أكد تقرير أممي صدر اليوم الثلاثاء، على نحو مفصل، أن هناك تأثيرًا شديدًا وواسع النطاق للنزاع الدائر في العراق على المدنيين، حيث قتل ما لا يقل عن 18802 مدني وأصيب 36245 آخرون في الفترة من الأول من ديسمبر 2014 حتى 31 أكتوبر 2015، ونزح 2ر3 مليون شخص داخليا منذ يناير 2014، بمن فيهم ما يزيد على مليون طفل في عمر الالتحاق بالمدارس. وأوضح بيان - وزعه المكتب الإعلامي للأمم المتحدة بالقاهرة - أنه قد قتل من المجموع الكلي للضحايا ما لا يقل عن 3855 مدنيا وأصيب 7056 آخرون خلال الفترة من 1 مارس حتى 31 أكتوبر من العام الماضي، وهي الفترة التي شملها التقرير، رغم أن الأرقام الفعلية يمكن أن تكون أعلى بكثير من تلك التي تم توثيقها، وحدث ما يقرب من نصف الوفيات في بغداد. ويستند التقرير الذي أعدته بعثة الأممالمتحدة لمساعدة العراق (UNAMI) ومكتب مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) إلى حد كبير على شهادات تم الحصول عليها بشكل مباشر من ضحايا انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الإنساني الدولي وناجين من تلك الانتهاكات وشهود عليها، بما في ذلك مقابلات مع نازحين داخليا. وذكر التقرير أنه: "لا يزال تأثير أعمال العنف التي يعاني منها المدنيون في العراق شديد الوطأة، ويواصل تنظيم "داعش" ارتكاب أعمال عنف وانتهاكات ممنهجة وواسعة النطاق للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وفي بعض الحالات قد ترقى هذه الأفعال إلى جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وربما الإبادة الجماعية". وأضايف "وخلال الفترة التي شملها التقرير، قام تنظيم داعش بقتل واختطاف عشرات المدنيين وغالبا بطريقة الاستهداف، وشمل الضحايا الأشخاص الذين يعتبرون معارضين لفكر داعش وحكمه، والأفراد المرتبطين بالحكومة مثل منتسبي القوات الأمنية العراقية السابقين وضباط الشرطة والموظفين السابقين والعاملين في مجال الانتخابات وأصحاب بعض المهن كالأطباء والمحامين والصحفيين وشيوخ العشائر والزعماء الدينيين، كما تم اختطاف أو قتل آخرين بذريعة مساعدة قوات الأمن الحكومية أو تقديم المعلومات لها، وتم إخضاع الكثيرين إلى المقاضاة أمام مجموعات نصبت نفسها محاكم تابعة لداعش، التي بالإضافة إلى حكمها بقتل عدد لا يحصى من الأشخاص كانت قد فرضت عقوبات قاسية مثل الرجم وبتر الأطراف". وتطرق التقرير بالتفصيل إلى أمثلة كثيرة لعمليات القتل على يد تنظيم داعش في مشاهد علنية بشعة، شملت إطلاق النار وقطع الرؤوس والسحق بالجرافات وحرق الضحايا وهم أحياء وإلقائهم من سطوح البنايات، وكذلك توجد تقارير تفيد بقتل جنود أطفال بسبب هروبهم من القتال من خطوط المواجهة في محافظة الأنبار، وتشير المعلومات التي تم استلامها والتحقق منها إلى أن تنظيم داعش قام باختطاف ما يتراوح من 800 إلى 900 طفل في مدينة الموصل بهدف إخضاعهم للتعليم الديني والتدريب العسكري. ويشير أيضا إلى "استمرار تعرض النساء والأطفال للعنف الجنسي على أيدي مسلحي داعش، وتحديداً بصيغة الاستعباد الجنسي". على الجانب الآخر، وثق التقرير حالات سوء معاملة وانتهاكات مزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي قامت بها قوات الأمن العراقية والقوات المرتبطة بها، من بينها الميليشيات والقوات العشائرية وقوات الحشد الشعبي وقوات البيشمركة. وتم تلقي تقارير تبعث على القلق تفيد