نيويورك (رويترز) - بعد مرور ثلاث سنوات على تجاوز سعر النفط مستوى مئة دولار للبرميل لاول مرة عادت الاسعار مرة أخرى تقترب من تجاوز هذا المستوى وسط موجة تفاؤل تقودها صناديق الاستثمار لكن التشابه بين ما حدث عام 2008 وما يحدث الان يقف عند هذا الحد. وحتى أكثر المحللين تفاؤلا يوردون العديد من الاسباب التي قد تحول دون صعود سعر النفط الى ما يقرب من 150 دولارا للبرميل مرة أخرى هذا العام. ومثل هذه القفزة الكبيرة قد توجه صفعة للاقتصاد العالمي يصعب عليه أن يتحملها. وقائمة الاسباب طويلة.. فشركات النفط تزيد من خطط انفاقها قبل أن يصل نقص المعروض الى مستوى الازمة كما خفت موجة تأميم الموارد وارتفع سعر الدولار وهدأت المخاوف المتعلقة باقتراب بلوغ ذروة انتاج النفط. غير أن الاسباب الاقوى بكثير هي تلك المتعلقة بقوى العرض والطلب الاساسية في الاجل القصير. فهناك مخزونات أكبر بكثير وطاقة أكبر بكثير في المصافي على مستوي العالمي وأعداد أكبر بكثير من الحقول غير المستغلة التي يمكن أن تعيد دول أوبك تنشيطها عندما تريد مما يمكنها من وقف صعود الاسعار بشكل لم تكن تقوى عليه قبل ثلاث سنوات. ويظهر استطلاع أجرته رويترز أن المحللين يتوقعون زيادة اضافية بنسبة ثمانية بالمئة في متوسط الاسعار في 2011 على الرغم من أن ظروف تحقيق "قفزة كبيرة" قد تبددت. وقال ادوارد مورس العضو المنتدب في كريدي سويس "لم يعد النفط كما كان في ذلك الوقت الى حد كبير لانه كانت هناك اختناقات تم التغلب عليها سواء فيما يتعلق بالمصافي أو الطاقة الانتاجية." وفي الوقت نفسه زادت الدول المستهلكة مخزوناتها من النفط منذ ذلك الحين فزادت مخزونات الدول الاعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى ما يغطي طلب 60 يوما بالمقارنة مع 53 يوما في 2008. وقفز نمو الطلب على النفط 2.2 مليون برميل يوميا في 2010 وهي أكبر زيادة في ست سنوات وتوقع استطلاع أجرته رويترز زيادة بنسبة 1.5 مليون برميل يوميا في 2011. ورغم أن هذه الزيادات من شأنها رفع الاستهلاك الى ما يتجاوز المستويات القياسية السابقة المسجلة في 2007 زاد المعروض بدرجة أكبر بكثير خلال فترة الكساد بعد أن بدأ انتاج مجموعة من المشروعات الجديدة التي تكلفت مليارات الدولارات والتي كانت مقررة في فترة الازدهار قبل 2008. ولدى الدول الاعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (اوبك) حاليا طاقة انتاجية غير مستغلة تقدر بما بين خمسة ملايين وستة ملايين برميل يوميا وهو ما يبلغ نحو ثلاثة أمثال مستواها في أدنى أوقاتها في 2008 ويتركز أغلبها لدى السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم. وفي حين يدرس الخبراء مستوى السعر والظروف التي قد تدفع أوبك عن رضا الى ضخ المزيد من النفط في السوق لم يعد هناك شك يذكر في أن القيام بذلك سيهديء ارتفاع الاسعار. في عام 2008 قالت أوبك انها تضخ النفط فعليا بكامل طاقتها. وقال جان ستيوارت الخبير النفطي في ماكواري في نيويورك "ليس من مصلحة السعودية تهديد انتعاش الاقتصاد العالمي بسعر للنفط يفوق مئة دولار للبرميل." وأضاف "نظرا الى الطاقة الانتاجية غير المستغلة لا اعتقد أننا سنشهد موجة الارتفاع ذاتها التي شهدناها في عام 2008." وأكد وزير البترول السعودي علي النعيمي مجددا في ديسمبر كانون الاول الماضي انه يفضل أسعارا بين 70 و80 دولارا للبرميل أي أقل من المستوى الراهن عند 89 دولارا للبرميل وأعلى مستوياته في 26 شهرا البالغ 92 دولارا الذي سجله في أوائل