سارة سالم وسارة يحيى: تصوير ومونتاج: هادي سيد تفشت في السنوات الأخيرة ظاهرة تعاطي المخدرات والاتجار بها، وما يترتب عليها من تبعات خطيرة تؤدي إلى إفساد وتحطم مجتمع بأكمله، وكذلك فقدان الفرد لمكانته الاجتماعية، وتشهد محافظة بني سويف رواجًا كبيرًا لهذه الظاهرة لا سيما في الأعياد والمناسبات، كما لم تخلو المناسبات الدينية من انتشار هذه الآفة، والتي تصل في أحيان كثيرة إلى يد أطفال لا يدركون خطورة ما يقدمون عليه. "ولاد البلد" تناقش ظاهرة انتشار تعاطي المخدرات في المجتمع السويفي، والوقوف على تداعياته وأسبابها، وسبل تقليص انتشارها من وجهة النظر المجتمعية والأمنية والمتخصصون في مجال علم النفس، لحماية الأطفال والشباب من خطر هدم مستقبلهم بأيديهم. دور المجتمع يقول محمد سيد، طالب جامعي، إن المخدرات ما هي إلا تدمير جسدي وعقلي للبشرية، مشيرًا إلى أنه رغم دور الشرطة في التخلص من هذه الآفة، لكن يجب أن يكون التغيير من جانب متعاطي المخدرات أولًا، مستشهدًا بالآية الكريمة "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". ويتابع أنه يجب على الناس مساعدة الشرطة، خاصة الصيدليات، لأنها أكثر الأماكن بيعًا للحبوب التي تحتوي على نسب من المواد المخدرة، معتبرًا أن أهم الأسباب التي تؤدي إلى تعاطي المخدرات هو إهمال دور الأسرة في الرعاية والرقابة. ويشبه سامح صلاح، موظف، تعاطي المخدرات بمرض الكوليرا، معتبرًا أن المرض معدٍ مثل انتشار المخدر. ويشير صلاح إلى انتشار المخدرات في محافظة بني سويف بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مردفًا "تدخل المدارس تلاقي الطلبة مدمنة اللي مدمن برشام وبانجو"، خاصة في الأرياف، لدرجة أن هناك الفرح لا يتم بدون وجود مخدرات. عقوبات رادعة ويرى أن الدور الأكبر للتخلص من المخدرات هو القضاء، وليس الأسرة أو الشرطة، مشددًا على ضرورة معاقبة المتهمين بقضايا المخدرات بحزم وعقوبات رادعة حتى يكونوا عبرة لمن يعتبر. ويقول جوزيف حليم، مهندس زراعي، إن السبب الأساسي في انتشار تعاطي المخدرات هي البطالة، فالبطالة لا تعني أن الدولة لم تقدم له فرص العمل المناسبة؛ بل ولأن الشباب أصبح متكاسلًا ومتكلًا على غيره، و"عايز يطلع يشتغل مدير عام من غير تعب". ويضيف حليم، كما أن دور الأمن غير كافٍ في ردع هذه الظاهرة، فلا بد من العمل على إصلاح جهاز الأمن أولًا، لافتًا إلى أن هناك بعض من رجال الأمن يتعاطون المخدرات، و"في مقابل 50 جنيه بيعدي الشارب والتاجر". ويضيف أحمد عبد المنعم، طالب ثانوي، أن المشكلة الأساسية التي تؤدي لانتشار تعاطي المخدرت هي البطالة والحالة الاجتماعية السيئة للأسر، مما يضطر العديد من الشباب للهروب من هذا الواقع. ويرى أن معظم الشباب في بني سويف يتعاطون المخدرات، هذا فضلًا عن الإعلام والسينما المصرية التي لم تجد سوى"البلطجية والمدمنين" لكي تصنع عنهم الأفلام، خاصة أفلام "السبكي" مما يدفع العديد من الشباب للتركيز معهم بدافع التقليد الأعمى - على حد قوله. الوازع الديني والرقابة المنزلية يقول عبد الرحمن محمد، مدرس ثانوي عام، إن عدم تمسك بعض الشباب وعلى وجه الخصوص أولئك الذين هم في سن المراهقة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف من حيث إتباع أوامره واجتناب نواهيه، وينسون كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ونتيجة