فى زحام الأحداث المتلاحقة، هناك وقائع تمر مرور الكرام، تلهب الحماس لحظة ثم تخفت، أو تحرك مشاعر التعاطف سريعًا ثم تتوارى، وهناك صدمات تهز المتابعين لكنها لا تلبث أن تُنسى. إلا أن بعض اللحظات تصنع لنفسها مكانًا خالدًا فى ذاكرة الشعوب، لا تُمحى، بل تتوارثها الأجيال وتُروى بفخر، لأنها ترمز إلى لحظة انتصار على اليأس، وبداية جديدة تُكتب بمداد من الأمل والإنجاز. فى هذا السياق، يترقّب المصريون، ومعهم العالم، لحظة تاريخية منتظرة: الافتتاح الرسمى للمتحف المصرى الكبير يوم 3 يونيو حدث لا يقتصر على كونه مجرد افتتاح لمشروع ضخم تأخّر كثيرًا، بل يحمل فى طياته رسالة عميقة، ورسماً جديدًا لذاكرة الوطن، أراد صانعوه أن يكون بديلاً عن ذكرى أخرى أدمت الوجدان المصرى والعربي. ففى مثل هذا الأسبوع من عام 67 وتحديدًا فى 5 يونيو، بدأت نكسة غيّرت مجرى تاريخ المنطقة، خلّفت جراحًا، وزرعت فى الوعى العربى مرارة الهزيمة. لكن عبقرية اختيار 3 يونيو لافتتاح هذا الصرح الحضارى، تقلب الصفحة دون أن تنكر الماضي، وتُعلن بداية جديدة تُعبّر عن مصر أخرى... مصر تصنع التاريخ لا تنكسر له. المتحف المصرى الكبير ليس مجرد مبنى أو مجموعة من القطع الأثرية، بل هو رسالة حضارية تُعيد ربط المصرى المعاصر بجذوره الممتدة آلاف السنين، وتضع مصر فى قلب الخريطة الثقافية والسياحية العالمية. هو تتويج لجهد أجيال، وانتصار للجمال، والمعرفة، والهوية. ويكتسب هذا الحدث طابعًا استثنائيًا بحضور ملوك ورؤساء من مختلف قارات العالم، جاءوا ليشهدوا ولادة معجزة حضارية، تُعيد تعريف مصر أمام العالم. كما تُنقل فعاليات الافتتاح لحظة بلحظة عبر الشاشات إلى مليارات البشر حول العالم، فى مشهد يليق بعظمة الحضارة المصرية وقدرتها المتجددة على الإبهار اليوم، نكتب تاريخًا جديدًا... لا ننسى ما حدث فى 5 يونيو، لكننا نختار أن يكون 3 يونيو شاهدًا على قوة مصر، على قدرتها على تحويل الجراح إلى مجد، والهزيمة إلى حضارة تُبهر العالم. هكذا تصنع الأمم ذاكرتها، وهكذا تختار مصر أن تتكلم.