بلغة العصر هو ''صاروخ الكوميديا''، وبلغة زمانه هو ''عثمان عبد الباسط''؛ ذلك البواب البربري النوبي، ذو البشرة السمراء وعمامة الرأس المميزة و اللهجة البربرية؛ تراه دائما هادئاً وديعاً أمام ''زوجته''، ويتلقى بصبر وكوميديا مكائد ''حماته''.. هو الفنان ''علي الكسار''. اسمه هو ''علي خليل سالم''، واتخذ لقب أمه ''الكسار'' حباً فيها، ولد ''الكسار'' في 13 يوليو 1887 لأب يعمل ''اسكافي - صانع أحذية''، وله شهرة في صناعة ''مراكيب أهل الحجاز - يستخدمها المسافرون للحج''، لم يتعلم الابن الصغير القراءة أو الكتابة، وحاول الأب أن يعلمه صنعة ''الإسكافي''، فلم يستجب الطفل له، وأخذه خاله ''الطباخ'' ليعمل مساعدا له، فخالط طائفة الطباخين والبوابين من أهل النوبة وتعلم لهجتهم باحتراف. تأثر الفتى ''الكسار'' بفرق التمثيل المنتشرة وقتها، وفي 1907 كوّن فرقته الأولى ''دار التمثيل الزينبي''، ثم التحق بفرقة ''دار السلام'' ذائعة الصيت في حي الحسين والأحياء المجاورة له. التقى ''الكسار'' بعملاق المسرح العربي والمصري ''جورج أبيض'' والتحق بفرقته، وفيها تعرف على رفيقه الأول ''أمين صدقي''، وقدما معا ''سكتشات تمثيلية''، يقوم فيها ''الكسار'' بتمثيل ما يكتبه ''صدقي''. في هذه الفترة 1917، قدم ''الكسار'' شخصيته الأشهر على الإطلاق ''البربري عثمان عبد الباسط'' على مسرح ''الماجيستيك'' بشارع الفن ''عماد الدين''، و انطلق فيها بسرعة الصاروخ منافسا ل''عمدة كفر البلاص صاحب السعادة كشكش بيه''، والذي كان يؤديها الكوميديان ''نجيب الريحاني'' حينها، وكان ''الكسار'' مضطرا لصبغ وجهه ''بالورنيش الأسود'' يوميا ليقدم شخصية ''عثمان'' أمام المتفرجين لأكثر من 150 مسرحية. ظل ''الكسار'' أسيرا لتلك الشخصية، حتى أن المخرج المبدع ''توجو مزراحي'' استغل نجاحها على خشبة المسرح وحولها إلى ''الشاشة الفضية'' في أول أفلام الكسار ''بواب العمارة 1935''، ويقدم بعده ''100 ألف جنيه، غفير الدرك، التلغراف، عثمان وعلي، سلفني 3 جنيه، الساعة 7، علي بابا والأربعين حرامي''، وكان فيها ''البطل''، وجميعها من إخراج ''توجو مزراحي''. شارك ''الكسار'' في عدد من الأفلام في أدوار مساندة مثل ''رصاصة في القلب، أمير الانتقام، لست ملاكا، ممنوع الحب، خليك مع الله''، وقدم آخر أفلامه ''قدم الخير'' أمام شادية ومحمود المليجي، وقدم خلال 19 عاما حوالي 37 فيلما سينمائيا؛ حيث كانت أشهر من قام بالتمثيل أمام ''الكسار'' الفنانتان ''زكية ابراهيم -الحماة''، و''بهيجة المهدي - الزوجة''. وعلى طريقة ''الاحتراف''، انضم الملحن ''الشيخ زكريا أحمد'' لفرقة ''الكسار'' المسرحية، وكانت نقلة كبيرة للفرقة وللشيخ زكريا معاً، قدما خلالها عدة عروض ناجحة داخل مصر وفي بر الشام والعراق والقدس، لكن ''أزمة المسرح'' حينها وانحساره أمام السينما أدى لإغلاق ''مسرح الكسار''. شيئاً فشيئاً بدأت الأضواء تنحسر عن ''الكسار''، وعاش سنوات من ضيق ذات اليد، ويداهمه مرض السرطان في سنواته الأخيرة، ولا يجد ما يصرفه على علاجه، ليموت في ''قسم الفقراء'' بالقصر العيني عن عمر 70 عاماً في شهر يناير عام 1957، وليس حوله سوى زوجته وأبناءه الخمسة. كرمته الدولة بإصدار ''طابع بريدي'' باسمه وصورته فترة الخمسينات، وأطلقت اسمه على أحد شوارع حي عابدين بالقاهرة بالقرب من ميدان العتبة حالياً، إلا أن المحافظة تغافلته بعد فترة؛ حيث قررت تغيير اسم الشارع إلى ''شارع الجنينة''.