرب، مرشح مصر لمنصب الأمين العام أحمد أبو الغيط في جلسة غير عادية عقدت يوم الخميس برئاسة البحرين، وذلك بعد مشاورات مغلقة استمرت أكثر من 6 ساعات، وذلك بتوافق عربي كامل رغم تحفظ قطر على اسم وشخص المرشح لكنها قالت إنها ترحب به حرصًا على العمل العربي المشترك. ونجح مرشح مصر أبو الغيط في الحصول على المنصب بعد وساطة سعودية إماراتية عمانية في اجتماعات مغلقة. وسرد العربي في كلمته أمام مجلس الجامعة العربية على المستوى الوزاري ما قدمه كأمين عام للجامعة العربية خلال فترة ولايته والتي قال إنه بدأها بزيارة إلى سوريا بعد أبوع ن تنصيبه في محاولة لحل الأزمة السورية وصولا إلى تحديث ميثاق الجامعة العربية لتصبح منظمة عصرية تواكب التغيرات التي تتعرض لها دول الوطن العربي والتطورات الدولية ذات الصلة – بحسب قوله. وفيما يلي النص الكامل لكلمة العربية كما وصل مصراوي نسخة منها: "السيد الرئيس، أصحاب السمو والمعالي والسعادة، السيدات والسادة، يسرني الترحيب بكم جميعاً في مقر جامعة الدول العربية، بيت العرب. وأود بداية أن أتوجه بخالص التهنئة إلى معالي الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير خارجية مملكة البحرين على تولي بلاده رئاسة أعمال هذه الدورة الهامة، وإنني لعلى ثقة تامة في كفاءة معاليه العالية وحكمته في إدارة مناقشاتها وأعمالها بما يعزز العمل العربي المشترك. كما أنتهز هذه الفرصة لأتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة على كل ما بذله هو ومعالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة من جهود مقدرة في رئاسة الدورة السابقة للمجلس وإدارة أعمالها بكل حكمة واقتدار، وأشير في هذا الصدد، إلى المبادرة باستضافة خلوة وزراء الخارجية العرب في أبو ظبي، والتي أرجو أن تتبعها خلوات أخرى يتاح فيها المجال لأصحاب المعالي الوزراء أن يتصارحوا وأن يتحدثوا بحرية تامة حول مختلف القضايا والتحديات التي تواجه الدول العربية وبما يدعم في صالح العمل العربي المشترك. ويسرني الترحيب كذلك بأصحاب المعالي الوزراء الذين يشاركون معنا اليوم لأول مرة في هذا الاجتماع: معالي السيد خميس الجهيناوي وزير الشئون الخارجية للجمهورية التونسية، ومعالي الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية دولة قطر، ومعالي السيد أسلكو أحمد أزيد بيه وزير الشئون الخارجية والتعاون للجمهورية الإسلامية الموريتانية، متمنياً لهم جميعاً كل التوفيق. وأنا على ثقة بأن مشاركتهم سوف تثري مسيرة العمل العربي المشترك. كذلك أتوجه بالترحيب والشكر للضيوف الكرام، الدكتور دانيلو ترك، رئيس جمهورية سلوفانيا والسيد بيير فيمون المبعوث الخاص للمبادرة الفرنسية للسلام، والسيد بيكولاي ملادينوف، الممثل الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط. السيد الرئيس، لقد ألقيت خطابي الأول بعد تسلمي العمل كأمين العام لجامعة الدول العربية هنا أمام هذا المجلس في 13 سبتمبر 2011، ويطيب لي اليوم أن ألقي آخر خطاب لي أمام مجلسكم الموقر، لنراجع سويا ما تحقق من إنجازات، ونستخلص الدروس مما لم نتمكن من إنجازه، عساها تنير ولو بعضاً من الطريق.
