يجلس وسط مجموعة من الكتب التي يبيعها؛ كتب سياسية ودينية واجتماعية وقواميس وغيرها، يسأله الراغبون عن سعر ذلك الكتاب أو تلك المجلة فيخبرهم السعر مع التأكيد أن ''مفيش فصال''. ''حسان'' صاحب ''فرشة'' لبيع الكتب في أحد شوارع حي الدقي بالجيزة، يبلغ من العمر حوالي الستين عاماً؛ قضى أربعين عاماً منها يبيع الكتب، حتى أصبح الآن قارئا نهمًا بالكتب التي تاجر فيها طوال حياته ولم يعرف له مهنة غيرها. بدأ ''عم حسان'' كما يناديه أهل الدقي مهنة بيع الكتب في أوائل السبعينات؛ حين خرج من المدرسة الثانوية الأزهرية بسبب ظروف عائلية واضطر لكي يستطيع العيش أن يسافر إلى مرسى مطروح ويعمل كمدرس هناك؛ حيث ''اشتغلت في تحفيظ القرآن للأطفال، وقعدت فترة وبعدين هناك كان عدد المتعلمين قليل جداً فجبت منهم الكتب اللي مش محتاجينها وابتديت أبيع في مصر هنا''. ''حسان'' لم يترك منطقة في القاهرةوالجيزة إلا ذهب إليها ب''التروسيكل'' الذي يملكه ويضع عليه الكتب ''أول ما اشتغلت كنت ببيع في الجيزة وكانت الدنيا لسه فاضية، وبعدين سبتها وروحت أبيع عند كلية الزراعة شوية، وروحت عند القصر العيني فترة، وبعدين فترة في السيدة زينب والعجوزة، وفي الآخر استقريت في الدقي''. فترة أوائل السبعينات كانت هي الفترة الذهبية بالنسبة ل''حسان'' لبيع الكتب لأنها ''كان وقتها في نهضة في القراءة؛ لأن أثناء حكم جمال عبد الناصر كان بيع الكتب وشرائها صعب وخاصة الكتب الدينية، لكن بعد انتهاء حكمه كان موضوع الكتب أسهل على الناس وبقى فيه حركة أكتر وبدأت الكتب الدينية خاصة تزيد''. التجارة في الكتب وخاصة الدينية جعلت ''حسان'' كمن يحاول الطرق على أبواب الجحيم؛ فبسبب الكتب لم يسلم من دخول السجن أكثر من مرة وقت حكم الرئيس ''السادات'' فقد روى أنه ''دخلت السجن وقت السادات عشان كنت ببيع كتب دينية، وكان بيجيلي ناس من الإخوان يشتروا من عندي فخدوني في سجن القلعة قعدت أسبوع وبعدين روحت سجن طرة فترة بسيطة وخرجت''. رغم أن كتب ''حسان'' لم تكن وقتها دينية فقط إلا أنه لم يستطع التخلص من مضايقات جهاز أمن الدولة في عهد ''السادات'' ثم في عهد الرئيس ''مبارك''، خاصة في فترة التسعينات؛ حيث تم استدعائه أكثر من مرة لمعرفة ما تحويه الكتب التي يبيعها، على حد زعمه . لم يحاول ''حسان'' تغيير مهنته على مر الأعوام رغم ربحها المحدود، كما أنه ليس له محل أو مكتبة يبيع داخلها؛ فقد حاول إنشاء مكتبة لكنه لم ينجح وفي النهاية ''حسيت إن شغل الشارع أحسن لأن الناس خلاص عرفوني في المنطقة وبقيت حاسس إن الزبون بيعرف يجيلي أسهل''. البيع في الشارع لم يجعل ''حسان'' يلجأ لشراء الكتب من الناس العادية إلا نادراً؛ إذ اعتمد على الشراء من المطابع بالأساس لأن ''أحياناً كان بيبقى في كتب طباعتها مش مظبوطة أو فيها حاجة غلط، فبطلت أشتري من الناس ودلوقتي بشتري من المطابع''. سوق الكتب عموماً لم تصبح رائجة مثل الزمن القديم إلا أن الأكثر رواجاً الآن - كما يروي ''حسان'' - هي كتب التنمية البشرية والكتب الدينية، لكن هذا لا يمنع أن التنوع الموجود في السوق جعل هناك طبقات اجتماعية مختلفة تذهب له بغرض الشراء، فيأتي له ''طلبة ودكاترة وناس غلابة وناس أغنياء، بيجولي من كل حتة يشتروا مني كتب واللي مش بيلاقي حاجة بحاول أجبهاله''. ''محمد'' و''شيماء'' و''أحمد'' و''محمود''؛ هم الأبناء الأربعة ل''حسان''؛ ''محمد'' هو الأكبر سناً في السنة الثانية بكلية التجارة بجامعة الأزهر، ويعمل أحياناً مكان والده وباقي إخوة ''محمد'' في أعمار ومراحل تعليمية متنوعة لكنهم في الأزهر مثله ومثل والدهم ''قلت أدخلهم كلهم أزهر، عشان يتعلموا الدين كويس وبعدين كل واحد فيهم يدخل المجال اللي هو عايزه''. ثقافة الكتب والحياة جعلت ''حسان'' يستقبل الثورة بصورة أسهل؛ فهو يرى أن ''كان لازم هتحصل ثورة عشان مبارك ظلم كتير، ربنا كان لازم هيعمل في كده''، لكنه كغيره من المواطنين لا يعجبه حال البلد ''حال البلد متبهدل دلوقتي والناس تعبانة، بس مفروض الناس تدي فرصة للرئيس شوية عشان يلحق يعمل حاجة لأن طول ما الناس بتعارض وخلاص من غير ما يعملوا حاجة الحالة مش هتمشي''.