مدبولي: الحكومة ليس لديها مانع في تعديل مشروع قانون الإيجار القديم    إعلام عبري: 4 جرحى بإطلاق نار على معبر الريحان شمال الضفة    "حظنا كان سيئ".. محمد صلاح يتحدث عن الخروج من دوري الأبطال    المشدد 15 عامًا لمالك محل أحدث لزوجته عاهة مستديمة في القليوبية    الآلاف يشيعون جثمان الطفل "أدهم" ضحية أصدقائه في كفر الشيخ - فيديو وصور    ماذا قالت الناقدة ماجدة خيرالله عن حفل زفاف رنا رئيس؟    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    روسيا تعتزم استضافة رئيسي الصين والبرازيل وآخرين بمناسبة ذكرى يوم النصر في الحرب العالمية    محافظ سوهاج يتفقد تركيب الأطراف الصناعية بمستشفى الهلال الأحمر | صور    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    تقرير: دي ليخت يقترب من الغياب أمام أتليتك بلباو    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    محافظ الفيوم يتابع موقف أراضي الدولة المستردة وآليات استغلالها بالشكل الأمثل    «كسر جمجمتها».. مندوب مبيعات يحاول قتل شقيقته بسبب خلافات عائلية بالقليوبية    «ليصل العدد إلى 128».. رئيس الوزراء: تشغيل 12 جامعة أهلية جديدة العام المقبل    كانييه ويست ينهي مقابلته مع بيرس مورجان بعد أربع دقائق من بدايتها (فيديو)    جولدن جلوب تضيف فئة "أفضل بودكاست" في جوائز عام 2026    مصطفى كامل يطرح بوسترات ألبومه الغنائي الجديد "قولولي مبروك" (صور)    أبطال «نجوم الساحل» يكشفون كواليس العمل مع منى الشاذلي..غدا    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    وكيل وزارة الصحة بالشرقية يتفقد الخدمة الطبية بالزوامل المركزى    ميرتس وماكرون يدعوان الهند وباكستان إلى التهدئة    ضبط 3507 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    "التعليم" تعلن إطلاق مسابقة للمواهب في مدارس التعليم الفني    خلافات مالية تشعل مشاجرة بين مجموعة من الأشخاص بالوراق    5 أبراج تُعرف بالكسل وتفضّل الراحة في الصيف.. هل أنت منهم؟    بينها «أخبار اليوم» .. تكريم رموز الصحافة والإعلام في عيد العمال    "الشباب في قلب المشهد السياسي".. ندوة تثقيفية بالهيئة الوطنية للانتخابات | صور    الهلال الأحمر المصري يشارك في النسخة الرابعة من منتدى «اسمع واتكلم»    البابا تواضروس يستقبل وكيل أبروشية الأرثوذكس الرومانيين في صربيا    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    أوبرا الإسكندرية تقيم حفل ختام العام الدراسي لطلبة ستوديو الباليه آنا بافلوفا    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    الصناعة تمد فترة التقدم على 332 وحدة صناعية للمستثمرين حتى ذلك الموعد    محافظ الدقهلية يلتقي المزارعين بحقول القمح ويؤكد توفير كل أوجه الدعم للفلاحين    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    حزنا على زواج عمتها.. طالبة تنهي حياتها شنقا في قنا    مدبولي يُكلف الوزراء المعنيين بتنفيذ توجيهات الرئيس خلال احتفالية عيد العمال    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    ضبط المتهمين في واقعة تعذيب وسحل شاب بالدقهلية    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    زيادة قدرتها الاستيعابية.. رئيس "صرف الإسكندرية يتفقد محطة العامرية- صور    «مستقبل التربية واعداد المعلم» في مؤتمر بجامعة جنوب الوادي    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    أسامة ربيع: توفير الإمكانيات لتجهيز مقرات «الرعاية الصحية» بمواقع قناة السويس    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    ما حكم إخراج المزكى زكاته على مَن ينفق عليهم؟.. دار الإفتاء تجيب    الأزهر يصدر دليلًا إرشاديًا حول الأضحية.. 16 معلومة شرعية لا غنى عنها في عيد الأضحى    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أقاليم تنبض بالتاريخ.. متاحف المحافظات تنعش ذاكرة المدن

«حين تتنفس الحجارة».. فى مدنٍ بعيدة عن ضجيج العاصمة، تروى القصص فوق الرمال وتهمس الأبواب العتيقة بأسرار الملوك والناس البسطاء، تتوزع المتاحف الإقليمية كنجوم على خريطة مصر، تحفظ ملامحنا القديمة، وتسرد للعابرين حكايات بدأت منذ آلاف السنين، ليست مجرد قاعات تحوى التماثيل والبرديات، بل هى دفاتر الزمن التى تنبض بالحياة كلما زارها عاشقٌ للتاريخ أو طفلٌ يبحث عن معنى للانتماء.. فى هذا الملف، نغوص فى عمق منشآت تضم آلاف القطع الأثرية، ونكشف كيف تحولت إلى مدارس مفتوحة للتاريخ، وكيف تتحدى النسيان بقوة التفاصيل وروعة الحكايات، من متحف سوهاج إلى شرم الشيخ، ومن الأقصر إلى الإسكندرية.. هذه ليست مجرد زيارات، بل محاولات لفهمنا، نحن، كما كنّا وكما نحب أن نكون .