لن أتطرق هنا إلى تفاصيل نشاط الجامعة خلال الفترة الماضية، ذلك أنها واردة في تقارير الأمين العام المرفوعة إلى المجلس، إلا أنني أود تخصيص هذه الكلمة لطرح نقاط أساسية، تتعلق بدور جامعة الدول العربية في شئون السياسة العربية، والتي تمس بشكل مباشر أمن الوطن العربي وسلامته، وتستدعي وقفة جادة ومراجعة شاملة لمنظومة العمل العربي المشترك والأمن الإقليمي العربي. السيد الرئيس، إن التحديات التي تواجه الوطن العربي ليست جديدة، وقد سبق لي أن ذكرت في كلمتي الأولى أمام مجلسكم الموقر في 13 سبتمبر 2011 أننا أمام منعطف رئيسي في عالم عربي يتغير بسرعة وبعمق، بما يضع الجامعة ومؤسساتها أمام أحد أمرين: إما أن تصبح الجامعة إطاراً حقيقياً يساهم في ترشيد عملية التغيير والتطوير في الوطن العربي، وإما أن يجرفها التيار العارم للتغيير في طريقه. ومن ثم اقترحت على مجلسكم الموقر إعادة النظر في المجالات الآتية: 1- تحديث ميثاق الجامعة لتصبح منظمة عصرية تواكب التغيرات التي تتعرض لها دول الوطن العربي والتطورات الدولية ذات الصلة. 2- تفعيل الاتفاقيات القائمة وتنفيذ القرارات السابقة لمجلس الجامعة، وتبني إجراءات تضمن الالتزام بما يتم الاتفاق عليه في المستقبل. 3- مواكبة التطورات التي شهدتها آليات عمل المنظمات الإقليمية، خاصة تجربة الاتحاد الأفريقي في مجال حفظ السلم والأمن، بما يدعم قدرة الجامعة على أداء الأدوار المناطة بها. 4- ترتيب أولويات عمل الجامعة بالتركيز على الجوانب المتعلقة بشئون العلاقات العربية التي أُسست الجامعة من أجل توثيقها. 5- النظر في كيفية اضطلاع الجامعة بدور المحفز الدافع للعمل العربي متعدد الأطراف والجماعي على حد سواء. 6- الاستجابة للرغبة الشعبية العارمة في المشاركة بشكل فعال في أعمال الجامعة العربية. 7- خلق آلية دائمة لتقييم ومتابعة وتطوير عمل الجامعة بشكل يضمن استمرار تأقلمها مع تغير الظروف المحيطة بها في المستقبل. ولقد استجاب المجلس مشكوراً لهذه الدعوة، وبناء على ذلك تم تشكيل لجنة مستقلة رفيعة المستوى من شخصيات عربية بارزة لها خبرة بمجالات العمل العربي المشترك، وتفضل معالي الوزير الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي برئاستها، وخلصت اللجنة إلى وضع مقترحات في هذا الصدد، تم رفعها إلى الدول الأعضاء، لتقوم بدراستها والنظر فيها. وقد وافقت الدول على عدد منها، وأضافت عليها اقتراحات أخرى. ومن بين أهم المقترحات التي عملت الجامعة على تحقيقها تعديل الميثاق، وتعزيز دور مجلس الأمن والسلم، وإنشاء محكمة العدل العربية، واقتراح جلالة ملك البحرين إنشاء محكمة عربية لحقوق الإنسان، وهو ما يعد نقلة حضارية في مجال حماية حقوق الإنسان العربي، واقترح فخامة الرئيس المصري إنشاء قوة عربية مشتركة، وهو ما يعد نقلة نوعية في مجال صيانة الأمن القومي العربي. وقد أتمت فرق العمل المكونة من ممثلي الدول الأعضاء والأمانة العامة إعداد مشروعات للميثاق المعدل، ونظام جديد لمجلس السلم والأمن، والنظام الأساسي لمحكمة العدل العربية، والنظام الأساسي لمحكمة حقوق الإنسان العربية، وأصبحت تلك المشروعات