ذلك أنساهم الله سبحانه أنفسهم فانحرفوا عن طريق الحق والخير إلى طريق الفساد والضلال، إضافة إلى عدم التفات الحكومة والجهات المعنية لمعالجة تلك الظاهرة. ويضيف أن جميع الدراسات النفسية والاجتماعية التي أجريت على أسباب تعاطي المخدرات وبصفة خاصة بالنسبة للمتعاطي لأول مرة، تكاد تجمع على أن عامل الفضول وإلحاح الأصدقاء أهم حافز على التجربة كأسلوب من أساليب المشاركة الوجدانية مع هؤلاء الأصدقاء، بالإضافة إلى عدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم والمراقبة المستمرة عليهم. ويرى محمد رزق أن انتشار المخدرات راجع إلى غياب الرقابة المنزلية، مشيرًا إلى أن الشباب أصبح مغيب وغير مدرك لما يتعرض له من أخطار، كما أن هناك بعض الأباء هي من تساعد أبناءها على التعاطي. ويعتقد رزق أن دور الأمن غير كافٍ لردع هذه الظاهرة، مردفًا "منظومة الأمن أفشل منظومة في مصر، كما أن السائقين الذين أثبت أنهم مدمنين من خلال التحاليل وتحرير المحاضر لهم وإلزامهم بالغرامات غير كافٍ"- وفق تعبيره. ويرجع سيد محمد عبد الغفار، موظف ضرائب بالمعاش، انتشار تعاطي المخدارت أولًا وأخيرًا للمنزل، مشددًا على ضرورة متابعة ولي الأمر لأبنائه بصفة دورية، كما أن صديق السوء يلعب دورًا هامًا في هذه الكارثة "لأن الشباب بيفشلوا بعض". ويشدد عبدالغفار على ضرورة أن يقدم الإعلام المصري حملات توعية لهؤلاء الشباب، وكذلك الرقابة داخل جهاز الأمن. أسباب انتشارها يقول الدكتور أيمن البارودي، مدرس علم الاجتماع بجامعة بني سويف، إن من أسباب انتشار المخدرات هي البطالة لدى الشباب، ووقت الفراغ الزائد، والغياب الأمني، والتحلل القيمي، وضعف الوازع الديني، والتفكك الأسري، وضعف الرقابة الأسرية، وجماعات أصدقاء السوء، وسهولة الحصول على المخدرات، ورخص أسعارها، وتنوعها. ويوضح الدكتور أحمد الوكيل، استشاري علم النفس بجامعة بني سويف، أن الأسباب الجوهرية وراء انتشار تلك المخدرات من وجهة نظرنا هي الثقافة المجتمعية الموجودة بالمناطق العشوائية أو الريفية الصعيدية كما في محافظة بني سويف، والتي تربط بين الرجولة والخشونة والسيطرة أو القوة الجنسية بتعاطي المخدرات. ويتابع: ينظر إلى غير المتعاطي خاصة في المناسبات مثل الأفراح على أنه شخص ناقص الرجولة أو كما يقال شعبيًا إنه أفندي أو غيرها من المسميات التي تنتقص من قوته ورجولته، وبالتالي فان الأطفال بتلك المناطق تنشأ ولديها رغبة كبيرة في التدخين وتعاطي المخدرات من منطلق تلك المعتقدات المجتمعية الشائعة، فنجد الابن يقلد والده المدمن خلال لعبه فيضع القلم بفمه ويتخيل أنها سيجارة مخدرات أو يستخدم كوبًا في تمثيل طريقة والده للتعاطي وغيرها أو أنهم يعتقدون أن المخدرات تجعلهم يتسمون بخفة الظل. ويشير الوكيل إلى أن المجتمع أخطأ في طريقة معالجته لمشكلة الإدمان، لأن المجتمع المصري لا يرى أي حلول إلا تشديد العقوبات، سواء بالنسبة للجالبين والمهربين والتجار، أو بالنسبة للمتعاطين والمدمنين، معتبرًا أن هذا لا يَكفي بذاته لمنع تجار المخدرات من الاتجار فيها، ولا يكفي لصرف نظر المدمنون والمتعاطون عن تعاطيها وإدمانها. ويرى أنه نتيجة للاعتماد على العقوبات الشديدة في مواجَهة المخدرات، وطبقًا لما هو حادث حاليًا أصبحت المسؤولية عن مكافحتها مُلقاة على عاتق الشرطة والقضاء والسجون، لكنني أرى أن العلاج