تمسسها أيدي المريدين، تُقلبها في حركة دائرية، تتحرك الشفتان بالتسابيح، بينما تنغمس الخرزات الملونة بين الأصابع، تتعانق الأوراد، سبحان الله تحتضن قلب القائل، تهدهده كصغير، يقشعر بدنه، تقبض أصابعه على السبحة؛ حباتها صمّاء، لكنها تُشاركه التسبيح، تحوقل معه، تُبسمل، وتشهد أن لا إله إلا الله، يمرّ بيده على الخرزات الناعمة الملمس، يهفو إليها كل ما استطاع، سبحة ترفعه من الأرض إلى السماء في ثوانِ معدودة، تخرج به من حيز الملوس إلى رحابة كون الله، يظل لسانه رطبا بالذكر ويده عامرة بملمس الخرز. لا يهم مم صُنعت؛ العقيق، الأحجار البلورية، الفيروز، الخشب أو اللازورد، السبحة وسيلة يستخدمها العباد لمناجاة الله، بعضهم لا يهتم سوى بشكلها، يتشدق بها في المحافل العامة والمساجد، يُحرك رأسه يمينا ويسارا، رافعا إياها كدليل إيمان. آخر لا يتركها من بين يده، بينما يتفوه لسانه بكل ما هو بعيد عن الله، ينافق، يكذب، يرتشي؛ تموت بين يده الخرزات الصغيرات، كزرع أهمله أصحابه فصار مُصفرا، فيما يُحييها آخر بكثرة التسبيح لله، لا للخلق، أو السُمعة الطيبة. السبحة صديق؛ هل يهم معرفة موطنه الأصلي إذا كان مصدرا للأمان؟، يقولون إنها بدأت عند السومريين قبل 5000 آلاف عام، ثم انتقلت إلى الفراعنة وباقي الحضارات، حتى وصلت إلى الديانات المختلفة، السبحة ليست مسلمة ولا مسيحية أو يهودية؛ كلٌ يتعامل معها طبقا لمعتقده، استخدمها اليهود وأطلقوا عليها اسم "ماه بركوت" وتعني المائة بركة، استخدمها الرهبان أيضا، كما كانت معلومة عند الأديان الأخرى كالبوذية والبرهامية، عرفها المسلمون حين كانوا يسبحون على نوى التمر، كلٌ يستخدمها بطريقة مغايرة، مؤداها الإله؛ لتصفو روحه من الكدر. بين الأزقة الضيقة والمحلات المتسعة تُباع السبح، ألف نوع منها أو يزيد، تلقى المقبلون بالترحاب، خاصة مع شهر رمضان الكريم، هي الأصل وإن طغت تطبيقات التكنولوجيا الحالية على كل شيء، هي خرز يضمه خيط واحد، ويجمع معه قلوب المحبين التي لا تنفصل عن الحبات الناعمة؛ عجوز يجلس أمام الكعبة منتظرا أذان المغرب، سيدة لا تتحدث العربية لكنها تعرف قول "الحمد لله"، فتكرره بينما تحتوي الحبات بين يديها، شاب يمر بطرقات الحُسين ذاهبا لصلاة القيام، يُسلي وقته بالذكر، السبحة مأوى لقلوب المحبين، حباته 33 واحدة أو أكثر.