في معظمها جاهزة للإقرار من مجلس الجامعة، لكن المجلس لم يقَّر بعد أياً من هذه المشروعات الهامة، وتم تجاوز الإطار الزمني الذي حددته قمة شرم الشيخ لذلك، ثم بدأت بعض الدول مؤخراً في إبداء ملاحظات جديدة قد تؤجل إقرار هذه الإصلاحات. من جهة أخرى قامت الأمانة العامة للجامعة بإعداد تصور لمكافحة الإرهاب، وهو آفة العصر الحديث وصيانة الأمن القومي العربي، تنفيذا لقرار مجلس الجامعة رقم 7804 لعام 2014، وأرسلته إلى الدول الأعضاء في مارس 2015 للنظر فيه، ولتنفيذ ما ورد فيه من مواجهة جماعية شاملة سياسياً وأمنياً وفكرياً للقضاء على التطرف الذى نشهده في المنطقة ولم تتلق الأمانة العامة سوى رد وحيد. وبالمثل، عملت الأمانة العامة على تنفيذ قرار قمة شرم الشيخ بإنشاء قوة عربية مشتركة، وعقدت بالفعل اجتماعين تاريخيين لرؤساء أركان الجيوش العربية، حققا تقدما هاماً نحو بلورة تصور مشترك لهذه القوة. ورغم أن الأحداث التي تمر بها البلدان العربية قد أكدت، بما لا يدع مجالا للشك، على أهمية تكوين هذه القوة، فإنه بعد مرور عام على صدور قرار قمة شرم الشيخ، لم تكتمل المشاورات الجارية بشأنها حتى الآن. وتقتضي دواعي الإنصاف الإقرار بالجهد الكبير الذي بذلته الدول الأعضاء خلال الأعوام الأخيرة من أجل تطوير الجامعة العربية وتمكينها من القيام بدور كان يصعب عليها القيام به في الماضي. لكن الموضوعية تحتم علينا أيضا الإقرار بأن حجم التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي يفوق بمراحل الإجراءات التي كنا نسعى إلى اتخاذها. لقد أراد لنا القدر أن نواجه تحديات كبرى، تهدد وجود دول ومجتمعات عربية بأكملها. وهي تحديات نابعة من تغيرات عميقة في المنطقة والعالم، ومحصلة لمشكلات عمرها عشرات السنين، تنهال علينا تداعياتها دفعة واحدة من كل حدب وصوب، وليس أمامنا مفر من مواجهة هذه التحديات الكبرى التي قد تعصف بكيان بعض الدول الأعضاء إن لم يتمكنوا من مواجهتها في الوقت المناسب وبالطريقة الملائمة. السيد الرئيس لقد خاضت الجامعة العربية هذه المواجهة خلال السنوات الخمس السابقة بقدر ما مكنتها الدول الأعضاء من قوة. ففي فلسطين، وسوريا، وليبيا، واليمن، وغيرها، حاولت الجامعة العربية الاضطلاع بمهمتها الرئيسية، وهي تنسيق جهود الدول الأعضاء للحفاظ على أمنها وسلامتها ومصالحها المشتركة وتحقيق مصالح الدول العربية. ففي فلسطين، قضية العرب المركزية الأولى، نجحت الجامعة العربية في تنسيق الجهود من أجل دعم القيادة الفلسطينية في مسعاها لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وليس مجرد الاكتفاء بما كان يجرى العمل به من إدارة للأزمة والدخول في مسار مفاوضات عقيمة، وكان ذلك من خلال العمل على إحياء مسار تفاوضي برعاية وزير الخارجية الأمريكية للتوصل إلى اتفاق يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة ويقيم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وترسيخ الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية. وقد قامت اللجنة الوزارية لمبادرة السلام العربية بتنسيق الجهود مما ساعد المساعي الفلسطينية التي قادها