رئيس وزراء الهند يعلن عن اتفاقية مع روسيا ومرحلة جديدة من التعاون الاقتصادي    ليفربول يسعى لتصحيح مساره في الدوري الإنجليزي أمام ليدز يونايتد    «توخيل» يطمئن جماهير إنجلترا: جاهزون لمواجهة كرواتيا وغانا وبنما في المونديال    منتخب مصر الأول يستعد لكأس للأمم الإفريقية بالمغرب    منتخب «طولان» جاهز للإمارات في كأس العرب اليوم    بشرى سارة بشأن ضريبة التصرفات العقارية.. وزير المالية يكشف التفاصيل    البيت الأبيض: لقاء مثمر بين المسؤولين الأمريكيين والأوكرانيين في ميامي    محاكمة كبرى لعمالقة السيارات الأوروبية في لندن.. بسبب التلاعب    أمواج تصل إلى 3 أمتار، تحذير من اضطراب كبير في الملاحة بالبحر الأحمر وخليجي السويس والعقبة    اليوم، ضعف المياه عن 10 قرى بالأقصر بسبب انقطاع الكهرباء عن محطات العديسات    إجراءات صارمة بعد فيديو السخرية من مدرسة الإسكندرية    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    كشفتها الأجهزة الأمنيةl أساليب جديدة لغسيل الأموال عبر المنصات الرقمية    عائلة أم كلثوم يشاهدون العرض الخاص لفيلم "الست" مع صناعه وأبطاله، شاهد ماذا قالوا (فيديو)    في ذكرى رحيله.. «واحد من الناس» يحتفي بعمار الشريعي ويكشف أسرارًا لأول مرة    «آخرساعة» تكشف المفاجأة.. أم كلثوم تعلمت الإنجليزية قبل وفاتها ب22 عامًا!    آمال ماهر تتألق بأغانى من السنة للسنة ولو كان بخاطرى فى مهرجان الفسطاط.. صور    مصر والإمارات على موعد مع الإثارة في كأس العرب 2025    6 أفلام صنعت أسطورة أم كلثوم في السينما.. حكايات نادرة من رحلة الكوكبَة على الشاشة    حفل توقيع كتاب «حوارات.. 13 سنة في رحلة مع البابا تواضروس» بالمقر البابوي    رغم العزوف والرفض السلبي .. "وطنية الانتخابات" تخلي مسؤوليتها وعصابة الانقلاب تحملها للشعب    «تصدير البيض» يفتح باب الأمل لمربي الدواجن    عمرو مصطفى وظاظا يحتلان المرتبة الأولى في تريند يوتيوب أسبوعًا كاملًا    بدائل طبيعية للمكمّلات.. أطعمة تمنحك كل الفائدة    قائمة أطعمة تعزز صحتك بأوميجا 3    خبير اقتصادي: الغاز الإسرائيلي أرخص من القطري بضعفين.. وزيادة الكهرباء قادمة لا محالة    شاهد لحظة نقل الطفل المتوفى بمرسى المعديات فى بورسعيد.. فيديو    منافس مصر – لاعب بلجيكا السابق: موسم صلاح أقل نجاحا.. ومجموعتنا من الأسهل    اليوم.. محاكمة عصام صاصا و15آخرين في مشاجرة ملهى ليلي بالمعادي    قائمة بيراميدز - عودة الشناوي أمام بتروجت في الدوري    منافس مصر - مدافع نيوزيلندا: مراقبة صلاح تحد رائع لي ومتحمس لمواجهته    النائب عادل زيدان: التسهيلات الضريبية تدعم الزراعة وتزيد قدرة المنتج المصري على المنافسة    كندا ترفع سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب    الأردن يرحب بتمديد ولاية وكالة الأونروا حتى عام 2029    رويترز: تبادل إطلاق نار كثيف بين باكستان وأفغانستان في منطقة حدودية    قوات الاحتلال تعتقل عددا من الشبان الفلطسينيين خلال اقتحام بلدة بدو    محمد موسى يكشف كواليس جديدة عن فاجعة مدرسة «سيدز»    «بيصور الزباين».. غرفة تغيير ملابس السيدات تكشف حقية ترزي حريمي بالمنصورة    نتنياهو بعد غزة: محاولات السيطرة على استخبارات إسرائيل وسط أزمة سياسية وأمنية    وفاة عمة الفنان أمير المصري    عالم مصريات ل«العاشرة»: اكتشاف أختام مصرية قديمة فى دبى يؤكد وجود علاقات تجارية    تفاصيل مثيرة في قضية "سيدز"| محامي الضحايا يكشف ما أخفته التسجيلات المحذوفة    "بيطري الشرقية" يكشف تفاصيل جديدة عن "تماسيح الزوامل" وسبب ظهورها المفاجئ    أزمة أم مجرد ضجة!