الأمثل لظاهرة المخدرات يرتكز على التأهيل والعلاج النفسي والاجتماعي مع دعم أسري ولابد من الإشارة إلى أن الإحصائيات أكدت أن المدمن الذي يَحصُل على مساندة أسرية صحيحة يكون معدَّل تعافيه أعلى بكثير من غيره. تأثيرها على صحة الفرد ويقول الدكتور خالد عبد المعطي، أستاذ الطب النفسي إن هناك أسبابًا عدة تدفع الإنسان لتعاطي المخدرات منها الحالة الاقتصادية، فالفقر ربما يدفع الإنسان إلى طريق المخدرات هربًا من قسوة الحياة، والعكس صحيح، فإن وفرة المال يمكن أن يدفع الإنسان إلى الإدمان، وكذلك وجود الفراغ لدى الشباب الذي يدفعهم إلى تعاطي المخدرات، من أجل اللهو وضياع الوقت، وللهروب من المشكلات. ويضيف أستاذ الطب النفسي أن المخدرات لها تأثير كبير على صحة الفرد البدنية والعقلية والجسمية والنفسية، فهي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الجهاز الهضمي والدم، وتسبب هبوطًا في القلب، وتشوش العقل، وتفقد الوعي، لافتًا إلى أنه من جراء استعمالها يصبح الفرد مهزوز الشخصية، وكسولًا، ومهملًا، ومنحرف المزاج. ويتابع عبدالمعطي أن من آثار المخدرات الصحية أيضًا تأثيرها على الجهاز العصبي والهضمي، كما أن العقاقير المتوسطة تؤدي إلى هبوط وظائف المخ وتضعف القدرة على التركيز والانتباه، خاصة في قيادة السيارات، ويشعر المتعاطي في بداية الأمر بالنشاط ثم النعاس، والنوم ثم الخمول، وضعف حدة البصر، ثم الانهيار وربما تؤدي المضاعفات إلى الوفاة الفجائية. دور مديرية الصحة تقول سماح رياض، مسؤول الإعلام والتربية السكانية بمديرية الصحة في محافظة بني سويف، إن المخدرات أصبحت وسيلة للهروب من الواقع، مردفة "الشباب بيحبوا يجربوا اللي بيشوفوه في الأفلام وللأسف بيصبحوا مدمنين". وتشير إلى أن إدارة الإعلام والتربية السكانية تقيم ندوات بهدف توعية الشباب لأخطار التدخين والمخدرات وطرق الوقاية، وأكتر فئات تستهدفها الإدارة طلاب إعدادي وثانوي، وتتم الندوات في المدارس الحكومية والخاصة ومراكز الشباب، ومع سائقي الشاحنات أيضًا. وتوضح سماح أنه يوجد بالإدارة خط ساخن للإبلاغ عن المتعاطي ومساعدته. عقوبة المدمن في القانون يقول ناجي عبدالله، محامٍ بالنقض، إن القانون رادع لهذه المشكلة، ويوجد العديد من النصوص في القانون لردع تجارة المخدرات مثل الحكم بالإعدام، بالإضافة إلى الغرامة لكل من يجلب أو يصدر المخدرات، أو من ينتج ويستخرج المواد المخدرة بقصد الاتجار، والحكم بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، والغرامة لمن يجلب أو يصدر النباتات الممنوعة. ويضيف: عامل القانون المدمن في المادة 182 على أنه إنسان مريض أكثر منه مدمن، ولذلك سمح بإيداعه المصحة بدلًا من الحكم عليه بالسجن، وتتراوح مدة الإيداع من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات أو مدة العقوبة أيهما أقل، فإذا استجاب المدمن للعلاج وتم شفائه يفرج عنه بقرار من اللجنة المختصة، ويعتبر الحكم الصادر ضده بالعقوبة كأنه لم يكن، وإذا لم يستجب للعلاج تطلب اللجنة المختصة من المحكمة تنفيذ العقوبة الخاصة به من دفع الغرامة ومدة السجن بعد أن يخصم منها المدة التي قضاها في المصحة. ويقول عبد الرحمن سيد، محامٍ، إن الدافع الأساسي للمدمن هو المجتمع والظروف المعيشية، إذ يحاول الهروب من المجتمع ومشكلاته بإدمان المواد المخدرة. ويضيف أن القانون رادع