مجلس جامعة مطروح يناقش الاستعدادات النهائية لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    تخصيص 330 فدانا في قنا لاستغلالها في مشروعات زراعية    بدء تسليم وحدات إسكان الشباب في الإسماعيلية 8 مايو.. اعرف التفاصيل    عاجل.. الرئيس السيسي يستقبل أمير الكويت بمطار القاهرة    ترامب: نتنياهو يتحمل مسؤولية أحداث 7 أكتوبر    بسبب الأزمة المالية.. برشلونة مهدد بفقدان أحد صفقاته    موعد مباراة ريال مدريد وبايرن ميونخ اليوم في دوري أبطال أوروبا.. والمعلق والقناة الناقلة    للعام الخامس على التوالي.. بنك مصر يرعى الاتحاد المصري للتنس    أمطار رعدية على جنوب سيناء لليوم الثاني على التوالي    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    مدحت العدل: هناك نصوص أدبية تسري بين سطورها روح الدراما    جدل حول وجود الأنبياء في مصر.. رؤية زاهي حواس ورد فعل وسائل الإعلام الإسرائيلية    استشاري مناعة: آن الأوان لتعليق استخدام لقاح استرازينيكا (فيديو)    مدير تعليم دمياط يشهد ختام ورش عمل الأنشطة الطلابية    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    قبل عرضه .. تعرف على قصة مسلسل «انترفيو» ل رنا رئيس    أمير الكويت يصل مطار القاهرة للقاء السيسي    وزير الصحة يبحث مع وزيرة التعاون القطرية الاستثمار في المجال الصحي والسياحة العلاجية    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    رئيس وزراء بيلاروسيا: مستعدون لتعزيز التعاون الصناعي مع مصر    محافظ المنوفية يناقش الاستعدادات النهائية لبدء تلقى طلبات التصالح    لبيب: نحاول إصلاح ما أفسده الزمن في الزمالك.. وجوميز أعاد مدرسة الفن والهندسة    تجارة القناة تكرم الطلاب المتفوقين من ذوي الهمم (صور)    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    النيابة توجه كلمات مؤثرة للمتهمة بقتل طفلها أمام جنايات المنصورة (فيديو)    موعد غلق باب التقديم للالتحاق بالمدارس المصرية اليابانية في العام الجديد    الاتحاد الأوروبي يخصص 15 مليون يورو لرعاية اللاجئين السوريين بالأردن    رجب أبو سرية يكتب //انتصار نتنياهو يعني التهجير فقط    جهاز مشروعات التنمية الشاملة ينظم احتفالية لحصاد حقول القمح المنزرعة بالأساليب الحديثة    محافظ بنى سويف: توطين الصناعة المحلية يقلل الفجوة الاستيرادية    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    بالصور- هنا الزاهد وشقيقتها في حفل حنة لينا الطهطاوي    ساويرس يوجه رسالة مؤثرة ل أحمد السقا وكريم عبد العزيز عن الصديق الوفي    وزير التنمية المحلية يُهنئ الرئيس السيسي بمناسبة الاحتفال بعيد العمال    لحظة إشهار الناشط الأمريكي تايغ بيري إسلامه في مظاهرة لدعم غزة    دوري أبطال أوروبا، إنريكي يعلن قائمة باريس سان جيرمان لمباراة دورتموند    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    عشان تعدي شم النسيم من غير تسمم.. كيف تفرق بين الأسماك الفاسدة والصالحة؟    "عايز تتشهر ويجيبوا سيرتك؟".. متحدث الزمالك يدافع عن شيكابالا بهذه الطريقة    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    رئيس اقتصادية قناة السويس يناقش مع «اليونيدو» برنامج المناطق الصناعية الصديقة للبيئة    أقدس أيام السنة.. كيف تحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بأسبوع آلام السيد المسيح؟    اليوم.. آخر موعد لتلقي طلبات الاشتراك في مشروع العلاج بنقابة المحامين    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    كينيا تلغي عقد مشروع طريق سريع مدعوم من البنك الأفريقي للتنمية    مقتل 3 ضباط شرطة في تبادل لإطلاق النار في ولاية نورث كارولينا الأمريكية    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    الإسماعيلي: نخشى من تعيين محمد عادل حكمًا لمباراة الأهلي    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفسير الشعراوي للآية 15 من سورة آل عمران
نشر في مصراوي يوم 11 - 08 - 2015

قال تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.. [آل عمران : 15].
وحين تسمع كلمة (أؤخبركم) فما نسمعه بعد ذلك كلام عادي، أما عندما نسمع (أَؤُنَبِّئُكُمْ) فما نسمعه بعدها هو خبر هائل لا يقال إلا في الأحداث العظام، فلا يقول أحد لآخر: سأنبئك بأنك ستأكل كذا وكذا في الغداء، ولكن يقال (أنا أنبئك بأنك نلت جائزة كبرى)، هذا في المستوى البشرى فما بالنا بالله الخالق الأعلى، ولذلك يقول الله الحق: {عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ عَنِ النبإ العظيم}.. [النبأ: 1-2].