، مسئول بيطري يكشف خطورة ظهور تماسيح بمصرف الزوامل في الشرقية    مسئول أمريكى: قوة الاستقرار الدولية فى غزة قد تُصبح واقعًا أوائل عام 2026    تباين الأسهم الأوروبية في ختام التعاملات وسط ترقب لاجتماع الفيدرالي الأسبوع المقبل    الصحة تفحص أكثر من 7 ملايين طالب ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأنيميا والسمنة والتقزم بالمدارس    القاصد يهنئ محافظ المنوفية بانضمام شبين الكوم لشبكة اليونسكو لمدن التعلم 2025    وزارة الداخلية تحتفل باليوم العالمي لذوى الإعاقة وتوزع كراسى متحركة (فيديو وصور)    دعاء الرزق وأثره في تفريج الهم وتوسيع الأبواب المغلقة وزيادة البركة في الحياة    عضو الجمعية المصرية للحساسية والمناعة يوضح أسباب تفشّي العدوى في الشتاء    كيف أتجاوز شعور الخنق والكوابيس؟.. أمين الفتوى يجيب بقناة الناس    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رأي الشرع في قضية الأخذ بالثأر
نشر في مصراوي يوم 21 - 12 - 2014

السؤال : حدث في قريتنا أن قام رجل بقتل اثنين وحرقهما، ثم تَمَّ القبض عليه وحبسه قيد التحقيق لمحاكمته أمام القضاء.
ولكن المشكلة الآن أن كل عائلة من عائلتي القتيلين تريد أن تأخذ بثأر فقيدها من أحد أقارب المتهم بالقتل، فما حكم الشرع في هذا؟
تجيب لجنة أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية :
حرص الإسلام أشدَّ الحرص على حماية الحياة الإنسانية، وجعل صيانتها من حيث هي مَقْصِدًا شرعيًّا، وحَرَّم الاعتداء عليها، وتَوَعَّد المعتديَ بالوعيد الشديد؛ فالإنسان بنيان الله تعالى في الأرض، مَلعونٌ مَن هَدَمه.
قال تعالى:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.. [المائدة: 32].
وقال تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.. [الأنعام: 151].وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}.. [النساء: 93].
وروى الشيخان عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَر الكبائر، أو سُئِل عن الكبائر، فقال: [[الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور]].
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: [[لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، ما لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا]]؛ والمعنى - كما يقول الحافظ ابن الجوزي "كشف المشكل من حديث الصحيحين" (2/590، ط. دار الوطن)-: أنه في أي ذنبٍ وقعَ كان له في الدين والشرع مخرجٌ إلا القتل؛ فإن أمره صعب.
وروى الترمذي وحسَّنه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَجِيءُ المقتولُ بالقاتلِ يومَ القيامة: ناصيتُه ورأسُه بيدِه وأوداجُه تَشْخُبُ دمًا، يقول: يا رَبِّ، قَتَلَنِي هَذَا، حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ»، ومعنى تَشْخُب: تسيل.
وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم اللهُ في النار».
وروى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا».
وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "إنّ مِن وَرَطاتِ الأمور، التي لا مَخْرَج لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيها، سَفْكَ الدَّمِ الحرام بغير حِلِّه"، إلى غير ذلك من النصوص الدينية التي تُبين بَشاعة هذا الجرم، ووعيد مرتكبه وعقوبته الأخروية عند الله تعالى.
