تصوير - علاء القصاص: يجوبون سرادق العزاء الذي يستمر ثلاثة أيام بكنيسة العذراء مريم، هوياتهم تقول إنهم مسلمون، وقلوبهم تؤكد ذلك إذ يسلم الناس من ألسنتهم قبل أيديهم، تجدهم وعلامات الحزن تبدو جلية في وجوههم يقدمون أكواب المياه والشاي للمعزين، ونساؤهم مشغولات بطهي طعام لمن قطع سفرًا طويلاً ليؤدي واجب العزاء. في قرية "العور" التي فقدت منذ أيام 13 شابًا قبطيًا، لن تساعدك الفراسة لتحديد ديانة مُحدثك فهو مصري صعيدي طيب وكفى، ف"كلنا متربيين مع بعض وبنشتغل مع بعض"، يقول فرحات أحد جيران ضحايا داعش، الرجل الأربعيني يحاول فقط أن يؤدي الواجب بنشاطه الملحوظ داخل الكنيسة وخارجها، بيته القريب من الكنيسة جعله كما يؤكد ملزمًا بخدمة زائريها. "عشنا أيام صعبة من يوم ما اتخطفوا وكان يوم أسود لما ذاعوا تصوير دبحهم"، متغلبًا على حزنه يصف فرحات وقع الخبر عليه، مؤكدًا أنه لم يكن متوقعًا أن ينحروهم بهذا الشكل البشع خاصة وأنهم شباب مشهود لهم بحسن السيرة وطيب العشرة. "فرحات أحد جيران ضحايا داعش" على بعد خطوات من فرحات داخل دكان لصنع الفطائر يعمل به شاب عشريني اسمه خليفة، الشاب يترك عمله من وقت لآخر ليساعد من يحتاجه من المعزين أو أهالي الضحايا، يقول إنه يعمل بالبلدة منذ فترة كبيرة ولمس التلاحم الكبير بين أهلها مسلمين ومسيحيين، "محدش بيسأل عن الموضوع دا، وانا اتصدمت من الموتة الصعبة، بس أحسن حاجة الرد السريع كده حسينا ان في دولة ورانا مش مجرد مؤسسات بتاخد مننا فلوس مياه وكهرباء"، يمتدح خليفة الضربة الجوية التي شنها الطيران المصري عقب إذاعة الفيديو الخاص بنحر الشباب المصريين، معتبرها "حاجة ممكن تبرد نار أهالي المتوفين". "أحد جيران ضحايا داعش يروي تفاصيل عن حياتهم" الحاجة راوية، عجوز سبعينية تبدو عليها علامات السن الكبيرة، تفترش الأرض بمدخل منزلها لا تمل الدعاء على "الظلمة الفجرة" تقصد بذلك مقاتلي داعش الذين قتلوا من تعتبرهم "أولادها"، فالحاجة راوية تؤكد أن كل الضحايا الشباب تربيتها. "أنا اغمى عليا أول ما عرفت انهم اتدبحوا، ومفوقتش غير تاني يوم الصبح، هنعمل ايه يابني أهو قدر ربنا ومحدش يقدر يحوشه"، تحكي السيدة العجوز عن اللحظات الأولى عقب سماعها خبر مقتل جيرانها الشباب، مستجمعة قواها تشير بأصبعها إلى الأعلى وتقول "هو قادر على الظلمة ربنا مش هيسيبهم ابدا عشان ربنا مقالش ندبح الناس ونيتم عيالها".