حطّت " ولاد البلد" رحالها هذا الأسبوع على أرض مركز ديروط، وجابت أرجاء قرية "مسارة" أكبر قراه مساحة تقريبًا وأكثرها فقرًا واحتياجًا.. لم نستطع التجول فى شوارع القرية إلا من خلال مركبة "توك توك" لكبر مساحتها، وفى الطرقات ارتسمت أوجه الحرمان والفقر على الأبواب، وعلى جبين قاطنيها، فلا شيء يشير إلي وجود مشروعات صغيرة، حتى محال البقالة غالبيتها عبارة عن غرف صغيرة لا تحوى إلا فتات البضائع، والشوارع تكسوها الأتربة ويهجرها الرصف، والمنازل يكسوها الفقر.. هكذا بدت القرية التى لخص حالها طفل كان يهرول خلفنا مناديًا بأعلى الصوت "البلد مفيهاش حاجة.. مسارة جعانة". سوء توزيع المخابز يقول عبدالعظيم عبدالحميد، لايعمل: "رغيف العيش ملقينوش، وهناك أكثر من 8 مخابز بالقرية ومش مكفية، وناس كتيرة مش بتاخد عيش، وعندنا ناس تاخد بجنيه واتنين وناس مبتشفوش خالص". يضيف: الخبز سيئ الصنع "بنقرقش رملة هيوقعولنا سنانا".. والحصة لا تكفى فالمنزل الذى به خمسة أفراد لا يكفيهم 10 أرغفة، ومضطرين نسكت "يعنى الغلبان هيعمل إيه؟ أهو صابر وراضى باللى بيدهوله ربنا وبينام بالجوع". يتابع: غالبية القرية فقراء لا يملكون زرعًا، يوفر لهم بديلًا عن عيش المخابز، وهنا تكمن المشكلة. ويقول نتعى عوض، مزارع: "العيش بقالى عشر سنين مبخدوش".. والسبب أننى لا أملك مقابلًا للاشتراك، ومن المستحيل الحصول على رغيف العيش فى ظل وجود مخبز واحد فى ناحيتنا، وتكدس عدد كبير من المواطنين أمامه، ورغم ضيق الحال أضطر لشراء رغيف الخبز بخمسين قرشًا، ولا يكفى أولادى، ولكن "ما باليد حيلة اللى بشتغل بيه بنشترى بيه عيش عشان المخبز مش مكفينا". ويشير مصطفى سماح، لا يعمل، إلى أن البلد مقسومة إلى ناحيتين، الناحية الجنوبية بها 6 مخابز، والناحية الشمالية، بها مخبز واحد فقط.. و"محدش يقدر يجيب من المخبز اللى فى الناحية القبلية ويقولوا لنا انتوا مش تبعنا"، وحتى لو أغلق المخبز القريب منا، بسبب م خالفة ما يتم ترحيل الحصة لبقية المخابز، وللأسف يرفضون منحنا الخبز أيضًا. قلة عدد المدارس يشكو أهالى بالقرية من عدم وجود مدرسة واحدة لكل مرحلة تعليمية، رغم مساحة القرية الشاسعة، ويقول محمد أحمد، مدرس: عدد سكان القرية كبير جدًا ويوجد بها مدرسة واحدة ابتدائية داخل مبنى يضم مجمع مدارس لمراحل مختلفة، وكل مدرسة تعمل فترتين، وتعانى من تكدس التلاميذ بداخلها، فالمقعد الواحد يجلس عليه أربعة تلاميذ، فى الوقت الذى يوجد فى القرية أراض تملكها الدولة. ويضيف: المدرسة الثانوية خارج القرية فهى تقع بقرية كومبوها، التى تبعد عنا حوالى 3 كم، ويتعرض التلاميذ خلال ذهابهم لمشكلات مختلفة أولها المعاناة فى المواصلات والازدحام والحوادث المتكررة، وللأسف العملية التعليمية تعرقل مسارها مشكلة التكدس فى الفصول، فالمعلم لا يستطيع أداء مهامه، والتلميذ لا يمكنه التركيز أو الاستيعاب. وفى وسط التفاف أهالى مسارة حولنا فى أحد شوارعها إذ بصوت من خلفى يعلق بشدة على مشكلة المدراس، محمد محمد عبدالمقصود، موظف، يقول: "والله ما فى عيل يعرف يكتب اسم أمه ولا اسم أبوه". ويضيف: الكثافة عالية، ولدى ابن رسب هذا العام، وثمانية آخرين أعلاهم علما حاصل على "دبلوم بالعافية"، وهناك مشكلات تواجه الفتيات فى المرحلة الثانوية لأنهن يذهبن إلى مدرسة خارج القرية، ومن ثم يتعرضن للمعاكسات والمضايقات، ما يتسبب فى نشوب المشكلات. طرق غير ممهدة ويشكو من التقينا بهم، من عدم قيام الوحدة المحلية برصف شوارع القرية برغم من اتساعها، ويشكون أيضا من تراكم القمامة، وعدم مرور سيارات النظافة بشكل دورى -على حد قولهم- مشيرين إلى أن تراكم القمامة يتسبب فى انتشار الروائح الكريهة والحشرات. كما يشكو أهالى بالقرية من قيام بعض المزارعين بالتعدى على طريق جسر الساعي، الذى كان عرضه 14 مترًا، ما يعرضه للتآكل، ويذكرون أن عليه عدة منازل لا تصلها المياه ولا الكهرباء، وبرغم من قيام أصحاب هذه المنازل بتقديم طلبات، لكن لا جدوى منها ومازالت الشكوى قائمة. وحدة صحية ويشكو محمد عبدالمقصود وآخرين، من أن الوحدة الصحية بلا خدمات مرجوة، وتخلو حتى من مصل العقرب، ويلجأ الغالبية العظمى بالقرية للكشف فى مستشفيات مدينة ديروط، والعيادات الخاصة لعدم وجود الخدمات الطبية اللائقة، وعدم وجود الأدوية، وعلق سائق "التوك توك" الذى كنا نستقله قائلا: "اللى معاه فلوس يكشف على حسابه برة والعيان يموت". منظومة الخبز الجديدة يقول صالح عبدالله، وكيل وزارة التموين، إن منظومة الخبز الجديدة والمنتظر تطبيقها فى أسيوط خلال شهر سوف تقضى على كل هذه المشكلات، حيث يحق طبقًا للمنظومة أن يصرف المواطن حصته من أى مكان بالمحافظة، وفى أى وقت من الشهر، كما إنها سوف تدفع أصحاب المخابز للمنافسة لإنتاج أفضل خبز لكي يتمكنوا من بيعه للمواطنين. وبخصوص مشكلة المدارس يقول المهندس مصطفى عبدالفتاح، رئيس هيئة الأبنية التعليمية، إنه فى حالة وجود أراضي أملاك دولة وتم تخصيصها، فالهيئة لا تمانع أبدًا فى بناء مدارس، بل على العكس ستدرج المناطق ذات الاحتياج فى خطتها على الفور، لأننا نسعى إلى ما فيه مصلحة أبنائها الطلاب دومًا.