أما في الأحكام الدنيوية فقد رتب الشرع الشريف عقوبةً حَدِّيَّة صارمة على القتل العمد، وهي القصاص من القاتل؛ جزاء وفاقًا لما اقترفته يداه، والعمد: هو قصد الفعل العدوان، وقصد عَين الشخص، والفعل بما يقتل قطعًا أو غالبًا [كما في "مغني المحتاج" للعلامة الخطيب الشربيني (5/212، ط. دار الكتب العلمية)].
فإن عفا أهل القتيل أو أحدهم عن القاتل سقط القصاص عنه ووجبت عليه الدية؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 178].
فأرسى الشرعُ بهذه العقوبة الردعَ المجتمعي اللازم؛ فبتطبيق القصاص تحقن الدماء، كما قالت العرب: "القتل أَنفى للقتل"؛ قال تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.. [البقرة: 179].
قال الإمام الرازي في "تفسيره" (5/229، ط. دار إحياء التراث العربي): [ليس المراد من هذه الآية أن نفس القصاص حياة؛ لأن القصاص إزالة للحياة، وإزالة الشيء يمتنع أن تكون نفس ذلك الشيء، بل المراد أن شرع القصاص يفضي إلى الحياة في حق من يريد أن يكون قاتلا، وفي حق من يراد جعله مقتولا، وفي حق غيرهما أيضًا؛ أما في حق من يريد أن يكون قاتلا:فلأنه إذا علم أنه لو قَتَل قُتِل تَرَك القتل، فلا يَقتل، فيَبقى حَيًّا، وأما في حق من يراد جعله مقتولا: فلأن من أراد قتله إذا خاف من القصاص ترك قتله، فيبقى غير مقتول، وأما في حق غيرهما: فلأن في شرع القصاص بقاء مَن هَمَّ بالقتل، أو من يَهِمّ به، وفي بقائهما بقاء من يتعصب لهما؛ لأن الفتنة تعظم بسبب القتل، فتؤدي إلى المحاربة التي تنتهي إلى قتل عالَم من الناس، وفي تصور كون القصاص مشروعًا زوال كل ذلك، وفي زواله حياة الكل] اه.
وراعى الشرع أيضًا بعقوبة القصاص نفسية أهل المقتول التي تفور بالألم والرغبة في مكافأة دم صاحبهم، ولم يفرض عليهم التسامح فرضًا، بل جعله خيارًا مُرَغَّبًا فيه، يثاب فاعله ويؤجر عليه.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (6/8): [كان كُتِب على أهل التوراة أنه مَن قتل نفسًا بغير نفس حُقَّ له أن يُقاد بها ولا يُعفى عنه ولا تقبل منه الدية، وفُرِض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل، ورُخِّصَ لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا، فذلك قوله عز وجل: {ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ}؛ يقول: الدية تخفيف من الله؛ إذ جعل الدية ولا يقتل] اه.
ونَبَّه الشارع أيضًا مع ذلك على وجوب مراعاة العدل عند استيفاء القصاص، والعدل هنا يشمل أمرين: الأول: ألا يُتَجاوَز إلى تعذيب القاتل قبل إنفاذ الحَدِّ فيه أو التمثيل بجسده بعده. والثاني: ألا يُتَجاوَز إلى قتل من لا ذنب له ممن له علاقة بالقاتل بقرابة ونحوها؛ فقال تعالى: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا﴾ [الإسراء: 33].
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (3/254، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا﴾ غير مستوجب للقتل ﴿فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ﴾؛ للذي يلي أمره بعد وفاته، وهو الوارث ﴿سُلْطانًا﴾؛ تسلطًا بالمؤاخذة بمقتضى القتل على من عليه، أو بالقصاص على القاتل؛ فإن قوله تعالى: ﴿مَظْلُومًا﴾ يدل على أن القتل عمد عدوان؛ فإن الخطأ لا يسمى ظلمًا. ﴿فَلا يُسْرِفْ﴾؛ أي: القاتل. ﴿فِي الْقَتْلِ﴾؛ بأن يقتل من لا يستحق قتله؛ فإن العاقل لا يفعل ما يعود عليه بالهلاك. أو الولي بالمثلة، أو قتل غير القاتل] اه.