باقتدار كبير الرئيس محمود عباس، وأسفر ذلك عن توسيع دائرة الاعتراف الدولي بفلسطين من قبل الأممالمتحدة بصفة دولة مراقب، وعزل الموقف الإسرائيلي المتعنت والحائل دون التوصل إلى تسوية عادلة ودائمة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإدراك الدولي باعتبار إسرائيل آخر معاقل العنصرية والأبارتايد في العالم، وهو أمر له أهميته في دعم الموقف العربي في سعيه لإنهاء هذا الصراع التاريخي المتشعب. ونأمل الآن أن تسفر المشاورات الجارية بشأن المقترحات الفرنسية بعقد مؤتمر دولي إلى دفع الجهود المبذولة لتحقيق السلام العادل المنشود. السيد الرئيس، وفيما يتعلق بالوضع الدامي في سوريا، فلقد بدأت مهامي كأمين عام للجامعة بزيارة لدمشق في يوليو من عام 2011 مباشرة بعد أسبوع واحد من استلام عملي، ثم قمت بزيارة أخرى إلى دمشق في 11 سبتمبر، وتوصلت الجامعة بعد ذلك إلى اتفاق لوقف انزلاق سوريا في دوامة العنف، تم بمقتضاه إيفاد بعثة من المراقبين العرب انتشرت في ستة عشر موقعا داخل سوريا. وقد قامت الأمانة العامة للجامعة بجهد جبار من أجل تكوين بعثة المراقبة في وقت قصير ونشرها، وحققت نجاحاً مشهوداً رغم إمكانياتها المحدودة وجدة اضطلاعها بمثل هذه المهام. كما أنشئت غرفة عمليات كانت تعمل على مدار 24 ساعة يومياً، إلا أن هذا النجاح الذي تحقق سرعان ما تبدد مع انهيار مهمة بعثة المراقبة والاتفاق بين الدول إلى إحالة الملف برمته إلى الأممالمتحدة، وبعد ذلك تم الاتفاق أن تقوم الجامعة العربية والأممالمتحدة بتعيين السيد كوفي أنان كمبعوث خاص مشترك وعين الدكتور ناصر القدوة كنائب له. ولقد أسفرت الجهود التي تمت تحت رعاية كوفي أنان إلى التوصل إلى بيان جنيف (1) في 30 يونيو 2012، وبالرغم من ذلك فإن مجلس الأمن لم يتخذ القرار المناسب، رغم المحاولات العديدة التي بذلتها الجامعة العربية، وكما نعلم جميعاً انزلقت سوريا بعد ذلك في أتون الحرب الأهلية التي أفرزت شلالات الدم ومختلف أشكال الدمار، والآمال الآن معقودة على ما تم إحرازه من تقدم وتفاهمات في اجتماعات مجموعة الدعم الدولية في فيينا وميونخ للمجموعة الدولية لدعم سوريا وما صدر عنها من مقررات تبعها صدور قراري مجلس الأمن رقم 2254 و2268 الذين تم بموجبهما الإعلان عن وقف الأعمال العدائية والقتالية في سوريا وتشكيل فريق عمل يتولى تنسيق وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة تمهيداً لبدء مفاوضات جنيف بين الحكومة والمعارضة السورية وتحت إشراف مبعوث الأممالمتحدة الحالي ستيفان دي مستورا ونائبه السفير رمزي عز الدين بهدف التوصل إلى الحل السياسي المنشود للأزمة السورية. ومن المتوقع أن تبدأ جولة من المفاوضات خلال الأيام القادمة. وفي ليبيا، ومنذ بداية الأزمة انحازت الجامعة إلى خيارات الشعب الليبي، وفور سقوط نظام القذافي سعت الجامعة إلى مساعدة الشعب الليبي على استعادة الأمن والاستقرار وإعادة بناء الدولة الليبية، واتفقت في زيارتي لطرابلس مع رئيس المجلس الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل، على إنشاء مكتب للجامعة العربية في طرابلس للمساعدة في جهود إعادة