أمسك كل منهما بورقة حمل وجهها معني ورسالة.. وضعت اليد على إحداها خطوط حلم كان يداعب خيال العقل الصغير وقتها.. أما الأخرى كُتب فيها كلمات لم تكن سوى أمنية تَساوى كل من اليأس والأمل لتحقيقها فحملتها اليد الصغيرة في صمت . وربما لم يفكرا وقتها أن القدر شاهد على أوراقهم لكن كلامها كان على يقين بتحقيق ما فيها، وإن كان الفرق أن في الأولى سعت اليد لتحقيق قدر خطوط أحلامها، بينما القدر هو من سعى إلى الثانية، وعلى الرغم من اختلاف زمن الورقتين وما حملته إلا أن إعلان تحقيق ما فيها جمعه مكان وزمان واحد . أما المكان فهو موقع التواصل الاجتماعي ''فيس بوك'' في أغسطس 2012؛ حيث انتشرت صور كل من ''توم دايلى'' و''أسماء أبو اللبن''، وكانت الصورتان على قدر كبير من التشابه، كلاهما مقسم إلى نصفين ''الورقة '' و''تحقيق ما فيها'' . ''توم دايلي'' .. صاحب الورقة الأولى هو غطاس بريطاني أبن 18 عاما،ً والحائز على الميدالية البرونزية في أولمبياد لندن 2012 الأخيرة، التي لم تكن سوى مشهد مكرر حلم به الطفل ''دايلي'' وقتها قبل 9 سنوات، عندما رسمت يده الصغيرة على ورقة صورته فوق منصة القفز إلى الماء؛ حيث حلم بتمثيل لندن في الأولمبياد، ليكبر الشاب ''دايلي'' ومعه حلمه الذي سعى إليه فحصل على العديد من الميداليات الذهبية حتى أنه لُقب بالمراهق الذهبي. وكان أصغر لاعب بريطاني يشارك في الأولمبياد منذ أكثر من 50 عاما،ً وذلك في أولمبياد بكين؛ حيث كان عمره وقتها 14 عاماً؛ ولم ينتصف شهر أغسطس 2012 حتى تحققت رسمته فكان المشهد ذاته ''دايلي'' فوق منصة القفز إلى الماء وخلفه لافته كُتب عليها لندن 2012 . كما رسمت يده على الورقة ليحصل على الميدالية البرونزية لبريطانيا في الغطس وتنتشر تلك الصورة ''الُمقسمة'' بين المترددين على '' الفيس بوك'' ومختلف المواقع ولسان حال ناشريها أن الأحلام تتحقق. ولم تمر سوى أيام قليلة على تحقيق حلم '' دايلي '' المرسوم، حتى كانت الورقة الثانية على ميعاد هى الأخرى لتتحقق؛ ففي 25 أغسطس وكعادة الأيام كل صباح؛ حيث يبدأ المرصد السوري في حصد قائمة الشهداء والمصابين التي لا تخلو من الأطفال ليعرفها العالم العربي بشكل خاص والدولي بشكل عام. وفي هذا اليوم تحقق مصير ''أسماء أبو اللبن '' الطفلة الصغيرة ذات ال8 سنوات، الذي ربما كانت في انتظارهن وإن لم يخل أملها الصغير كحجمها في أن تشهد انتصار الثورة السورية. '' قتلوا الأطفال بالحَولة... حمص مو كتير بعيدة عن داريّا يارب تنتصر الثورة قبل ما يجي دوري''.. لم تكن تعلم '' أسماء'' أنه لن يمر سوى 3 أشهر حتى تتحقق تلك الكلمات التي كتبتها على ورقة بيضاء وحملتها بيدها الصغيرة وعلى ملامحها الخوف الصامت الظاهر في عينيها الصغيرة يوم 25 مايو الماضي، بعد وقوع ''مجزرة الحولة'' لتسجل قائمة الشهداء ما يقرب من 92 شخصاً، وأكثر من 30 طفلاً. وتنتشر صورة أسماء وهى حاملة لتلك الورقة على ''فيس بوك '' والمواقع المختلفة، حتى تنقضي الشهور الثلاثة وفي اليوم الذي يحمل الرقم ذاته 25 تعود صورة أسماء لكن ''الُمقسمة'' بين الورقة التي حملتها وبين صورتها. ولحقت ''أسماء'' برفاقها الصغار في مجزرة '' داريّا '' جنوب غربي دمشق التي راح ضحيتها على يد قوات الجيش النظامي أكثر من 300 شخص، وإن تحققت كلمات أسماء بمجيء دورها قبل أن تشهد انتصار الثورة وترسم أحلامها على أوراقها، إلا أن أملها الذي لم تستطع أن تخفيه كلمات تلك الورقة سيبقى شاهداً .