اصيبت الجزائر بصدمة عقب قيام متطرفين اسلاميين بقطع رأس السائح الفرنسي هيرف غورديل. فقد عززت اجراءات الامن في الجزائر العاصمة، وتقوم دوريات الشرطة بمراقبة شوارعها الرئيسية وساحاتها مما يثير قلق السكان من احتمال وقوع هجمات. وتتكرر عبارات "وحشية، ولا انسانية، وجبانة، ومجرمة، ومقززة" على السن الناس اثناء المحادثات في المقاهي والشوارع ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لوصف عملية قتل السائح الفرنسي. ويشعر سكان منطقة القبائل - التي وقعت فيها حادثة قتل غورديل - بالصدمة بشكل استثنائي، وزادت من مخاوفهم. فمنطقة القبائل ما برحت تعاني من هجمات المسلحين في السنوات الاخيرة. فمنذ اواخر تسعينيات القرن الماضي، اصبحت منطقة القبائل معقلا مهما لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي. ومنذ ذلك الحين، اصبحت الهجمات على قوات الامن والمدنيين ونقاط التفتيش الوهمية وعمليات الخطف والغارات على القرى امرا مألوفا في هذه المنطقة. ويقول السكان إنهم يتجنبون استخدام الطرق اثناء ساعات الليل، الا في حالات الضرورة القصوى. ومنذ نهاية عام 2005، اختطف اكثر من 80 من اصحاب المحال ورجال الاعمال والصناعيين من قبل مجموعات مسلحة في منطقة تيزي اوزو وحدها. وقتل ثلاثة من هؤلاء، فيما اطلق سراح الآخرين اما بعد دفع فدى للخاطفين او بعد ان نظم السكان انفسهم ومارسوا ضغوطا عليهم. وينحي بربر منطقة القبائل، المعروفون بعدائهم للسلطات الحاكمة في الجزائر، باللائمة على الحكومة ويتهمونها بالتخلي عن منطقتهم لصالح المسلحين السلفيين. وكان من شأن انعدام الامن طرد المستثمرين من المنطقة، إذ اضطرت العديد من المصالح التي استقرت في منطقة القبائل لسنوات الى الرحيل. وادانت الحكومة الجزائرية قتل غورديل بقوة، معتبرة اياها ضربة قوية للجزائر إذ تكذب ادعاءاتها بأن البلاد تنعم بالامن والاستقرار وانها نجحت في سحق المسلحين. كما تلقي الحادثة ظلال من الشك على سياسة غصن الزيتون التي ما برح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة يتبعها منذ انتخابه للمرة الاولى علم 1999. فالجماعات المسلحة ما زالت مستفيدة من قرار العفو الساري المفعول منذ عام 2006. ولكن سياسة بوتفليقة منيت بضربة قوية في يناير / كانون الثاني 2013، عندما هاجم مسلحون مجمعا للغاز في اميناس قرب الحدود الليبية في حادثة اسفرت عن مقتل 67 شخصا منهم 37 من الموظفين الاجانب. ومن شأن عملية قتل غورديل، اضافة الى الازمة التي تمر بها تونس والفوضى السائدة في ليبيا عقب الاطاحة بالعقيد القذافي، ان تزيد المخاوف حول الموقف الامني في الجزائر. وليس تنظيم جند الخلافة الذي يقول إنه المسؤول عن قتل غورديل تنظيما جديدا، فقد كان احدى الكتائب المنضوية تحت لواء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي قبل اعلانه الانضمام الى تنظيم "الدولة الاسلامية" في وقت سابق من الشهر الحالي. وينشط هذا التنظيم في جبال جرجرة في منطقة القبائل. وكان آخر هجوم ينفذه التنظيم تحت لواء تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي في 18 ابريل / نيسان الماضي، عندما نصب كمينا لرتل عسكري اسفر عن مقتل 11 جنديا في نفس المنطقة التي خطف فيها غورديل يوم الاحد الماضي. وقد يؤشر انطلاق "الدولة الاسلامية" في الجزائر الى افول نجم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، إذ لم يسمع منه شيء لمدة طويلة. ومن شأن انبثاق ظاهرة اسلامية جديدة ان يواصل نزعة قديمة في الجزائر بدأت بظهور الجماعات المسلحة للمرة الاولى في الثمانينيات. عند ذاك، شاركت عدة جماعات مختلفة في الحرب الاهلية التي عصفت بالبلاد عقب قيام الجيش بابطال انتخابات 1991 التي كادت جبهة الانقاذ الاسلامية ان تفوز بها. وتحولت بعد ذلك الحركة الاسلامية المسلحة الى الجماعة الاسلامية المسلحة التي استحالت بدورها الى الجماعة السلفية للدعوة والقتال. ولعبت الاخيرة دورا محوريا في تشكيل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي، الذي انتشر بعد ذلك في عدد من الدول المجاورة. ولكن بالقياس الى العمليات التي نفذها منذ تأسيسه، يمكن القول إن تنظيم جند الخلافة هو اشرس هذه التنظيمات على الاطلاق. اثناء الحرب الاهلية، كانت الجماعة الاسلامية المسلحة تقتل سكان قرى باكملها ذبحا بالسكاكين، ويأمل الجزائريون الا يعودوا الى تلك الايام المظلمة.