◄ حضارة عريقة لشعب عظيم
منذ أقدم العصور، عرفت الحضارة المصرية كيف تسحر العالم، وأصبح الهوس بها سمة عابرة للحدود والأزمان. ومع تقدم البشرية تم ابتكار المتاحف لتكون بمثابة خزائن لأسرار الماضى، وعرفت مصر نماذج مبكرة لها، تطورت مع الوقت لتنتشر فى مختلف أنحاء البلاد، وتتنوع بين متاحف قومية وإقليمية ونوعية، وشاركت مع المواقع الأثرية والسياحية فى تقديم صورة مشرقة تمزج بين الماضى والحاضر.. نعيش اليوم لحظة فارقة، نستعد خلالها لافتتاح المتحف المصرى الكبير، الذى يمثل أيقونة عالمية غير مسبوقة، وفى هذه المناسبة التاريخية تجد «الأخبار» أن الفرصة سانحة أكثر من أي وقت مضى، لتقديم صورة بانورامية، تستعرض كنوز حضارتنا التى قدمت إلى العالم تعريفا مختلفا ل«الإبهار».. وعلى مدار الأسابيع القادمة نلقى الضوء على نماذج منها، لأن الحصر الدقيق يظل مهمة مستحيلة .
◄ مطروح.. بانوراما الماضي في الساحل الشمالي
■ كتب: مدحت نصار
وسط رمال الصحراء الغربية، وعلى امتداد كورنيش مدينة مرسى مطروح، يقف متحف آثار مطروح شامخًا كمرآة تعكس وجوه العصور التى مرّت من هنا، ليس مجرد مبنى، بل بانوراما حية تنطق بحكايات الفراعنة، وهمسات الرومان، وأناشيد الأقباط، وصلوات المسلمين... كلها اجتمعت على أرضٍ اختارت أن تحتفظ بالزمن بين جدرانها.
يقول سعد هريدى، مدير عام المتحف، إن هذا الصرح يضم أكثر من ألف قطعة أثرية، تنتمى لعصور متعددة؛ من الفرعونى إلى الرومانى، من القبطى إلى الإسلامي، مرورًا بمرحلة حكم بعض الأسر الليبية لمصر فى قديم الزمان، كل قطعة هنا تحمل سرًّا، كل تمثال يوشوشك باسم صاحبه، وكل أداة تنبض بما كانت عليه الحياة يومًا.
شُيّد المتحف على مساحة 1560 مترًا، ليكون الأول من نوعه فى مطروح، لا مجرد مقصد سياحى، بل بوابة تُطل منها الأجيال على تاريخٍ مرّ من هنا، وترك أثره فى الرمال والحجارة والقلوب.
فى الطابق الأول، تبدأ الرحلة عبر ممر من الزمن، حيث تتوزع التماثيل فى عرض مكشوف يتقدمه تمثالان لأبى الهول. هناك، يقف رمسيس الثانى بجوار أحمس الثاني، ويتقاطع طريق الإسكندر الأكبر مع لوحات تُبرز صمود الحدود الغربية لمصر، تنتصب تماثيل المعبودة «سخمت» فى هدوء مهيب، وتُجاورها منحوتات رومانية تشهد على تلاقى الحضارات على هذه الأرض.