وهذا المعنى المستفاد من الآية الكريمة تجريم لصورة من صور الثأر؛ الذي يُنتَقَم فيه لدم القتيل بقتل أحد من قرابة القاتل. وهذه عادة من عادات الجاهلية التي جاء الإسلام الحنيف ليقضي عليها؛ فكان إذا قُتِل منهم قتيلٌ لم يكتفوا بقتل قاتله، بل تَعَدَّوْا إلى أهله وعشيرته، حتى تبقى بينهم الحروب الطاحنة من أجل ثأرهم، وكان يُعْرَفُون بالعصبية القبلية.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في "الأم" (6/8، ط. دار المعرفة): [وكان الشريف من العرب إذا قُتِل يُجاوَز قاتلُه إلى مَن لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها، وربما لم يرضَوْا إلا بعدد يقتلونهم، فقتل بعضُ غَنِيٍّ شأسَ بن زهير، فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له -أو بعض من ندب عنهم-: سل في قتل شأس، فقال: إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها. قالوا: وما هي؟ قال: تحيون لي شأسًا، أو تملئون ردائي من نجوم السماء، أو تدفعون إلي غَنِيًّا بأسرها فأقتلها, ثم لا أرى أني أخذت منه عِوَضًا. وقُتِل كُليبُ وائلٍ، فاقتتلوا دهرًا طويلا، واعتزلهم بعضهم، فأصابوا ابنًا له يقال له: (بجير)، فأتاهم فقال: قد عرفتم عزلتي، فبجير بكليب، وكفوا عن الحرب، فقالوا: بجير بشسع نعل كليب، فقاتلهم وكان معتزلًا] اه.
ولا شك أن الأخذ بالثأر على هذا الوجه فيه اعتداء عظيم على النفوس المعصومة، وأخذها بجريرة غيرها، فالمقتول يُقتَل وليس له ذنب يُعاقَب عليه ولا جريرةٌ يُؤخَذُ بها؛ والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ [الأنعام: 164]؛ قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: "لَا يُؤْخَذ أحد بذنب غَيره" [انظر: "الدر المنثور" (7/213، ط. دار الفكر)].
ويقول سبحانه: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ [النحل: 126]؛روى الترمذي عن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه، قال: "لما كان يوم أُحُدٍ أُصيب من الأنصار أربعة وستون رجلا، ومن المهاجرين ستة؛ منهم حمزة، فمَثَّلوا بهم، فقالت الأنصار: (لئن أَصَبْنا منهم يومًا مثل هذا لنُرْبِيَنّ عليهم)، قال: فلما كان يوم فتح مكة، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾؛ فقال رجل: لا قريش بعد اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «كُفّوا عن القوم إلا أربعة».
وروى الحاكم في "المستدرك" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نظر يوم أحد إلى حمزة وقد قتل ومثل به، فرأى منظرًا لم ير منظرًا قط أوجع لقلبه منه ولا أوجل، فحلف وهو واقف مكانه: «والله لأمثلن بسبعين منهم مكانَك»، فنزل القرآن وهو واقف في مكانه لم يبرح: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ حتى ختم السورة، وكَفَّرَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن يمينه وأمسك عما أراد.
قال الإمام البيضاوي في "تفسيره" (3/245، دار إحياء التراث العربي): [وفيه دليل على أن للمُقْتَصّ أن يُماثِلَ الجاني، وليس له أن يجاوزه، وحث على العفو تعريضًا بقوله: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ﴾، وتصريحًا على الوجه الآكد بقوله: ﴿وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ﴾؛ أي: الصبر ﴿خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ﴾ من الانتقام للمنتقمين] اه.
وكذلك فإن القاعدة الشرعية تقول: إن الضرر لا يزال بالضرر [انظر: "الأشباه والنظائر" للحافظ السيوطي (ص: 86، ط. دار الكتب العلمية)]؛ فإذا كان أهل المقتول قد تضرروا بقتل قريبهم، وأصابتهم المرارة ولحقتهم الأحزان، فلا يعطيهم هذا مبررًا مقبولا في أن يُداوُوا مراراتهم بإلحاق الضرر بالأبرياء الذين لا ذنب لهم ولا جريرة فيما وقع للمقتول.