لمروجي المخدرات ومتعاطي الإدمان، لكن يجب أن تبذل الشرطة قصار جهدها لردع المتاجرين بها، وفرض الرقابة الكافية في الشارع لمنع هذه الظاهرة من التفشي في المجتمع المصري. تطوير العمل الأمني يوضح مصدر أمني بإدارة البحث الجنائي بمديرية أمن بني سويف -طلب عدم ذكر اسمه- أن دور الشرطة له شقين، الأول وقائي وهو عبارة عن محاولة الحيلولة دون وقوع الجريمة بمنع دخولها للبلاد أو عدم زراعتها، مشيرًا إلى أن الشرطة تعمل هي وبعض الأجهزة الأخرى على ذلك، أما الثاني فهو لاحق على وقوع الجريمة بالقبض على مرتكبيها سواء التجار أو من يتعاطى المخدرات. ويتابع أن هذا المجال تطور كثيرًا، وتم تزويد وزارة الداخلية بأجهزة تحليل للدم حديثة لسرعة ظهور النتائج وبدقة عالية، متفقً مع مقول "إن المخدرات هي البوابة الأولى لدخول عالم الجريمة"، مضيفًا أنه من خلال عملي في مجال الأمن العام رأيت ذلك جليًا، فالمدمن إما يرتكب الجريمة لكونه فاقدًا للوعي أو بغرض الحصول على المال. العفو عن الخطأ سبب للإصلاح ويتذكر المصدر الأمني موقف حدث أثناء أدائه عمله، قائلًا "أثناء قيامي بدورية أمنية وجدت ثلاثة من الشباب واضح عليهم عدم الاتزان وحاولوا سرقة سيارة عن طريق مراقبتها والاقتراب منها للتأكد من عدم وجود إنذار للبدء في كسر الزجاج ومحاولة سرقتها، وعلى الفور تم الاقتراب منهم بحذر والقبض عليهم بعد التأكد من وجودهم في حالة عدم اتزان وإلقاء سيجارة من يد أحدهم على الأرض بمجرد مشاهدتنا أمامه وتبين أن بها نبات البانجو". ويكمل "بتفتيشهم تبين وجود كمية من نبات البانجو المخدر بجيوبهم واعترفوا بارتكاب الجريمة ومحاولة سرقة السيارة الحصول على مال للصرف على إدمانهم، وكان منهم مسجل خطر سرقات، لكن ما أحزنني وجود طالب جامعي من محافظة المنيا معهم، وبعد أن استرد وعيه قمت بمناقشته وشرح لي ظروفه الاجتماعية الصعبة، وسبب وصوله لما هو فيه، وحررت محضرًا بالواقعة، لكن استبعدت الطالب خوفًا على مستقبله بعد التأكد من عدم وجود أي سوابق له، وأنها أول مرة". ويتابع "قمت بالاتصال بوالده وحضر لاستلامه بعد أن قمت بإعطاء كليهما درسًا لن ينسوه أبدًا، وبالمتابعة تبين انتظام الطالب بدراسته والتزامه وعدم عودته لما كان يسلكه من طريق نهايته الهلاك لا محالة"، مضيفًا أنه أحيانًا العفو عن الخطأ يكون سببًا للإصلاح. ويقول مصدر أمني آخر إن مديرية أمن بني سويف تشن العديد من الحملات اليومية لضبط الخارجين عن القانون، مشيرًا إلى أنه خلال شهر نوفمبر الماضي ضبطنا 43 شخصًا في قضايا اتجار، بالإضافة إلى 9 في قضايا تعاطي. اختار حياتك منذ يومين، اعلنت الدكتور غادة والي، وزيرة التضامن الاجتماعي، ورئيس مجلس إدارة صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي عن تنفيذ البرنامج التدريبي "اختار حياتك" داخل المدارس خلال العام الدراسي الحالي ، في مختلف محافظات الجمهورية. ويستهدف البرنامج تدريب ما يقرب من 22 ألفًا و500 طالب وطالبة بالمدارس الإعدادية والثانوية والتعليم الفني على مستوى 25 محافظة ب 750 مدرسة، وذلك لإعداد قيادات طلابية وتوعيتهم بخطورة مشكلة تعاطي المخدرات. وتشير البيانات إلى أن بداية الإقدام على تعاطي المواد المخدرة تبدأ في سن مبكرة، وفي الفئة العمرية أقل من 15 عامًا، مما يعد إنذارًا خطيرًا يتطلب تكاتف جميع الجهات المعنيه لمواجهة هذه الظاهرة.