أما الطابق الثانى، فيأخذ الزائر فى جولة بين تفاصيل الحياة اليومية القديمة: تماثيل صغيرة وأدوات صيد، رماح وسيوف، عملات تعبر العصور، وآلات فلكية تراقب السماء بنظرة من الماضى، هناك أيضًا قطع من العصر القبطى، من أيقونات وصلبان، إلى مخطوطات قديمة من الإنجيل، تلتها زخارف إسلامية من مشربيات وأرابيسك وسجاد، تنقل روح العمارة والفن فى ذلك الزمن.
يقف المتحف إلى جوار مكتبة مصر العامة، وكأن الماضي والحاضر يتصافحان على رصيف واحد، متحف آثار مطروح ليس مجرد مكان لعرض مقتنيات، بل سردية وطنية عن أرض احتضنت الحضارات وسلّمتها إلينا حية، لنرويها من جديد.
الأقصر.. «همسات الكهنة وتماثيل الملوك على شاطئ طيبة
■ كتب: محسن جود
بينما تتراقص أشعة الشمس على صفحة النيل الهادئة، تتوقف عين زائر الأقصر عند مبنى عتيق يتلألأ بعظمة الماضى... إنه متحف الأقصر، درة تاج متاحف مصر القديمة، ومرآة مجد «طيبة» الساطعة عبر آلاف السنين، لم يكن مجرد مبنى من حجارة، بل بوابة زمنية تنقل الزائر إلى قلب الحضارة، هناك حيث يتحدث التاريخ فى كل زاوية، ويروى الحجر ما عجزت عنه الكتب.
قالها الأثرى د. علاء حسين المنشاوى، مدير عام المتحف، بابتسامة من عاشق للتاريخ: «متحف الأقصر رحلة رائعة فى ماضى وتاريخ المدينة الخالد... يجب ألا يكون مقصداً للزائرين الأجانب فقط، بل هو حق أصيل لأبناء الوطن ليتعرفوا على مجد أجدادهم.»
موقعه مميز، يتوسط الضفة الشرقية لنيل الأقصر، على بعد خطوات من طريق الكباش الذى عاد إلى الحياة بأمر من الرئيس السيسى، ويقع بين معبد الأقصر ومعابد الكرنك، كأنه القلب النابض لمدينة لا تنام.
منذ افتتاحه فى 12 ديسمبر 1975 على يد الرئيس أنور السادات وضيفه الفرنسى فاليرى جيسكار ديستان، والمتحف يحتضن الكنوز التى تسرد قصة مصر فى عصورها الذهبية، توسّع فى التسعينيات بعد اكتشاف خبيئة معبد الأقصر، وشهدت «الأخبار» هذا الحدث التاريخى الذى خطف أنظار العالم.
بخطوات بطيئة يدخل الزائر إلى المتحف، الطابق الأول يرحب به بخمس قاعات، أولاها تحكى عن الفن المصرى القديم فى أبهى صوره، وفيها يقف تمثال الملك تحتمس الثالث شامخًا، وبجانبه تمثال آمون، وكأنهما يحكمان المكان كما حكما قلوب شعوبهما من قبل.
ثم تأتى قاعة «سوبك»، حيث يظهر المعبود التمساح إلى جوار أمنحتب الثالث، فى تسلسل زمنى يوضح تطور الفن من الدولة الوسطى حتى الحديثة، وهنا تلمح عين الزائر تماثيل نادرة: سنوسرت الثالث، الكاتب الوزير منتوحتب، وأخرى تجسّد قصصاً محفورة فى الذاكرة.
ثم ينفتح الباب إلى «قاعة مجد طيبة»، قاعة عسكرية وتقنية، افتُتحت عام 2004، تضم تماثيل وألواحًا تروى كيف كانت طيبة منارة القوة والسياسة والفن، من لوحة كاموس، إلى مومياء أحمس، وتمثال رمسيس الثالث وسخمت - مجدٌ متجدد لا يصدأ.
وفى الطابق العلوى، حيث تُعرض «التلاتات» المنحوتة من عهد إخناتون، تحكى الجدران عن الحياة اليومية والاحتفالات، وترافقها توابيت خشبية وأوانٍ خزفية وكنوز من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر الإسلامى.
ولا يمكن للزائر أن يغادر دون أن يمر ب»قاعة الخبيئة»، التى كانت يومًا مكانًا للمحاضرات، ثم تحوّلت لبيتٍ للتماثيل المخبأة بعناية منذ أن خبأها الكهنة لحمايتها من عبث الزمن، هناك تمثال آمون، وموت، وحتحور، وأمنحتب الثالث، فى مشهد يليق بأساطير الحضارة.