إنه الأمر الذي يقلب كيان هذه الدنيا كلها، فحين يقول الحق: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} فمعنى ذلك أن الله يخبرنا بخبر من هذه الأشياء، ومن ذلك نعرف أن الله قد جعل هذه الأشياء مقياساً، لماذا؟
لأنه مقياس محس، وأوضح لنا كيفية التصعيد فقال: {لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ} والمؤمن هو من ينظر بثقة إلى كلمة {عِندَ رَبِّهِمْ} أي الرب المتولى التربية والذي يتعهد المربيِّ حتى يبلغه درجة الكمال المطلوب منه.
والعندية هنا هي عند الرب الأعلى. فماذا أعد المربي الأعلى للمتقين؟ لقد أعد لهم {جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} ولنر الخيرية في هذه الجنات، وهي تقابلٍ في الدنيا الحرث والزرع، وقد قلنا: إن الحق حين تكلم عن الزرع تكلم واصفاً له ب (الحرث) لنعرف أن الزرع يتطلب منا حركة وعملاً.
أما في الآخرة فالجنات جاهزة لا تتطلب من المؤمن حركة أو تعباً، ولا يقف الأمر عند ذلك، بل إن هذه الجنات تجر من تحتها الأنهار وفيها للإنسان المؤمن ما وعده الله به: {خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} إنه الخلود الذي لا يفنى، ولا يتركه الإنسان ولا يترك هو الإنسانِ.
والأزواج المطهرة هي وعد من الله للمؤمنين، ومن يحب النساء في الدنيا يعرف أن المرأة في الدنيا يطرأ عليها أشياء قد تنفر، إما خَلْقاً تكوينياً، وإمَّا خُلًقاً، فهناك وقت لا يحب الرجل أن يقرب فيه المرأة، وقد يكون فيها خصلة من الخصال السيئة فيكره الإنسان جمالها.
لذلك فالرجل قد ينخدع بالمنظر الخارجي للمرأة في الدنيا، وقد يقع الإنسان في هوى واحدة فيجد فيها خصلة تجعله يكرهها، أما في الآخرة فالأمر مختلف، إنها {أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} أي مطهرة من كل عيب يعيب نساء الدنيا، فيأخذ المؤمن جمالها، ولا يوجد فيها شرور الدنيا، فقد طهرها الله منها.
{وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ} من الذي طهرها؟ إنه هو الله سبحانه طهرها خَلْقاً وَخُلُقاً. فالرجل في الدنيا قد يهوى إمرأة، وتستمر نضارتها خمسة عشر عاماً تستميله وتجذبه، ثم تبدأ التجاعيد والترهل والتنافر. أما في الآخرة فالمرأة مطهرة من كل شيء، وتظل على نضارتها وجمالها إلى الأبد، أليس هذا تصعيداً للخير؟ ونلاحظ أن الحق سبحانه ذكر هنا أمرين:
الأمر الأول: هو جنات تجري من تحتها الأنهار، ونقارن بينها وبين الحرث في الدنيا.
والأمر الآخر: هو الأزواج المطهرة، ونقارن بينها وبين النساء في الدنيا أيضا، ولم يورد الحق أي شيء عن بقية الأشياء، فأين القناطير المقنطرة من الذهب؟ وأين الخيل؟ وأين الأنعام وأين البنون؟
إننا نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى جعل الأمرين المزينين، واحداً يستهل به الآية، والأمر الآخر يأتي في آخر الآية، ولنقرأ الآية التي فيها التزيين: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهوات مِنَ النساء والبنين والقناطير المقنطرة مِنَ الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث}.
إن البداية هي النساء، ذلك هو القوس الأول، والنهاية هي الحرث وذلك هو القوس الثاني، وبين القوسين بقية الأشياء المزينة، وقد أعطانا الله عوض القوسين، وأوضح لنا إنهما هما الخير الْمُصَعَّد، ولم يورد بقية الأشياء المزينة، وهذا يعني أن نفهم ذلك في ضوء أن الرزق ما به انتُفِعَ، أي أن كل ما ينتفع به الإنسان رزق، الخُلُق الطيب رزق سماع العلم رزق، أدب الإنسان رزق، حلم الإنسان رزق، صدق الإنسان رزق، ولكن الرزق يأتي مرة مباشرا بحيث تنتفع به مباشرة، ومرة أخرى يأتي الرزق لكنه لا ينفع مباشرة، بل قد يكون سببا ووسيلة لما ينفع مباشرة.
