لم يتردد الشابان السيد سلامة عبدالعزيز، ومحمود السيد الأمين، ابنا قريتي العطيات وأبومناع بحري بدشنا، أثناء توجههما إلي مكتب التجنيد القابع أسفل مبنى مركز شرطة دشنا قبل عدة سنوات، لتعبئة ورقة "6 جند" الخاصة بالتجنيد في القوات المسلحة والداخلية. وجهيهما الأسمران بملامح أهل الصعيد وطيبته، وابتسامتهما ومداعباتهما لأصدقائهما وهم يحملون "المخلة" والمهمات العسكرية دلت أنهما يعتبران خدمة البلاد نوط شرف سيظل يطوق أعناقهما، وليس مجرد ورقة "معافاة" خضراء اللون، ستحول دون أن يستوقفهما شرطي بالكمين للمسائلة أو مجرد مستند إجباري يحتاجه القاصدين لدول الخليج بحثا عن مصدر رزق. لم تشغل بالهما أخبار التفجيرات والأعمال الإرهابية التي تستهدف الجنود وتحتل مقدمة النشرة الإخبارية كل يوم، والتي كان آخرها في ساعة مبكرة من صباح اليوم، عندما أعلن عن استشهاد 5 وإصابة 12 من قوات الأمن في انفجار عبوة ناسفة بالعريش. ربما كان كل ما يشغل بالهما وهما يجمعان أمتعتهما ويستقلان القطار الحربي من محطة قنا، والمتجه إلى مكتب التعبئة والتجنيد "الهايكستب" بالقاهرة، أفراد أسرتيهما اللتان يعولونهما، ويعولون هم عليهما في جلب الرزق، والاعتماد عليهما بشكل كبير في موسم كسر قصب السكر الذي بدأ بالفعل قبل عدة أيام. بمجرد أن تخطو قدماك بداخل منازلهما ستطالعك الكتابات التي خطوها بأحجار الجير والطباشير، فعلي هذا الحائط أسمائهم مقترنة بأسماء زوجاتهما "المستقبلية"، وهناك ذكريات عن الميري وأرقام وعبارة "11 شهر يا جيش ونقول على الجراية عيش". ابتسامتهما الواثقة تكسو صورهم التي مازالت تحتل ركنا هاماً في مضيفة منازلهما، تستقبلك بكل حفاوة وكرم، رغم تظليل كل صورة بشريطة حداد سوداء دلت أن الرجال قبل أن يرحلوا عن دنيانا حملوا لقب شهداء في حب أوطانهم. عدة أشهر مرت على استشهاد المجند بالقوات المسلحة السيد سلامة عبدالعزيز، ابن قرية العطيات، والذي استشهد و31 مجندا من زملائه وهم يدافعون عن كتيبتهم أثناء هجوم لجماعة أنصار بيت المقدس الإرهابية علي كمين كرم القواديس في أكتوبر قبل الماضي، واستشهاد المجند بقوات الأمن المركزي محمود السيد محمد الأمين، ابن قرية أبومناع بحري، خلال الهجوم الدموي على كمين المرازيق بالبدرشين في الجيزة في 29 سبتمبر عام 2015. أسر الشهدين أكدوا ل"ولاد البلد" أنه مع كل عمل إرهابي جديد ومع كل قطرة دماء تسيل لتروي ربوع المحروسة، يشعرون أن الحياة دبت مرة أخري في أرواح أبنائهم، لافتين أن تضحيتهما بأرواحهما من أن أجل أن يهبا الحياة للوطن لم تكن محض صدفة، وأن الأعمال الإرهابية والتخريبية لن تنال من عزيمة المصريين التي تقوي كلما اشتدت الأزمات والمحن، معلنين أنهم على استعداد أن يقوموا بتجنيد جميع أبنائهم في خدمة الوطن ضد أعدائه من الخونة والمرتزقة.