أما الجوهرة، فهى تمثال آمون بملامح الملك توت عنخ آمون، من الحجر الجيرى، وجد فى «خبيئة الكرنك»، ويقف شامخًا كأنه يحرس تاريخًا لا يفنى، وبجواره، تمثال الملك تحتمس الثالث، نحته الزمن من حجر الشست الأخضر، وكأنه صنيعة الآلهة.
ولعل رأس الملك سنوسرت الثالث، بتاجه المزدوج ولحيته الصغيرة، هو تجسيد لشقاء الحكم، بتجاعيده العميقة وعينيه المتعبة، ثم تمثال الوزير منتوحتب، الجالس ككاتب، يعانق برديته ويدوّن مجد الدولة الوسطى، يحمل صدفة ألوانه كأنه يستعد لرسم التاريخ.
7017 قطعة أثرية، كل واحدة منها قصة، وكل قصة منها روح تنبض فى جدران المتحف... متحف الأقصر ليس مجرد مكان، بل هو رحلة، ذاكرة وطن، وعشق يتجدد كلما مررت بجواره.
سوهاج.. حكايات الجنوب على ضفاف النيل
■ كتب: خالد حسن
تتنفس الأرض حكاياها عند ضفاف النيل الشرقى، حيث يقف متحف سوهاج القومى كأنَّه شاهد عتيق على عصورٍ من المجد والروح، يروى التاريخ دون أن ينطق، وتتناثر داخله آلاف القطع الأثرية كأنها شظايا من زمن مضى، كلٌّ منها يحمل بصمة ملك، أو أثر صلاة، أو لمسة صانع عاش قبل آلاف السنين، ليس مجرد متحف، بل مرآة لهوية محافظةٍ تتكئ على إرثٍ فرعونى وقبطى وإسلامى، ونافذة تطل منها سوهاج على العالم بكل فخر.
يحكى اللواء الدكتور عبد الفتاح سراج، محافظ سوهاج، عن هذا الكنز قائلاً: «المتحف ليس مجرد مبنى، بل هو الواجهة الحضارية لمحافظتنا، يحوى كنوزًا تحكى تاريخاً طويلاً من العظمة، بدءًا من الفراعنة وحتى العصر الإسلامي، ويقع فى أجمل بقعة على الضفة الشرقية للنهر، مقابل ديوان عام المحافظة، وكأنما هو القلب فى الجسد.»
فكرة إنشاء المتحف ولدت عام 1993، وظلت تكبر وتتشكل حتى افتتحه الرئيس عبد الفتاح السيسى فى عام 2018، ليصبح واحدًا من أكبر المتاحف الإقليمية بمصر، ليس بمساحته التى تبلغ 8500 متر مربع فقط، بل بقيمته الثقافية ومحتواه الأثرى الرفيع، صُمّم المتحف على هيئة معبد ستى الأول بأبيدوس، فى انسجام مدهش بين روح المعمار القديم وسمات الحداثة، وأضيف له مرسى سياحى على النيل، ليكون نقطة استقبال للبواخر التى تقل السائحين من شتى البقاع.
يضم المتحف ست قاعات عرض رئيسية، تبدأ أولها بسرد عن الملوك والنبلاء، حيث تتكرر أسماء الحاكم على التماثيل، الأختام، والبطاقات العاجية، وفى قاعة أخرى، تحتفى العروض بدور المرأة فى الأسرة الصعيدية، جمالها، زينتها، وحنوها، بينما تأخذنا قاعة المطبخ المصرى القديم إلى عالم من الروائح والطناجر والأدوات، التى تحفظ الحبوب وتخبز الأرغفة، وكأنها لا تزال على قيد الحياة.
أما التحف، فتتنوع وتتشكل لتروى لنا الحكايات فى كل زاوية، من بين أروقتها يقف تمثال ضخم للإلهة «سخمت»، إلهة الحرب، شامخة بطولها الذى يبلغ مترين، وإلى جانبها يقف «نخت مين»، حاكم أخميم، فى صلابةٍ من الجرانيت، وللملك رمسيس الثانى حضور مهيب فى تمثال وردى اللون.
بينما تتجلى ملامح الفخر فى جزء من مقبرة وني، القائد الأعلى للجيش فى الأسرة السادسة.
