قد تواجه الدول المثقلة بالديون في منطقة اليورو مثل إيطاليا والبرتغال ضغوطا لاستغلال احتياطياتها من الذهب من جراء خطط قبرص لبيع ذهبها من أجل تلبية احتياجاتها المالية. وأظهر تقييم المفوضية الأوروبية للخطوات التي تحتاجها قبرص في إطار حزمة الإنقاذ المقدمة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي أن من المتوقع أن تبيع الجزيرة كمية كبيرة من احتياطيات الذهب لجمع نحو 400 مليون يورو (523 مليون دولار). وقد تتعرض دول أخرى متعثرة في منطقة اليورو لضغوط للتفكير في هذه الخطوة. ومن بين هذه الدول على سبيل المثال البرتغال وأيرلندا وإيطاليا واليونان واسبانيا وهي دول تمتلك ما يزيد على 3230 طنا من الذهب قيمتها نحو 125 مليار يورو بالأسعار الحالية. وتتمتع إيطاليا بنصيب الأسد من هذه الاحتياطيات إذ تملك 2451.8 طن منها. غير أن البرتغال واسبانيا أيضا تملكان مئات الأطنان من الذهب الذي يبلغ سعره حاليا في الأسواق الفورية حوالي 1558.95 دولار للأوقية (الأونصة) أو ما يعادل 1189 يورو. ويشكل المعدن ما يربو على 90 بالمئة من الاحتياطات الأجنبية للبرتغال بينما يشكل 72.2 بالمئة من احتياطات إيطاليا. وعلى النقيض من ذلك يشكل الذهب أقل من عشرة بالمئة من الاحتياطيات الأجنبية للهند. ورغم ذلك لن تكون مبيعات الذهب وحدها هي العصاة السحرية التي ستحل مشاكل التمويل في منطقة اليورو. فجميع احتياطات إيطاليا من الذهب على سبيل المثال تقل قيمتها عن 95 مليار يورو في حين أن ديونها تصل إلى نحو 1.685 تريليون يورو. غير أن وضع قبرص يشير إلى أن بيعها لكمية قليلة نسبيا من الذهب يمكن أن يساعدها على معالجة مشكلات الديون المتفاقمة. ومن شأن بيع الذهب أن يساعدها بسهولة على توفير نحو ثلاثة بالمئة مما يجب أن تسهم به في خطة الإنقاذ. وقد أثار هذا الأمر القلق في السوق نظرا لأن بيع كمية كبيرة من الذهب سيؤدي إلى انخفاض سعره. وكان شراء البنوك المركزية للذهب واحدا من بين مصادر الطلب القليلة التي زادت العام الماضي في الوقت الذي ضعف فيه معدل شراء الحلي والعملات والسبائك الذهبية. وبالفعل سجل سعر الذهب في الأسواق الفورية يوم الأربعاء أكبر خسارة يومية له منذ ما يقرب من شهرين بعد الإعلان عن خطط بيع الذهب. وقال أحد كبار تجار الذهب "ربما تكون قبرص حالة فريدة لا تتكرر ولكن السوق تخشى تكرارها ودعوة دول أخرى إلى بيع ذهبها." وأضاف "قد يكون ذلك تغييرا في قواعد اللعبة بالسوق. "في ضوء أن البرتغال رفضت أحدث خطة تقشف وأن الذهب يشكل أكثر من 90 بالمئة من احتياطاتها الأجنبية فهل ذلك يعني أنه قد يطلب من البرتغال أن تبيع بعض ذهبها؟" ورغم ذلك يحتمل أن تكمن المعوقات الكبرى في طريقة بيع البنوك المركزية لتلبية احتياجاتها التمويلية. فعلى سبيل المثال تكفل المادة السابعة من بروتوكول النظام الأوروبي للبنوك المركزية الاستقلال لهذه البنوك وتحررها من نفوذ الحكومات مما يعني أن البنك يستطيع مقاومة بيع احتياطياته من الذهب إذا كان لا يرغب في ذلك. واعترض البنك المركزي الأوروبي على اقتراح الحكومة الإيطالية فرض ضريبة قدرها ستة بالمئة على الأرباح الرأسمالية في الميزانية العمومية للبنك المركزي في عام 2009 بما في ذلك احتياطياته من الذهب على ما يبدو. وقالت رونا أوكونيل المحللة في شركة جي.