بارتكاب عمليات قتل غير مشروع واختطاف من قبل بعض العناصر المرتبطة بالقوات الموالية للحكومة، ويقول التقرير: "وقد تكون بعض هذه الحوادث أعمالا انتقامية ضد أشخاص يعتقد دعمهم لداعش أو ارتباطهم به، وبالإضافة إلى ذلك، في الوقت الذي يتحرك فيه المدنيون في كل أنحاء البلاد هاربين من العنف، فإنهم يستمرون في مواجهة العوائق التي وضعتها الحكومة أمام دخولهم إلى مناطق آمنة، وعند وصولهم إلى مثل هذه المناطق، واجه بعضهم اعتقالات عشوائية في مداهمات قامت بها قوات الأمن، وتم طرد آخرين بالقوة، ويثير قيام القوات الموالية للحكومة بعمليات القلق من أنها تنفذ إجراءاتها بدون اتخاذ الاحتياطات الممكنة لحماية السكان المدنيين والممتلكات المدنية". ووثق التقرير، اكتشاف عدد من المقابر الجماعية، من بينها مقابر في مناطق استعادت الحكومة السيطرة عليها من تنظيم داعش، فضلا عن مقابر أخرى تعود إلى فترة حكم الرئيس الراحل صدام حسين، لافتا إلى أن إحدى المقابر المكتشفة تضم 377 جثة، من بينها جثث نساء وأطفال من الواضح أنهم قتلوا في أحداث الانتفاضة الشيعية ضد صدام حسين عام 1991 في شرق البصرة. وقال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، يان كوبيش: "بالرغم من الخسائر المستمرة التي تكبدها داعش على يد القوات الموالية للحكومة العراقية، إلا أن هذه الآفة ما فتئت تقتل وتشوه وتهجر المدنيين العراقيين بالآلاف وتتسبب في معاناة غير مسبوقة، وأكرر دعوتي وبقوة إلى جميع أطراف الصراع لضمان حماية المدنيين من تأثيرات أعمال العنف". وأضاف: "كما أدعو المجتمع الدولي لزيادة دعمه للجهود الإنسانية التي تقوم بها الحكومة العراقية وجهودها لإعادة الاستقرار والإعمار في المناطق المحررة من سيطرة داعش، كي يتمكن العراقيون الذين هجروا بسبب العنف من العودة إلى ديارهم بأمان وبكرامة، وكي تتمكن المجتمعات المتضررة من العودة إلى أماكنها الأصلية". وتابع كوبيش: "وأحث الحكومة أيضا على أن تتبع جميع الوسائل التي من شأنها أن تضمن تطبيق القانون وفرض النظام، والتي تعتبر ضرورية من أجل تأمين العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية، وهي مهمة تحتل أولوية قصوى على خلفية أحداث العنف والقتل التي وقعت مؤخرا، وغالبا ما اكتسبت طابعا طائفيا، وبخاصة في محافظتي ديالى وبغداد". وحذر مفوض الأممالمتحدة السامي لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين، من أن عدد الوفيات بين المدنيين قد يكون أعلى بكثير، ودعا إلى اتخاذ خطوات عاجلة للحد من الإفلات من العقاب الذي تتمتع به الغالبية العظمى من مرتكبي أعمال العنف". وذكر الحسين: "وتخفق حتى أرقام الضحايا الفظيعة في أن تبين بدقة مدى المعاناة الكبيرة التي يتكبدها المدنيون في العراق، فالأعداد تشير إلى أولئك الذين قتلوا أو شوهوا بسبب أعمال العنف السافرة، لكن عدد آخر لا يحصى منهم قضي نحبه جراء عدم الحصول على المواد الغذائية الأساسية أو المياه أو الرعاية الطبية". وأضاف: "ويكشف هذا التقرير المعاناة الدائمة للمدنيين في العراق، ويصور بجلاء ما يحاول اللاجئون العراقيون أن يهربوا منه عند فرارهم إلى أوروبا ومناطق أخرى، هذا هو الرعب الذي يواجهونه في أوطانهم". وناشد المفوض السامي أيضا الحكومة لإجراء تعديلات تشريعية لمنح المحاكم العراقية الولاية القضائية على الجرائم الدولية، ولضمها إلى نظام روما الأساسي.