تبدا لجنة منتدبة من قبل الحكومة البريطانية الأثنين بتحقيق علني في أخطر الادعاءات ضد القوات البريطانية التي ساهمت في الغزو الأمريكي للعراق، إذ ستتحقق اللجنة في اتهامات قتل وسوء معاملة لمجموعة من العراقيين اعتقلوا بعد تبادل لاطلاق النار في جنوب العراق. وتشمل هذه التحقيقات مقتل 20 عراقياً واعتقال مجموعة اخرى في أيار/ مايو 2004. وكان محامو عدد من العراقيين طالبوا بالتحقيق في عمليات قتل غير قانونية لجرحى بعد اعتقالهم وممارسات تعذيب لمعتقلين اخرين، اضافة الى مزاعم التمثيل بعدد من جثث القتلى من جانب جنود بريطانيين، الا أن وزارة الدفاع البريطانية نفت بشدة جميع هذه المزاعم. وتوصف مزاعم سوء المعاملة التي مارسها الجنود البريطانيون بأنها غير مسبوقة ، وبأنها وقعت إثر معركة شرسة بين القوات البريطانية ومجموعة مسلحة نصبت كميناً لهم في بلدة المجر الكبير التابعة لمحافظة ميسان الى الشمال من محافظة البصرة. وكانت المحافظتان تحت سيطرة القوات البريطانية بعد سقوط نظام صدام عام 2003. لكن القضية معقدة ومليئة بالتفاصيل، وتتضارب روايات الطرفين. ومن الصعب الجزم بحقيقة ما حدث في تلك المعركة حسب سكرتيرة التحقيق، سيسليا فرينتش، التي قالت لبي بي سي في معظم التحقيقات المماثلة تكون الغاية معرفة ما حدث ولماذا وكيفية تجنب الحدث مستقبلاً ، لكن هذا التحقيق يعد بمثابة محاكمة جنائية لوجود قصتين مختلفتين تماماً للأحداث. ونحن نحاول أن نجد الحقيقة وهذا أمرٌ غير معتاد . تبدء أحداث هذا اليوم بنشوب معركة بين جنود بريطانيين ومجموعة مسلحة في نقطة تفتيش تابعة للجيش البريطاني تعرف بنقطة داني بوي . و صدر أمر بعد انتهاء المعركة بتحديد هويات القتلى من المسلحين العراقيين، وفي أجراء غير مسبوق تم نقل الجثث من مكان حدوث المعركة إلى القاعدة العسكرية القريبة والتي تسمى معسكر أبو ناجي . وبعد ذلك قالت القوات البريطانية إن الاجراء كان محاولة لمعرفة ان كان بالإمكان تحديد شخصية أحد القتلى كونه شارك في عملية قتل 6 جنود بريطانيين في نفس المنطقة العام الفائت. وتؤكد تحقيقات الجيش البريطاني انه تم اعتقال 9 عراقيين آخرين كانوا احياءً بعد المعركة ولم يكن غيرهم على قيد الحياة. ويؤكد كلا الجانبين أن 20 جثة تمت إعادتها في اليوم نفسه إلى الجانب العراقي وهنا ينتهي التوافق بين الجانبين، وتبدأ القصة تأخذ اتجاهين مختلفين تماماً عن الأحداث التي تلت ولحين تسليم الجثث إلى السلطات العراقية المدنية. بدأت التحقيقات الأولى في هذه القضية في 2009 قبل أن يصدر القرار بإجراء تحقيق رسمي علني، الا أن التحقيق في هذه الادعاءات مشابه للتحقيقات الجنائية التي تقوم بها الشرطة. وكانت المحكمة قد اعتبرت تحقيقات الشرطة العسكرية الملكية التابعة للجيش البريطاني غير كافية، إثر شكوك بوجود محاولة تغطية على ممارسات غير قانونية اضافة إلى أن رد وزارة الدفاع لم يقنع المحكمة التي اجازت اجراء التحقيق العلني. سمي التحقيق اصطلاحاً ب تحقيق السويعدي وذلك اشارة الى حميد السويعدي وهو احد الذين قضوا نحبهم في الحادث وكان يبلغ من العمر 19 عاماً. وكان خضر السويعدي عم المتوفي وعدد من المعتقلين الذين قيل أنه اسيئت معاملتهم خاضوا معركة قانونية طويلة لجلب الانتباه إلى هذا الحادث وللبدء بإجراء تحقيق حول ممارسات الجنود البريطانيين. يذكر أن قاضي القوات البريطانية كان قد عارض فتح تحقيق حتى عام 2009 بعد ان وصفت محكمة عليا عدم فتح تحقيق بأنه أمر يرثى له ، لما يمكن ان تكشفه هذه التحقيقات من معلومات. وتبين للمحكمة معرفة الحكومة منذ عام 2004 بوجود معتقلين بعد تلك المعركة اشتكوا من سوء المعاملة الى الصليب الاحمر. وتشير وثيقة عسكرية إلى تعليق لطبيب في الصليب الأحمر يشير فيه الى جروح على جسد أحد المعتقلين تبين ان المعتقل اما كان مقيداً او غير قادر على الدفاع عن نفسه. وتصر وزارة الدفاع البريطانية على أن الادعاءات غير مثبتة بأدلة وقرائن تدعمها. ويؤكد المتحدث باسم الوزارة قائلاً ان وزارة الدفاع تأخذ بجدية كبيرة اتهامات ومزاعم الاساءة لذا قررنا وجوب أن يكون التحقيق في قضية السويعدي مستقلاً، ونحن ندعمه والوزارة مستعدة للتعاون مع التحقيق بشكل كامل . وسيشارك في التحقيقات محققون متقاعدون سيدرسون حوالي 12 ألف وثيقة ويلتقون أكثر من 200 شاهد من الجيش البريطاني، ويستمعون لشهادة 45 عراقياً يتوقع أن يستمع لهم من خلال دائرة تلفزيونية مباشرة من بيروت، في حين سيعطي 15 شاهداً منهم افادته بشكل مباشر. وسيكون من بين الشهود عدد من الطاقم الطبي ومن سائقي سيارات الاسعاف والمعتقلين التسعة وبعض أقارب المتوفين. ومن الجدير بالذكر ان ممارسات عنيفة سابقة اودت بحياة أحد المعتقلين العراقيين، بهاء موسى والذي لقي حتفه اثناء اعتقاله، ودفعت وزارة الدفاع البريطانية تعويضات لعائلة الضحية. وتمنع قوانين الجيش البريطاني الحالية أفراده من استخدام اساليب الضغط الجسدية على المعتقلين ومن ضمنها وضع الكيس على الرأس أو وضع الأصفاد على اليدين ووضعهما الى الخلف اثناء الجلوس ولساعات طويلة، كما تمنع وضع المعتقلين لساعات طويلة تحت الشمس. وتحضر اتفاقيات جنيف جميع هذه الممارسات اصلاً. ويتوقع أن يستمر التحقيق لمدة عام وقد وصلت تكاليفه حتى الآن عشرة ملايين جنيه استرليني ومن المتوقع أن يتضاعف هذه المبلغ مع استمرار التحقيق.