تعزز تركيا استثماراتها في العراق حيث تسعى الى استعادة نفوذها وتقوية وضعها كقوة سياسية اقليمية ومركز للطاقة في مكان مفضل بالنسبة لها منذ زمن بعيد. ولسنوات ركزت أنقرة دبلوماسيتها على أوروبا لكنها حولت اهتمامها الى الشرق الاوسط ويعتبر دورها الصاعد كلاعب مؤثر ووسيط بناء اكثر من غيرها مثل السعودية او ايران. ويقول دبلوماسيون وسياسيون ان أنقرة تنافس في العراق على اتفاقات البنية التحتية وعقود الطاقة وأصبحت لاعبة مؤثرة على الساحة السياسية اذ تحشد الدعم لتشكيل حكومة لا تستبعد الاقلية السنية. وقال ديفيد بيندر محلل شؤون الشرق الاوسط في مجموعة يوراسيا بواشنطن "ليس بالضرورة أن يكون هذا على حساب علاقة تركيا مع اوروبا لكن هذه حقا مبادرة جديدة تعد مؤشرا على تغير حقيقي في السياسة التركية." وأضاف "هل تريد أن تكون الى حد ما أفقر جزء في أوروبا على هامش اوروبا ام تريد أن تكون صاحب نفوذ حقيقي في الشرق الاوسط.." وتنافس تركيا التي كانت مقر الامبراطورية العثمانية ذات يوم لاستعادة نفوذها القديم لكن بلمسة حديثة. وتندهش الدول العربية بقدرة تركيا عضو حلف شمال الاطلسي وحليفة الولاياتالمتحدة على اقامة علاقات قوية مع الدول التي تكون على خلاف مع بعضها البعض مثل ايران واسرائيل. وأصبح دورها النشط واضحا في بضعة أماكن مثل العراق اذ أن الشركات التركية من اكبر المستثمرين في الفنادق والعقارات وقطاعي الصناعة والطاقة في اقليم كردستان شبه المستقل بشمال العراق كما أخذ وجودها يتزايد في الجنوب. وفي الاسبوع الماضي زار رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي تركيا التي هي واحدة من اكبر شريكين تجاريين للعراق وذلك في اطار جولة لحشد التأييد الاقليمي لمسعاه لرئاسة الحكومة العراقية لولاية ثانية. ولا يزال العراق بلا حكومة جديدة بعد سبعة أشهر من اجراء الانتخابات حيث يتنافس الشيعة والسنة والاكراد على السلطة. وجاءت زيارة المالكي لتركيا بعد يوم من فوز شركة النفط التركية تباو بصفقات لتطوير اثنين من ثلاثة حقول للغاز طرحها العراق في مزاد ويقول محللون ان هذا مؤشر على طموحات أنقرة في ان تصبح جسرا للطاقة بين اوروبا والشرق الاوسط. وفي حين أن تركيا لا تملك اي احتياطيات تذكر من النفط والغاز فانها تسعى الى استغلال وضعها الجغرافي بين اوروبا والشرق الوسط واسيا الوسطى وروسيا. ويرسل العراق ربع صادراته من النفط عبر خط أنابيب كركوك- جيهان الذي ينتهي على ساحل تركيا المطل على البحر المتوسط. ويعتزم العراق مد خط أنابيب جديد وقال انه يمكن أن يمد أوروبا بخمسة عشر مليار متر مكعب من الغاز من خلال تركيا عبر خط أنابيب نابوكو المزمع انشاؤه وتبلغ تكلفته 11 مليار دولار. وقال صمويل كيزوك المحلل المتخصص في شؤون الشرق الاوسط بمؤسسة (اي.اتش.اس) انيرجي "تركيا ستعمل جاهدة لتضمن مرور الغاز على وجه الخصوص عبر أراضيها الى اوروبا." وأضاف "بما أن الحصول على غاز تركمانستان وايران لا يزال يبدو صعبا ان لم يكن مستحيلا في الوقت الحالي فان العراق واحد من الاحتمالات القليلة التي يمكن ان تتحقق في العقد القادم." ولشركة تباو التركية ايضا حصص صغيرة في حقلي نفط عراقيين في اطار سلسلة من الصفقات التي وقعتها بغداد مع مؤسسات عالمية في مسعى لزيادة طاقة انتاج العراق من الخام أربعة أمثال لتصل الى مستويات انتاج السعودية. وتفتح الحصص في قطاعي النفط والغاز العراقيين الابواب امام استثمارات أخرى في الصناعة والبنية التحتية. ولدى العراق عضو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خطط طموحة لاعادة بناء اقتصاده المدمر بعد سبع سنوات ونصف السنة من الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة. وقال رعد القادري من (بي.اف.سي) انيرجي الاستشارية "الاتراك يتقاربون مع العراق بعدة طرق الان بنفس الطريقة التي اقتربوا بها من اسيا الوسطى في اوائل التسعينات حين استحوذوا على مصالح تجارية مهمة هناك." وقبل حرب الخليج عام 1991 كان العراق ثاني اكبر شريك تجاري لتركيا بعد ألمانيا. وتتوقع الدولتان أن ينمو حجم التجارة الثنائية الذي بلغ نحو ستة مليارات دولار العام الماضي الى 20 مليار دولار خلال أربع سنوات. ويأتي اهتمام تركيا بتحقيق الاستقرار للعراق بينما تسعى أنقرة الى حل لصراعها المستمر منذ عشرات السنين مع متمردين انفصاليين في جنوبها الشرقي الذي يغلب على سكانه الاكراد. وتراجعت قدرة حزب العمال الكردستاني على استغلال شمال العراق كملاذ امن مع تزايد النفوذ الاقتصادي لتركيا على أكراد العراق. ونحو 55 في المئة من الشركات الاجنبية العاملة في شمال العراق الذي يغلب عليه الاكراد من تركيا اي 640 من جملة 1170 شركة. وقالت جالا رياني المحللة المتخصصة في شؤون الشرق الاوسط بمؤسسة (اي.اتش.اس) جلوبال انسايت "في حين أن المصالح التجارية كانت ولا تزال أساسية فانه يجب أن ينظر الى مصالح تركيا على أنها وسيلة استراتيجية سياسية لضمان درجة من الاعتماد المتبادل على منطقة كردستان وعلى العراق بشكل أوسع." وأضافت "في نهاية المطاف سيزيد نمو الاستثمارات من قدرة تركيا على التأثير على مسار الاحداث في العراق."