ومن الكنوز التى استقرت بين جدران المتحف أيضًا، مفتاح دير الأنبا شنودة - الدير الأبيض-ومصحف عثمانى مذهّب، يلمع تحت أضواء العرض كأنه يهمس بأدعية الزمن البعيد.
ويستمر المتحف فى إبهار زائريه بمعرض خاص احتضنه مؤخرًا، يضم مقتنيات ونقوش مقبرة «ونى الأكبر»، أحد أعلام عصر الأسرة السادسة وحاكم الصعيد، ويقول المحافظ عن هذا الحدث: «افتتاح المعرض بالتعاون مع جامعة ميشيغان أضاف بعدًا جديدًا للمتحف، وخطوة مهمة على طريق تنشيط السياحة ووضع سوهاج على الخريطة السياحية العالمية».
المعرض الذى افتتح برعاية المجلس الأعلى للآثار، أعاد الحياة لقطع أثرية طالما ظلت حبيسة المخازن، بعد أن اكتشفها أوجست مارييت فى 1858، ونُقلت فى رحلات طويلة حتى عادت أخيرًا لتستقر حيث تنتمى، فى قلب سوهاج.
وهكذا، لا يُعد متحف سوهاج القومي مجرد قاعات وقطع أثرية، بل هو رحلة فى الزمن، بوابة مشرعة على حضارات متعاقبة، ومرآة تعكس وجه مصر العريق.
الإسكندرية القومي.. رحلة عبر العصور في «القصر الأبيض»
■ كتب: أحمد سليم
على امتداد طريق الحرية، حيث كانت الإسكندرية تستقبل نسمات البحر وتودع غروب الشمس، يقف قصر أبيض شامخ، كأنه سُحب من لوحة خيالية ووضِع فى قلب المدينة ليحفظ سرّها وتاريخها، هذا هو متحف الإسكندرية القومى، الذى لا يكتفى بعرض الآثار، بل يحكيها.
■ إقبال كبير على زيارة متحف الإسكندرية القومي
اقترب موعد ميلاده الثانى والعشرين منذ افتتاحه يوم الأول من سبتمبر عام 2003 ، على مساحة تبلغ 3674 مترًا مربعًا، لكن الحكاية تبدأ قبل ذلك بكثير، حين اختار أسعد باشا باسيلى، تاجر الأخشاب الثرى، أن يبنى قصرًا لا يشبه إلا نفسه، استعان بالمعمارى الإيطالى الشهير «فيكتور أرلينجر» ليشيّد له صرحًا على الطراز الإيطالى عام 1928، وسكنه حتى عام 1954، قبل أن يتحول فى منتصف التسعينيات إلى مقر للقنصلية الأمريكية، ثم إلى متحف اشترته الدولة عام 1996، فصار ذاكرة مدينة ومتحف وطن.
رحلة المتحف لا تسير على الأرض بل بين العصور، مقسّمة فى طوابقه الثلاث: يبدأ الزائر من عصور مصر القديمة فى الطابق الأرضى، ويصعد إلى العصر اليونانى الرومانى فى الثانى، ثم ينتهى إلى حضارات الأقباط والمسلمين فى الثالث، مرورًا بآثار العصر الحديث وعهد محمد على باشا، فتكتمل دائرة الزمن فى مكان واحد.
■ متحف الإسكندرية القومي
بين جدرانه، تقف نحو 1600 قطعة أثرية شاهدة على حياة مضت، تماثيل لملوك مثل أمنمحات الثالث، وتحتمس الثالث، وحتشبسوت، وسيرابيس، وأخناتون، والإسكندر الأكبر، وملامح لأباطرة الرومان مثل كاركلا وهادريان، وكل قطعة تحكى جانبًا من حضارة، كل حجر يُتمم جملة فى رواية مصر الطويلة.
من أعماق خليج أبى قير جاءت عملات ذهبية غرقت فى معركة عام 1798 بين الأسطولين الفرنسى والبريطانى، لتُعرض اليوم فى المتحف، كأنها تذكّر الزائر أن ما يضيع فى البحر يعود أحيانًا ليروى.
وفى الطابق الثانى، تقف أوانى «الهيدرا» بأناقتها ورهبتها، كانت يومًا تحوى رفات القادة والجنود والأبطال الرياضيين فى العصر الرومانى، وتُظهر نقوشها وظيفة صاحبها، فالموت هنا له ذاكرة، لها شكل وفن ورسالة.