البناء مع الأممالمتحدة ومع الاتحاد الأوروبي وعدم ترك هذه الساحة مفتوحة لانتشار التنظيمات الإرهابية التى نراها اليوم، وأقر مجلس الجامعة هذه الجهود شاكراً ورصد للمكتب مليون دولار لأول عامين، إلا أنه لم يتم سداد سوى قسطا ضئيلا من هذا المبلغ أكثر من 87 ألف دولار منها، وتم تعيين الدكتور ناصر القدوة مبعوثاً خاصاً للجامعة العربية، وبعد استقالته تم تكليف الدكتور عبد اللطيف عبيد الأمين العام المساعد ورئيس مركز الجامعة في تونس بمتابعة الملف الليبي والحوار السياسي الليبي في الصخيرات. أما فيما يتعلق باليمن، فإن الأمانة العامة للجامعة قد واكبت ومنذ بداية الأزمة جهود مجلس التعاون لدول الخليج العربية في هذا الشأن والتي توجت بإعلان المبادرة الخليجية التي دعمت قرارات مجلس الجامعة تنفيذها، كما واكبت الجامعة جهود مؤتمر الحوار الوطني اليمني بالتعاون والتنسيق مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، إلا أن التطورات اللاحقة والانقلاب على الشرعية اليمنية قد أدت إلى تفاقم الأوضاع، مما استدعى تدخل قوات التحالف العربي بناءً على طلب من السيد الرئيس عبد ربه منصور هادي والحكومة الشرعية اليمنية، وهو ما أيده قرار قمة شرم الشيخ. واليوم فإننا نتطلع إلى أن تسفر المشاورات الجارية عن انطلاق عملية المفاوضات تحت رعاية الأممالمتحدة لوقف نزيف الدماء والدمار في اليمن الشقيق، وبالطبع فإن هذه المفاوضات لابد أن تستند إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني. وفى هذا الصدد لابد من اتخاذ إجراءات فاعلة لمواجهة التدخلات الإيرانية المتكررة في عدد من الدول العربية ولابد كذلك من دعم العراق في مواجهة الإرهاب ينعم الشعب العراقي الشقيق بالأمن والاستقرار. السيد الرئيس، لا يخفى على حضراتكم، ولا على الرأي العام العربي، أن الجهود المضنية والمخلصة التي بذلتها الجامعة العربية، سواء من قبل الدول الأعضاء أو من قبل أمانتها العامة ومنظماتها وهيئاتها، لا تكفي لمواجهة ولو جزء يسير من التحديات الكبرى التي تهدد اليوم النظام الإقليمي العربي برمته، وان التهديدات الماثلة تقتضي جهودا إضافية وتطويرا شاملا لآليات النظام العربي ومواثيقه. ولقد سعيت من ناحيتي خلال السنوات الخمس الماضية إلى التذكير بحجم هذه التحديات، وزرع الأمل في قدرة الجامعة على مواجهتها إذا ما أحسنا استخدام إمكاناتها، وهي كبيرة. ولم أكتف بالتذكير والتبشير، بل بذلت جهوداً حثيثة من أجل بلورة الإجراءات والأطر التي تمكننا – كجامعة عربية – من العمل سويا لمواجهة هذه التحديات، والسعي مع الدول الأعضاء كي تسير على هذا الطريق. وفي ختام هذه السنوات الخمس، أود استخلاص بضع دروس أراها أساسية تتعلق بمستقبل العمل العربي المشترك، بل وبفكرة التضامن والتكامل العربي ذاتها: الأول: أن مصير الدول العربية، ومجتمعاتها، وجامعتها، يعتمد على قدرتنا على العمل سويا بنجاح. وليس هذا كلاما إنشائيا عن وحدة المسار والمصير، بل هو تقييم سياسي بحسابات القوة والمكسب والخسارة، قائم على خبرة متواضعة من العمل العربي الدبلوماسي حيث لن تستطيع أية دولة عربية أن تواجه آفة الإرهاب الذى