كما أن هناك مفسدة أخرى في ممارسة عادة الثأر بشكل عام، وهي التعدي والافتيات على ولي الأمر في شيء من صلاحياته التي رتبها له الشرع وفوضه فيها دون غيره، وهو الاختصاص باستيفاء العقوبات.
والافتيات على ولي الأمر بوجه عام ممنوعٌ محرمٌ؛ لأنه تَعَدٍّ على حقه بمزاحمته فيما هو له، هذا من جهة، وتَعَدٍّ على إرادة الأمة التي أنابت حاكمها عنها في تدبير شؤونها من جهة أخرى.
وقد روى ابن زنجويه في كتاب "الأموال" (3/1152، ط. مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية) عن مسلم بن يسار، عن أبي عبد الله رضي الله عنه رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال مسلمٌ: كان ابن عمر رضي الله عنهما يأمرنا أن نأخذ عنه؛ قال: "هو عالم؛ فخذوا عنه"، فسمعته يقول: "الزكاة، والحدود، والفيء، والجمعة: إلى السلطان".
وروى البيهقي في سننه الكبرى عن ابن أبي الزناد، عن أبيه، عن الفقهاء الذين يُنتَهَى إلى قولهم مِن أهل المدينة، كانوا يقولون: "لا ينبغي لأحد أن يقيم شيئًا مِن الحدود دون السلطان".
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (2/245-246، ط. دار الكتب المصرية): [لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولو الأمر؛ فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه خاطب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود] اه.
وإقامة العقوبات في العصر الحاضر في ظل دولة المؤسسات إنما تناط بجهة محددة تُسنَدُ إليها؛ وهي السلطة التنفيذية، وهذه الجهة لا تستطيع أن تُنَفِّذَ عقوبةً ما إلا بعد أن تَبُتَّ فيها الجهة المختصة بالسلطة القضائية؛ فتقوم بالنظر في الواقعة المعينة، وتستوفي فيها الأدلة والقرائن، وتستنطق الشهود، وتنظر في الملابسات والظروف المحيطة، ثم تقضي بعقوبة مخصوصة فيها، وهذه الجهة بدورها لا تستقل بعقوبة لم يُنَصّ عليها في القانون المعمول به في البلاد، والذي تقوم على اختياره وصياغته الجهة المختصة بالسلطة التشريعية. وكل جهة من هذه الجهات الثلاث تُعَدُّ هي ولي الأمر فيما أقيمت فيه.
قال العلامة ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (5/97-98، ط. الدار التونسية للنشر) -عند تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}.. [النساء: 59]-: [أولو الأمر مِن الأمَّة ومِن القوم هم الذين يُسنِد الناسُ إليهم تدبير شؤونهم ويعتمدون في ذلك عليهم، فيصير الأمر كأنَّه مِن خصائصهم.. فأولو الأمر هنا هم مَن عدا الرسول مِن الخليفة إلى والي الحسبة، ومِن قواد الجيوش، ومِن فقهاء الصحابة والمجتهدين إلى أهل العلم في الأزمنة المتأخّرة، وأولو الأمر هم الذين يُطلَق عليهم أيضًا أهل الحلّ والعقد] اه.
ولذلك فإن قيام آحاد الناس الآن بتطبيق العقوبات بأنفسهم فيه افتيات على أصحاب هذه السلطات الثلاث؛ فقد يُعاقَب المجرمُ بغير ما قُرِّر له من العقوبة في القانون، وقبل ذلك فإنه يُدان من هؤلاء المُفْتَاتِينَ بلا تحقيق أو دفاع، ثم إن إنزال العقاب يحصل بعد ذلك من غير ذي اختصاص، وفي بعض الأحوال يُنزَلُ العقاب بالأبرياء الذين لا ذنب لهم، وكلُّ هذا في النهاية يقود المجتمع إلى الفوضى وإلى الخلل في نظامه العام.
وعليه وفي واقعة السؤال: فإن ما تريد أن تفعله كل عائلة من عائلتي الرجلين المقتولين من أخذها بثأر فقيدها من أحد أقارب المتهم بالقتل جرم جسيم ومُحَرَّم عظيم؛ لما فيه من تسويغ الفوضى والجور والاعتداء على الأنفس المعصومة بغير حق شرعي.والله سبحانه وتعالى أعلم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.