الشهر. وفي حين يتوقع أن تزيد الامدادات من خارج المنظمة بنحو 400 الف برميل يوميا هذا العام أي نحو ثلث الزيادة في 2010 فقد ظهرت مجموعة من الدلائل الايجابية في الفترة الاخيرة. وفي عام 2008 هبط الانتاج من خارج أوبك بنحو 400 الف برميل يوميا. وهدأت موجة التأميم التي حدت من قدرة الشركات العالمية على الوصول الى الاحتياطيات في منتصف العقد الماضي وترحب فنزويلا وروسيا الان بالمزيد من استثمارات الشركات الاجنبية. وعلى مستوى العالم من المتوقع أن تزيد شركات النفط الانفاق على مشروعات التنقيب بنسبة 11 بالمئة ليصل الى أعلى مستوياته في 25 عاما وفقا لتوقعات باركليز كابيتال. ومن شأن ذلك أن يحول دون حدوث أزمة المعروض التي نتجت عن الاحجام عن الاستثمار قبل خمس سنوات. ودعم الانتاج من خارج أوبك ظهر من خلال تباطؤ تراجع الحقول الناضجة مثل حقل كانتاريل العملاق في المكسيك في حين أضافت استكشافات في المياه العميقة في البرازيل نحو 26 مليار برميل من الاحتياطيات القابلة للاستخراج وهو ما يكفي لتزويد العالم كله بالوقود لمدة عشرة أشهر تقريبا. وقال انطوان هالف النائب الاول لرئيس البحوث في نيو ايدج جروب في نيويورك "أهم ما حدث في 2008 في رأيي هو انهيار نمو المعروض مع عدم نمو الامدادات من خارج أوبك على مدى سنوات متتالية." كما ان اي نقص في 2011 يمكن أن يقابل بتوقع انتاج أكبر من بعض اعضاء أوبك مثل نيجيريا والعراق غير المقيد بمستويات الانتاج المستهدفة مثل بقية أعضاء المنظمة والمتوقع أن يضيف نحو 400 الف برميل يوميا خلال العام. كما ألقي اللوم بدرجة كبيرة في ارتفاع أسعار النفط في 2008 على موجة أموال المضاربة التي ضخها المستثمرون للاستفادة من ارتفاع أسعار السلع الذي بدأ عام 2002 . وبالمثل سجل المضاربون الذين يتوقعون زيادة استهلاك الوقود بفضل انتعاش الاقتصاد مراكز دائنة قياسية في ديسمبر كانون الاول على عقود النفط في بورصة نايمكس في نيويورك. ويقول المحللون ان المستثمرين المهتمين بالطاقة والسلع اكتسبوا مزيدا من الخبرة منذ عام 2008 عندما ضخ كثيرون أموالا في صناديق بسيطة ومراكز دائنة فقط. ويقول باركليز كابيتال ان 43 بالمئة من المستثمرين في السلع سيستثمرون أموالهم في عام 2011 عن طريق محافظ تدار بكفاءة في محاولة للاستفادة من المكاسب المدفوعة بالانتعاش. كما ان الاستثمارات في المصافي العالمية من شأنها كذلك ان تضع حدا لارتفاع الاسعار. فالاسواق تتمتع الان باعلى طاقة انتاجية فائضة في المصافي في عشر سنوات بسبب الاستثمارات في الاسواق الناشئة مثل الهند وذلك بعد انخفاض طاقة الانتاج في السنوات السابقة على 2008 مما أثار مخاوف من حدوث عجز. واستثمرت المصافي كذلك في المزيد من الوحدات الاكثر تطورا ما مكنها من ادارة نطاق أوسع من أنواع الخام لتحقيق جودة أعلى ومنتجات تحوي مستويات أقل من الكبريت لتلبية الطلب في الولاياتالمتحدة وأوروبا. واضطرت الشركات على العمل على تحسين الجودة في 2008 لتحقيق المواصفات المطلوبة مما زاد من الضغوط الرافعة للاسعار. وأدى كذلك تراجع الطلب بسبب الكساد الى توقف انتاج 1.4 مليون برميل يوميا بسبب اغلاق مصاف في أوائل عام 2010 غير أن بعض الوحدات يجري فتحها الان مع انتعاش الطلب. وحتى مع كل هذا التحوط مازال العديد من الخبراء يتوقعون ارتفاع أسعار النفط في 2011 ولكن ليس كما حدث في 2008. ويقول المستثمر المستقل دنيس جارتمان "أسعار النفط ستواصل ارتفاعها. وهي تصعد بوتيرة معتدلة للغاية وليس بحدة تقطع الانفاس."