ينتشر بسرعة بمفردها، مهما بلغت من القوة والحكمة، ولن تحقق أمنها ومصالحها وحدها، دون تعاون مع أشقائها العرب. ولن يصمد مجتمع عربي، مهما بدا متماسكا، دون لم شمل أبنائه على اختلاف مكوناتهم في إطار من الوحدة الوطنية التي تحفظ السلم الاجتماعي وتمكن المجتمع من التقدم إلى الأمام. ولن يكون للجامعة العربية معنى أو مضمون ما لم تقرر الدول الأعضاء جعلها إطارا حقيقيا للتعاون والتكامل فيما بينها. الثاني: أن الجامعة العربية، إن طورت بالشكل الملائم، تظل أفضل إطار للتضامن والعمل العربي المشترك، يحقق الهدف المنشود للأمة العربية في توحيد الجهود في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بحيث تصبح الدول العربية تكتلاً سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا قويًّا يتمتع في إطاره المواطن العربي بحياة حرة كريمة، ويمكِّن الكيانات الوطنية من الاستفادة من فرص النمو التي يوفرها التكامل الإقليمي، ويتيح لها خوض غمار عملية العولمة الجارية بشكل أكثر أمناً وقدرةً على التأثير، وفي إطار من الحماية لاستقلالها وسيادتها، مع الأخذ في الاعتبار أن التنظيم الدولي المعاصر يمنح مجلس الأمن صلاحيات واختصاصات واسعة فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدولي، وهذا لا ينتقص من صلاحيات ودور المنظمات الإقليمية المعنية كجامعة الدول العربية وغيرها من المنظمات الإقليمية. الثالث: أن ما يَحُول بين الجامعة وأداء هذا الدور هو غياب الإرادة السياسية العربية الموحدة وانصرافها أحياناً إلى تحالفات أخرى، كما إن الخلافات في الرؤى تشل في أحيان كثيرة قدرة الجامعة على أداء دورها المنشود، وأن إيجاد حل لهذه المسألة يسبق ويتجاوز أية مشروعات للإصلاح المؤسسي المنشود لجامعة الدول العربية. السيد الرئيس، في ختام هذه الكلمة، أود أن أذكر ما كررته في مناسبات سابقة: جامعة الدول العربية هي أنتم، الدول الأعضاء. فإذا أردتم تفعيل دورها لتكون المؤسسة الجامعة للعرب في تكتل سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل، فإنكم لقادرون على ذلك. كما يمكن أيضاً تركها غير قادرة على مواجهة التحديات والمحن القاسية التي يمر بها الوطن العربي. لكني أرى مصلحتنا جميعاً، دولاً وشعوباً ومواطنين عرب، تكمن في تفعيل دور الجامعة العربية لتمكينها من تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها. لقد حاولت سيادة الرئيس قدر جهدي الحفاظ على كيان الجامعة في خضم من الزوابع والرياح العاصفة، وقاومت بكل ما أملك من حجج وقدرات بعض التوجهات التي كان يمكن أن تغير من طبيعة الجامعة وتحيد بها عن مسارها كإطار عربي جامع حاضن لتطلعات شعوب الأمة العربية ودولها، وكان قدري أن أعايش العمل العربي المشترك في أحلك الظروف وأدق اللحظات التي تمر بها المنطقة العربية. الأمر كله بأيديكم، الدول العربية، وإن الأمانة العامة للجامعة، بأجهزتها المختلفة ستبقى الإطار الأصلح لمساندة الدول الأعضاء ورعاية المصالح العربية العليا المشتركة. وفقكم الله جميعاً للاضطلاع بالمهام الجسيمة الملقاة على عاتقكم، وسدد خطاكم لما فيه مصلحة الأمة وخيرها،"