■ إقبال كبير على زيارة متحف الإسكندرية القومي
ثم هناك أغرب ما يمكن أن تراه فى متحف، يد بشرية ضخمة، ليست تمثالًا فنيًا، بل نموذج تشريحى استخدمه طلاب الطب فى العصر اليونانى، لتكون أولى المنحوتات العلمية فى دراسة الجسد البشرى.
وفى إحدى القاعات، لوحة أرضية لوجه مشوّه، ليست صدفة ولا خيالًا، بل عمل فنى من فنون الموزاييك، تصور سيدة دميمة، وُضعت على الأرض فى بيت رومانى قديم، لتُداس بالأقدام عقابًا لها، فى تجسيد لأسطورة «ميدوسا» التى تحدّت أفروديت إلهة الجمال، فتحولت إلى لعنة تُطاردها العيون ولا تنساها الذاكرة.. بحسب المرشدين بالمتحف، اللوحة تعود إلى تلك الفتاة التى أبهرتها صورتها فى الماء، فرفعت رأسها فوق مقامها، فخُلدت لا كجميلة، بل كتحذير لمن يتجاوز حدود القدر.
متحف الإسكندرية القومي ليس مجرد مبنى، بل سرد طويل تكتبه الآثار، تقرؤه العيون، وتعيشه الأرواح.
◄ الوادي الجديد.. التطوير يفتح بوابات الحضارة
■ كتب: خالد عز الدين
منذ أكثر من 30 عامًا، كان متحف آثار الوادى الجديد فى مدينة الخارجة نقطة انطلاق للزوار لاكتشاف كنوز التاريخ التى تزخر بها هذه الأرض، وافتُتح المتحف عام 1993 على مساحة 3150 مترًا مربعًا، ليكون شاهدًا حيًا على تاريخ الواحات المصرية عبر العصور المختلفة، المتحف يضم ثلاثة طوابق وثلاث صالات عرض، ويحتوى على 4087 قطعة أثرية تمثل مختلف العصور، لتسرد قصة حياة المنطقة التى عاشت واحتفظت بتراث غنى من العصور الفرعونية والرومانية والبيزنطية.
الآن، وبعد مرور 32 عامًا على افتتاحه، بدأ المتحف أعمال تطوير شاملة تهدف إلى تحسين تجربة الزوار وتعزيز العرض المتحفى، هذه التطورات تأتى فى إطار خطة وزارة الآثار لتحديث المتاحف المصرية بشكل عام، وتهدف إلى إضافة 200 وثيقة تاريخية جديدة تعود إلى الفترة من القرن الثامن الهجرى إلى القرن الثالث عشر الهجري، هذه الوثائق ستسهم فى تسليط الضوء على تاريخ الواحات فى مدنها المتنوعة مثل الخارجة والداخلة والفرافرة، لتروى قصصًا عن الحياة اليومية، المحاصيل الزراعية، وأحوال القضاء، بالإضافة إلى تسليط الضوء على حكام الواحات وحكاياتهم التى أثرت فى تطور المنطقة.
مدير المتحف، طارق القليعى، أكد أن أعمال التطوير تشمل أيضًا تحسين طريقة عرض القطع الأثرية. سيتم إعادة تشكيل طريقة العرض باستخدام باترينات أكثر جمالًا وجاذبية، مما يجعل المتحف أكثر قدرة على جذب الزوار، وأوضح القليعى أنه سيتم عرض القطع الأثرية التى تم استخراجها من المواقع الأثرية فى الوادى الجديد، بينما تم إعادة القطع غير المرتبطة بالمنطقة إلى متاحفها الأصلية، مثل مجموعة آثار أسرة محمد على باشا التى أُعيدت إلى متحف المنيل بالقاهرة.
تطوير المتحف لا يقتصر على المحتوى المعروض فقط، بل يشمل أيضًا تحسين الأمان داخل وخارج المبنى. تم تركيب كاميرات مراقبة حديثة لضمان سلامة المعروضات والزوار، إضافة إلى إنشاء وحدة إطفاء متكاملة، كما شهد المتحف تجديدًا للواجهة الخارجية باستخدام الألوميتال، مما يمنح المتحف مظهرًا عصريًا يتناغم مع هوية مدينة الخارجة البصرية، علاوة على ذلك، تم تحديث الأرضيات وتطوير المكاتب الخدمية داخل المتحف، لضمان راحة الزوار وتجربة أفضل.