اف.ام.اس الاستشارية إن البنك المركزي أشار آنذاك إلى أن حظر التمويل النقدي في إطار معاهدة الاتحاد الأوروبي "يحظى بأهمية كبيرة لضمان تحقيق الهدف الرئيسي في السياسة النقدية المتمثل في استقرار الأسعار وهو هدف ينبغي عدم عرقلته." وأبلغت منتدى رويترز العالمي للذهب يوم الخميس "لا يمكننا استبعاد احتمال محاولة بعض البنوك الأخرى إيجاد سبيل لاستغلال الذهب ولكن التاريخ لا يقول ذلك." وأضافت "خاض بوندسبنك (البنك المركزي الألماني) عددا من المواجهات مع البوندستاج (مجلس النواب) بشأن هذه القضية ودائما ما كان البنك ينتصر. لذا أشك في أن يكون هناك ضغطا سياسيا كبيرا أو صعوبات قانونية يمكن أن تحول دون هذا النشاط." وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالكمية المسموح للبنوك المركزية ببيعها إذا أرادت ذلك. وتحدد اتفاقية البنوك المركزية الخاصة بالذهب سقف مبيعات الذهب للأطراف الموقعة عند 400 طن سنويا. ووقعت الاتفاقية في الأصل عام 1999 ووصلت حاليا إلى نسختها الثالثة. وقلت المبيعات كثيرا عن هذا الحد في السنوات الماضية حيث لم تتجاوز مبيعات المعدن النفيس 4.2 طن منذ مطلع العام الحالي من الاتفاقية والذي بدأ في سبتمبر أيلول الماضي. ومشتريات البنوك المركزية أعلى من مبيعاتها منذ عام 2010. وباستثناء مبيعات محدودة - لسك العملات بالأساس - لم تبع البنوك المركزية في منطقة اليورو كميات كبيرة منذ أن باعت فرنسا 17.4 طن من الذهب في النصف الأول من عام 2009. ولكن إذا بدأت البنوك المركزية في الدول المتعثرة بالمنطقة في البيع فإن الأمر قد يتغير سريعا. وبالقطع فإن الاستفادة من الذهب لا تعني بالضرورة بيعه. فالبنوك المركزية يمكنها أيضا مبادلة الذهب بالنقود مع غيرها من البنوك المركزية أو مؤسسات أخرى عبر صفقات فورية مع إمكانية استرداده في وقت لاحق. ويقول مجلس الذهب العالمي إن هناك طرقا أخرى غير البيع يمكن أن تحقق عائدا أكبر لحائزي الذهب. وقال متحدث باسم المجلس "من المهم أن تستكشف قبرص جميع الخيارات المتاحة أمامها فالبيع المباشر ليس الخيار الوحيد." وأضاف "نعتقد أن أفضل الطرق التي تساعد الدول على الاستفادة من احتياطيات الذهب هو استخدام ذهبها كضمان للسندات السيادية. "السندات المضمونة بالذهب قد تزيد من قيمة إجمالي احتياطيات الذهب الحالية لدى قبرص إلى أربعة أو خمسة أمثالها - أي أكثر من ملياري يورو بالأسعار الحالية." ورغم ذلك فإن هذا لا يعني أن الدول المتعثرة لن توجه أنظارها إلى الذهب بحثا عن حل سريع لأزماتها. من جان هارفي وكلارا دينينا (إعداد عبد المنعم درار للنشرة العربية - تحرير أحمد إلهامي)