لا شك أنه أمر مشجع للغاية بكل المقاييس أن يدير شخص معهدا تعليميا وهو في عمر الرابعة والعشرين. لكن شابانا باسيج راسخ، التي أسست مدرسة البنات في العاصمة الأفغانية كابول، قد دُفعت لهذا الطريق بسبب خبراتها المُثبطة في حياتها المبكرة. وقالت باسيج راسخ، التي أسست مدرسة القيادة في أفغانستان ، خلال مشاركتها في المنتدي العالمي للتعليم والمهارات مؤخرا في دبي، إنها تريد أن تبدأ بالتأكيد على الجوانب الإيجابية. إنها تخطط لتوسيع مدرستها لتعلِم نحو 340 فتاة أفغانية المهارات التي تساعدهم على قيادة أفغانستان حديثة ومنفتحة على الخارج. وتقِدم المدرسة منهجا مكثفا في القيادة المدنية، يتضمن دروسا في الإدارة الحكومية والعلاقات الدولية، وزيارة المحاكم وحضور نقاشات على مائدة مستديرة، والاستماع إلى البرامج الإذاعية الحوارية حول الأحداث الجارية، واستخدام موقع سكايب للتحدث إلى خبراء في الخارج. وتهدف باسيج راسخ، إلى التغلب على التوترات العرقية في البلاد، من خلال استقبال طالباتها من مختلف المناطق، والتعليم باللغة الإنجليزية كلغة محايدة. كما تقدم المدرسة مهارات عملية أخرى، مثل تعليم قيادة السيارات والتي يحرم منها العديد من النساء في أفغانستان. ولا يمكن إغفال الطفولة القاسية التي مرت بها باسيج راسخ، وجعلت من التعليم رغبتها الأولى، حيث كانت تعيش في كابول تحت حكم حركة طالبان، والتي لم تكن تسمح بتعليم الفتيات. لكن والديها أصرا على تعليمها، وأرسلاها إلى واحدة من المدارس السرية التي تعمل تحت الأرض بالمدينة، والتي يستخدم بعضها المنازل الخاصة كفصول للتعليم. ولم يكن الأمر هينا، حيث تقول باسيج راسخ إنهم كانوا يسمعون قصصا عن مداهمة المدارس السرية وقطع رؤوس المعلمات أمام تلميذاتهن. وتقول إنها كانت تذهب إلى مدرستها عبر طرق وفي أوقات مختلفة كل يوم عن الآخر، لكي لا يتم كشف أمرها. وكانت تخفي الكتب وكأنها مشتريات غذائية، وتتظاهر بأن أي علاقة لها مع الرجال وكأنها علاقة حراسة. وتضيف: كان الأمر مرعبا، مرعبا، إنه إرهاب. لقد كان أهلنا يرسلوننا إلى المدارس كل يوم وهو يعلمون أننا قد لا نعود . وتقول راسخ إن المستقبل كان يبدو مظلما لدرجة لا يمكن تخيلها. وتضيف: لقد شعرت في بعض الأوقات أنني قد يقبض علي من جانب طالبان، ولن أرى حينها أي مستقبل. ولأنني إمرأة فلن أستطيع الالتحاق بأي عمل . وتقول: مرَت علي أوقات طلبت فيها من والدي أن أتوقف عن الذهاب للمدرسة. لكنهم أخبروني بأنه في الحياة يمكن أن يفقد الإنسان كل شيئ، بينما يبقى شيئ واحد لا يستطيع أي أحد أن يجردك منه ألا وهو التعليم. وتتذكر راسخ أنه قبل نحو 13 عاما من الآن، كانت تعيش في مجتمع كان فيه تعليم الفتيات أو مشاهدة التلفاز أو الاستماع إلى الموسيقى شيئا من المحرمات. وكانت الوسيلة الوحيدة للتواصل مع العالم الخارجي هي الاستماع إلى شرائط الموسيقى التي تباع في السوق السوداء، أو إلى خدمة بي بي سي العالمية. وكانت أعظم متعة لديها هي وقريناتها هي الاستماع إلى مسلسل على بي بي سي يسمى المنزل الجديد وأخر يسمى الحياة الجديدة . بعد الإطاحة بحكم طالبان استطاعت شابانا راسخ أن تذهب علنا إلى المدرسة لأول مرة. وتقول: لقد شعرنا بإحساس عارم بالحرية. ارتداء الزي المدرسي كان بالنسبة لنا تحررا عظيما ومصدر فخر. كل واحدة منا كانت لديها رغبة جامحة للذهاب إلى المدرسة. لقد كان هناك تعطش للتعليم . وأصبحت راسخ في النهاية متفوقة جدا في الدراسة، واختيرت في برنامج للتبادل الثقافي جاء بها إلى ويسكونسين في المناطق الريفية بوسط غرب الولاياتالمتحدة. وكان هذا بمثابة تغير كبير وإضافي في ثقافتها، وسُئلت حينئذ بأسلوب برئ من الأمريكيين، عما إذا كانت قد عرفت بشكل شخصي أسامة بن لادن. وصُدمت شابانا راسخ من وجهات النظر والأحكام المسبقة لدى الأمريكيين عن الحياة العادية في أفغانستان، ومن ثم قررت أن تفعل شيئا لجسر هذه الفجوة. وبعد التحاقها بإحدى الكليات الأمريكية، عادت إلى أفغانستان لتؤسس مدرسة. وبعد ذلك تحولت إلى مشروعها الحالي في كابول وهو مدرسة القيادة في أفغانستان والمعروف اختصارا ب سولا ، حيث ترغب شابانا في أن تصبح طالبات مدرستها فيما بعد، جيلا جديدا من قادة أفغانستان. تضمنت قصة شابانا راسخ تباينا شديدا عن شكل الأبراج الشاهقة المبهرة في دبي، حيث عقد المنتدى العالمي للتعليم والمهارات خلال الأسبوع الجاري، برعاية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة يونسكو ومؤسسة جيمس فاركي التعليمية العالمية. وشارك في المنتدى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، الذي قال إن تطوير التعليم في دول أمريكا الجنوبية ساعد على تضييق الفوارق بين الدخول، بينما تزداد هذه الفوارق في الولاياتالمتحدة. واعتبر كلينتون أن جودة وكفاءة المعلمين هي المفتاح الرئيسي لتطوير العملية التعليمية. وبمناسبة المؤتمر، أطلق رجل الأعمال صاني فاركي مؤسس مؤسسة جيمس فاركي التعليمية جائزة بقيمة مليون دولا للمعلم المتميز. من جانبه، دعا رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الدول ذات الاقتصادات الرائدة للتعاون من أجل تطوير التعليم في الدول النامية. أما إيرينا بوكوفا المدير العام لمنظمة اليونسكو، فقد ذكَرت المجمتعين بحقيقة وجود عشرات الملايين من الأطفال حول العالم، محرومين من أي نوع من أنواع التعليم.