على مسافة قريبة من ميدان الجيزة، وتحت وطأة حرارة بدايات الصيف، وقف مجموعة من المصريين ''طابور'' في ازدحام لم تعتاده تلك المنطقة إلا كل عام في ذلك الوقت؛ فالزحام كان حول أحد محلات الفسيخ الشهيرة بالمنطقة قبل يوم واحد من شم النسيم. ملاصق لمحل الفسيخ، محل آخر على النقيض؛ فهو يبيع الورود، يتفقا في انتعاش موسمهما معاً؛ فعيد شم النسيم يستقبله بائع الرنجة والفسيخ، وبائعو الورود أيضاً، ليتشاركا في الرزق ذاته، وربما نفس الزبون، لكن فى كلا المحلين، بدا الأمر له مختلفاً، فالورود ليست كالفسيخ. ''كارم''.. بائع الورد في المحل الملاصق لمحل الفسيخ، يشتكى من ضيق رائحة الفسيخ التى ''تهزم'' رائحة الورد؛ فلا هي تسمح له باستنشاق عبيرها الفواح، ولا تكسبه لقمة عيشه؛ لأنها دوماً ''تخطف'' زبائن عيد شم النسيم ''الزبون الآن ليس لديه أموال كثيرة ليدفعها من أجل شراء الورد؛ فطبيعى أن يكون للفسيخ والرنجة والأسماك في المرتبة الأولى''.. قالها ''كارم'' . تتنوع الزهور والورود داخل محل ''كارم'' الذى يعمل يديره مع ابنائه ''محمد'' و''عمر''، ما بين ''الورد البلدي'' و''القرنفل'' و''الإيرس''، وبين أنواع أغلى ثمناً مثل ''الأوركيديا'' و''الجلاديولس''؛ فالربيع فصل انتعاش لوروده لكن الأمر يتأثر بالفسيخ أيضاً. يقول ''كارم'': ''على الرغم من أن أعياد الربيع فى الأصل فرعونية، لإن رسومات زهرة ''اللوتس'' منقوشة على المعابد الفرعونية، إلا أن المصريين الآن لا يقبلوا على شراء الورد كثيراً، الأمور تختلف فى أعياد الربيع؛ فزبائن هذا العام أغلبها من الشباب ''الحبيبة''، الذى يميل لشراء الورد الأحمر معبراً عن الحب، وقليل من الزبائن من الأزواج؛ فالورد الأصفر دليل على الغيرة، والروز دليل الاشتياق، والأبيض دليل الإخلاص''. لم يكن محل الفسيخ المجاور لمحل ''كارم'' هو المؤثر الوحيد، لكنه يضيف أن مبيعاته محله الصغير تأثرت هي الأخرى بحالة الركود فى السياحة المصرية، فيقول ''محمد'' نجله والذى يعمل معه :''احنا الفنادق كانت بتاخد مننا طلبيات كل يوم؛ لكن مع تراجع السياح أثر الموضوع على مبيعاتنا جدا''. وعلى الرغم من تحذير وزارة الصحة للمواطنين بعدم تناول الفسيخ، ومدى ضرره على الصحة، إلا أن ذلك لك يمنع ''أم كريم'' من الذهاب لشراء الفسيخ، وتقول:'' والله ده موسم وهى أكلة من السنة للسنة؛ إزاى هنقضى شم النسيم من غير رنجة وفسيخ؟!''.