مثال ذلك الخبز، إنه رزق مباشر، والنقود هي رزق، لكنها رزق غير مباشر؛ لأن الإنسان قد يكون جائعاً وعنده جبل من الذهب فلو قال واحد لهذا الإنسان: خذ رغيفا مقابل جبل من الذهب. سيعطي الإنسان الجائع جبل الذهب مقابل الرغيف؛ لأن الإنسان لا يأكل الذهب، وكذلك كوب الماء بالنسبة للعطشان.
إذن فهناك رزق لا يطلب لذاته، ولكن يطلبه الإنسان لأنه وسيلة لغيره فالوسيلة لغيره أنت لن تحتاج إليها في الآخرة؛ لأنك ستعيش ببدل الأسباب بقول الحق: (كن). فالإنسان لن يحتاج في الجنة إلى مال. أو قناطير مقنطرة من الذهب والفضة؛ لأن كل ما تشتهيه النفس ستجده، ولن تحتاج في الآخرة إلى خيل مسومة؛ لأنك لن تجاهد عليها أو تتلذذ وتستأنس بركوبها.
وكل ما لا تحتاج إليه في الآخرة من أشياء أعطاها لك الله في الدنيا لتسعى بها في الأسباب، ولم يورده الله في قوله: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله والله بَصِيرٌ بالعباد} لم يوردها في النص الكريم، لأن عطاء الله في الآخرة بالرزق المباشر، أما الأشياء التي يسعى بها الإنسان إلى الرزق المباشر في الدنيا فلم يوردها لعدم الحاجة إليها في الآخرة، فنحن نحب المال، ولماذا؟ لأنه يحقق لنا شراء الأشياء، والخيل المسومة نحبها؛ لأنها تحقق لنا القدرة على القتال والجهاد في سبيل الله.
والأنعام؛ لتحقق لنا المتعة.
أما الجنة في الآخرة فالمؤمن يجد فيها كل ما تشتهيه الأنفس، وكل ما يخطر ببال من يرزقه الله الجنة سوف يجده؛ فالوسائط لا لزوم لها. لذلك تكلم الحق عن الأشياء المباشرة، فأورد لنا ذكر الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وذكر لنا الأزواج المطهرة.
وعندما نتأمل قول الحق: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} قد يقول قائل: ألم يَكن من المنطق أن يخبرنا الحق مباشرة بما يريد أن يخبرنا به، بدلاً من أن يسألنا: أيخبرنا بهذا الخير، أم لا؟
ونقول: أنت لم تلتفت إلى التشويق بالأسلوب الجميل، وحنان الله على خلقه. إنه سبحانه وتعالى يقول لنا: ألا تريدون أن أقول لكم على أشياء تفضل تلك الأشياء التي تسيركم في الدنيا. فكأن الحق سبحانه وتعالى قد نبه من لم ينتبه. ولم ينتظر الحق أن نقول له: قل لنا يارب.
لا، إنه يقول لنا دون طلب منا، ويقال عن هذا الأسلوب في اللغة إنه (استفهام للتقرير)، فالإنسان حين يسمع: {أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذلكم} فالذهن ينشغل، فإن لم يسمع النبأ، فلسوف يظل الذهن مشغولاً بالنبأ، ويأتي الجواب على اشتياق فيتمكن من نفس المؤمن.
ويأتي النبأ {لِلَّذِينَ اتقوا}، فعندما نمعن النظر في الشهوات التي تقدمت من نساء وبنين وقناطير مقنطرة من ذهب وفضة وخيل مسومة وأنعام وحرث، ألا يكون من المناسب فيها أن يتقي الإنسان ربه في مجالها؟
إن التقوى لله في هذه الأشياء واجبة، ولذلك قلنا من قبل قضية نرد بها على الذين يريدون أن يجعلوا الحياة زهداً وانحساراً عن الحركة، وأن يوقفوا الحياة على العبادة في أمور الصلاة والصوم، وأن نترك كل شيء. لهؤلاء نقول: لا؛ إن حركتك في الحياة تعينك على التقوى؛ لأننا عرفنا أن معنى التقوى هو أن يجعل الإنسان بينه وبين النار حجاباً، وأن تجعل بينك وبين غضب ربك وقاية. فإذا ما أخذت نعم الله لتصرفها في ضوء منهج الله فهذا هو حسن استخدام النعم.
وقد أوضحت من قبل أن التقوى حين تأتي مرة في قول الحق: {اتقوا الله} وتأتي مرة أخرى {اتقوا النار} فهما ملتقيان؛ فاتقاء النار حتى لا يصاب الإنسان بأذى، وعندما يتقي الإنسان الله فهو يتقي غضب الله؛ لأن غضب الله يورد العذاب، والعذاب من جنود النار. إذن فالذين يتقون الله لا يظنون أنهم زهدوا في هذه الحياة لذات الزهد فيها، ولكن للطمع فيما هو أعلى منها، إنه الطمع في النعيم الأخروي الدائم.