هذه التحديثات تؤكد أن المتاحف فى مصر لم تعد مجرد أماكن لحفظ القطع الأثرية، بل أصبحت منصات ثقافية حية تسهم فى نشر المعرفة والتواصل مع المجتمع، ومن خلال هذه التعديلات، يسعى المتحف إلى تعزيز الارتباط بين الزوار وتاريخهم العميق، ليظل شاهدًا حيًا على حضارة الوادى الجديد وأهله عبر العصر.
السويس القومي.. قصة ممر غيّر وجه العالم
■ كتب: حسام صالح
كأنك تعبر بوابة عبر الزمن، فتجد نفسك على ضفاف فكرة بدأت قبل أكثر من 38 قرنًا، حين قرر الملك سنوسرت الثالث أن يصل بين نهر النيل والبحر الأحمر، فشق أول قناة مائية عرفت طريقها إلى قلب الصحراء، وبين حلم البدايات وعظمة التنفيذ، تتجسد حكاية قناة السويس فى جنبات متحف السويس القومى، حيث لا تُعرض القطع الأثرية على الرفوف فحسب، بل تُروى الحكايات، وتُستعاد الفصول المنسية من دفتر التاريخ.
لا تقع كل هذه القطع فى المتحف لمجرد عرضها، بل تم انتقاؤها بعناية لتشكل خيطًا سرديًا متصلاً يحكى قصة القناة منذ سيزوستريس، وحتى الخديو إسماعيل، الذى شهد العالم على افتتاح مشروع القرن فى زمانه.
مديرة المتحف، دينا السيد، تؤكد أن هذه الآثار لم تخرج كلها من أرض السويس، بل جاءت من متاحف متفرقة، لكن ما يوحدها هو ارتباطها الوثيق بقناة السويس، فهى ليست مجرد مقتنيات، بل محطات على خط زمنى واضح المعالم، يعرض كيف بدأت الفكرة، ومن أين، وعلى يد من.
المتحف لا ينام، أبوابه تظل مفتوحة طوال العام، فى الأعياد والعطل، وفى نهايات الأسبوع. طلاب المدارس يدخلون مجانًا، وطلاب كليات الآثار والسياحة والفنادق يزورونه دون رسوم، بل إن بعضهم يعمل متطوعًا فى تقديم الجولات الإرشادية، ويشارك فى ورش التعلم والأنشطة، ليجعل من زيارته للمتحف خبرة حية لا تُنسى.
وفى قلب القاعة، يقف تمثال سنوسرت الثالث شامخًا، كأنه لا يزال يرقب قناة حلم بها ذات يوم، واستحالت حقيقة على يد من جاءوا بعده، يروى التمثال بداية الحكاية، أما بقيتها، فتُسرد على جدران القاعات، حيث تسافر المعروضات بك إلى عصر التجارة مع بلاد بونت، وحملات تصدير واستيراد تمتد من النيل إلى أعماق إفريقيا.. قطع كثيرة تحكى عن تلك الحقبة: مجسمات مراكب، برديات من ميناء وادى الجرف، أدوات استخدمها المصريون القدماء فى رحلاتهم البحرية، وكلها خضعت للصيانة والترميم، لتظل شاهدة على مجد لم تبهته السنون.
وكان آخر الوافدين إلى المتحف قطعة من نوع خاص، نموذج لفنار أُهدى للملك فاروق عام 1946، وصل إلى المتحف قادمًا من أحد القصور الرئاسية، ليعرض لأول مرة تزامنًا مع انطلاق مهرجان الموسيقى والغناء بالسويس.
لكن رغم كل هذا الزخم، لا يزال المتحف بعيدًا عن خريطة السياحة العالمية، فموقعه فى مدينة بورتوفيق، على مقربة من الميناء، لم يشفع له أن يُدرج ضمن مسارات رحلات السفن السياحية، معظم الوفود تمر عبر ميناء السخنة، وتغادر إلى القاهرة مباشرة، متجاهلة ما فى السويس من كنوز.
هناك محاولات جادة لإحياء الرحلات إلى بورتوفيق، لتشمل زيارات إلى المتحف، وقصر محمد على، وبيت المساجيرى، وممشى بورتوفيق الجديد، الذى يفتح أفقًا سياحيًا رائعًا بإطلالته الساحرة على خليج السويس.. هكذا يظل متحف السويس القومى شاهدًا على القصة الكبرى التى غيّرت خريطة العالم، فى انتظار أن يستعيد مكانته على خريطة السياحة، كما يستحق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.