ويوضح الحق سبحانه وتعالى بعد ذلك: أنكم لن تتمتعوا في الآخرة لضرورة الحاجة للمتعة، بحيث إذا ما جاءت النعمة عليكم تفرحون بها، إن الأمر لا يقتصر على ذلك وإنما يتعداه إلى أنكم- أيها المؤمنون- تحبون فقط أن تروا المنعم، فمادام المؤمن الذي يدخل الجنة يجد كل ما يشتهي بل إنه لا يشتهي شيئا حتى يأتيه، ويستمتع على قدر عطاء الله وقدراته.
وإذا لم يشته الإنسان ثماراً في الجنة أو نساء، ويصبح مشغولاً برؤية ربه فإن مكانه جنة من الجنان اسمها (عليّون) و(عليّون) هذه ليس فيها شيء مما تسمعه عن الجنة، ليس فيها الا أن تلقى الله. إن الرزق والنعم ليسا من أجل قوام الحياة في الجنة، بل إن الإنسان سيكون له الخلود فيها؛ فالذي يحتاج إليه الإنسان هو رضوان من الله.
إن رضواناً من الله أكبر من كل شيء. ولقد نبأنا الله بما في الجنات، ونبأنا بالخير من كل ذلك. لقد نبأنا الله بأن رضوانه الأكبر هو أن يضمن المؤمن أنْ يظفر برؤية ربّه. وهذا ما يقول في الله. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}.. [القيامة: 22-23].
إذن فهناك في الجنة مراتب ارتقائية. ويخبرنا الحق من بعد ذلك: {والله بَصِيرٌ بالعباد} أي أن الله سيعطى كل إنسان على قدر موقفه من منهج ربه، فمن أطاع الله رغبة في النعيم بالجنة يأخذ جنة الله، ومن أطاع الله لأن ذات الله أهل لأن تطاع فإن الله يعطيه متعة ولذة النظر إليه سبحانه تقول رابعة العدوية في هذا المعنى:
كلهم يعبدون من خوف نار *** ويرون النجاة حظا جزيلاً
إنِنّي لست مثلهم ولهذا *** لست أبغي بمن أحب بديلا
وقالت أيضاً: اللهم إن كنت تعلم أني أعبدك خوفاً من نارك فادخلني فيها، وإن كنت تعلم أني أعبدك طمعاً في جنتك فاحرمني منها، إنما أعبدك لأنك تستحق أن تُعبد.
إذن ف {الله بَصِيرٌ بالعباد} أي أنه سيعطي كل عبد على قدر حركته ونيته في الحركة؛ فالذي أحب ما عند الله من النعمة فليأخذ النعمة ويفيضها الله عليه. أما الذي أحب الله وإن سلب منه النعمة، فإن الله يعطيه العطاء الأوفى، وذلك هو مجال مباهاة الله لملائكته.. ومن أقوى دلائل الإيمان وكماله.. إيثار محبة الله ورسوله على كل شيء في الوجود: عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: مّنْ كان الله ورسوله أحبُّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يَقَذف في النار» إن هناك العبد الذي يحب الله لذاته؛ لأن ذاته سبحانه تستحق أن تعبد، فذات الله تستحق العبادة؛ لأنه الوهاب، الذي نظم لنا هذا الكون الجميل.
إذن فقوله الحق: {والله بَصِيرٌ بالعباد} يعني أن الله يعلم مقدار ما يستحق كل عابد لربه، وعلى مقدار حركته ونيته في ربه يكون الجزاء، فمن عبد الله للنعمة أعطاه الله النعمة المرجوة في الجنة ليأخذها، ومن أطاع الله لأنه أهل لأن يطاع وإن أخذت- بضم الألف وكسر الخاء- النعمة منه فإن الله يعطيه مكاناً في عليين.
ولذلك قيل: إن أشد الناس بلاء هم الأنبياء، ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل. لماذا؟ لأن ذلك دليل صدق المحبة. والإنسان عادة يحب من يحسن إليه، ولا يحب من تأتي منه الإساءة إلا إن كانت له منزلة عالية كبيرة. إنه مطمئن إلى حكمته، إنه ابتلاه- وهو يعلم صبره- ليعطيه ثوابا جزيلا وأجرا كبيرا، والحق يقول: {قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً} .. [الكهف: 110].
لقد قال: {فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ} ولم يقل جنة ربه وهكذا يجب ألا تشغلنا النعمة- الجنة- عن المنعم وهو الله سبحانه وتعالى، وإذا كان الحق قد طلب منا ألا نشرك بعبادة ربنا أحداً فلنعلم أن الجنة أَحَدٌ.
وبعد ذلك يقول الحق سبحانه: {الذين يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا...}.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.