بيروت (رويترز) - مع تصاعد العنف في سوريا ودخولها دائرة العمليات الانتقامية الوحشية فإنها قد تتحول إلى دولة يصعب حكمها حتى بعد ظهور فائز في نهاية المعركة بين الرئيس السوري بشار الأسد ومُعارضيه المسلحين. وبعد نحو عام ونصف العام من اندلاع الانتفاضة التي كانت في بدايتها احتجاجات سلمية تطالب بالاصلاح تدور اشتباكات تتسم بالفوضى بين قوات الاسد وقوات المعارضة المسلحة دون خطوط جبهة واضحة ودون اي اعتبار لقواعد الحرب. واستخدم الاسد الطائرات الحربية والمدفعية في قصف البلدات المضطربة سعيا لاخماد التمرد لتصيب القنابل المساكن والمستشفيات. وتقول جماعات حقوقية ان قواته ارتكبت مذابح. وقتل مسلحو المعارضة مؤيدين للاسد او ذبحوهم بعد اعتقالهم والقوا بجثثهم من فوق البنايات العالية. وبددت العمليات الوحشية المتزايدة في الصراع فرص المصالحة وعززت الانقسامات الطائفية بين الاغلبية السنية والاقلية العلوية التي يتنمي لها الاسد والاقليات المسيحية والدرزية والكردية. وربما يخطط الاسد بالفعل لاستغلال هذه الانقسامات كي يضمن -في حالة عدم تحقيقه النصر على خصومه- الا يتمكن من يخلفه من احتكار السلطة كما فعل هو ووالده حافظ الأسد على مدى عقود. وقال جوشوا لانديس من جامعة اوكلاهوما على مدونته "سوريا كومنت" "من أجل البقاء .. سيعمل الاسد مع قادته العسكريين العلويين على تحويل سوريا إلى لبنان - امة ممزقة لا يمكن لجماعة واحدة ان تحكم فيها منفردة." وقال لانديس ان "خيار لبنان" الذي قد يلجأ إليه الاسد سيكون "تحويل سوريا إلى مستنقع وخلق الفوضى في طوائفها وفصائلها... الجيش السوري تحول بالفعل بشكل كبير إلى ميليشيا علوية." وتقول شخصيات معارضة بارزة ان الانزلاق إلى العنف والفوضى سيكون امرا لا مفر منه اذا لم يتدخل العالم الخارجي لوقفه. وقال الشيخ توفيق قائد كتيبة نور الدين زنكي من قبطان الجبل قرب حلب "رسالتي إلى المجتمع الدولي هي انه كلما طال تجاهلكم لنا كلما تسارع انتاجكم للمتطرفين في سوريا." واضاف "العنف والقمع الذي نشهده بسبب هذه الحرب يجعل الشبان السوريين غاضبين ومحبطين ويدفعهم نحو التطرف وربما الارهاب. على العالم أن يسارع بمساعدتنا الآن قبل أن يصبح الأمر متأخرا تماما." وتعني غلبة العنصر العربي السني على المعارضة المسلحة ان الصراع يتركز على المحور الرابط بين الشمال والجنوب والذي يغلب عليه السكان السنة من درعا في الجنوب إلى حلب في الشمال. وبدلا من حشد قواتها لمعركة حاسمة مع قوات الاسد قامت قوات المعارضة المسلحة -المكونة من كتائب متفرقة اغلبها من السوريين لكنها تضم عناصر جهادية اجنبية- بخوض معارك محلية مع قوات الامن امتدت لأشهر. وفي المناطق التي يهيمن عليها العلويون -بما في ذلك الجبال الغربية قرب البحر المتوسط- ما زال الوضع هادئا وان لم يخل من العنف بينما يبدو ان الاسد رضخ لحكم ذاتي يفرضه الاكراد في شمال شرق البلاد. وقال محققون من الاممالمتحدة هذا الاسبوع انهم وجدوا ادلة كافية لاتهام الاسد وميليشيات الشبيحة المؤيدة له بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ومن بينها قتل وتعذيب مدنيين. وتضمن ذلك "القتل خارج اطار القانون والتعذيب والاعتقال التعسفي والاحتجاز والعنف الجنسي والهجوم العشوائي ونهب وتدمير الممتلكات." وقال المحققون ان أفراد القوات الحكومية وميليشيات الشبيحة اغتصبوا رجالا ونساء واطفالا في اعمال من الممكن ان تعتبر جرائم ضد الانسانية. وقالوا ان القوات الحكومية استهدفت موظفين في الهلال الاحمر العربي السوري وهو ما يمثل جريمة حرب. وقال المحققون ان المعارضة المسلحة ايضا ارتكبت جرائم حرب من بينها اعدام جنود بعد أسرهم لكن مخالفاتهم كانت على نطاق اقل. واستخدمت القوات الحكومية وقوات المعارضة المسلحة "أساليب اكثر وحشية وقدرات عسكرية جديدة" خلال الاشهر القليلة الماضية. ويقول نشطاء ان المقصود بالوحشية هو مقتل نحو 200 شخص يوميا في بلدات ومدن وقرى في انحاء سوريا بعيدا عن المعارك الاكبر التي تدور رحاها في دمشق وحلب. ويساهم هذا كله في خلق حالة من الاحباط بين السوريين الذين يرون أن بلادهم تركت لمصيرها مع فشل المجتمع الدولي في الاتفاق على حل للازمة. وقال ابو اسامة احد شيوخ العشائر في بلدة اعزاز القريبة من الحدود مع تركيا "اصبحنا أسرى مشاعر الاحباط واليأس. نشعر ان العالم تخلى عنا." وقال "كم مقطعا مصورا يجب ان ننشر وكم صحفيا نحتاج أن يتكلم قبل ان يتحرك احد؟" ويقول المرصد السوري لحقوق الانسان ان اكثر من 23 الف شخص قتلوا منذ اندلاع الانتفاضة في مارس آذار العام الماضي من بينهم نحو 6000 جندي و1000 منشق. بينما تقول جماعة اخرى تراقب العنف في سوريا ايضا ان عدد القتلى يدور حول 20 الفا. ولا يمكن لأي طرف ان يفرض هيمنته الكاملة على الارض التي يسيطر عليها كما لا يمكن لأي طرف ان يوجه ضربة قاضية للاخر وهو ما يثير خطر إطالة أمد الصراع بشكل يجعله اكثر دموية. وقال يزيد الصايغ كبير الباحثين في مركز كارنيجي الشرق الاوسط في بيروت "النظام لم يعد قادرا على تأمين الهدوء الكامل في اي منطقة استعادها. "لكن حتى الان ما زال النظام يملك ادوات قوية جدا لزيادة وتيرة العنف بينما يحرم المعارضة من بناء قدرة مشابهة." ويستخدم الجيش الاسلحة الآلية والمدفعية والدبابات في قتاله ضد المعارضة الاقل تسليحا. وفي إشارة جديدة على اتساع نطاق الصراع بشكل يجعل من الصعب على القوات البرية وحدها احتواؤه استعان الاسد بطائرات الهليكوبتر الحربية والطائرات المقاتلة في القصف لكنه لم يستخدم سوى النذر اليسير من قوته الجوية. وقال ايهم كامل من مجموعة اوراسيا جروب الاستشارية انه مع استبعاد حدوث مفاجآت مثل اغتيال الرئيس فإن الصراع قد يطول ويدخل حالة من الجمود يتماسك خلالها الاسد لكنه لا يستطيع هزيمة قوات المعارضة. لكن انهيار الاسد لن يؤدي على الأرجح الى تحقيق الاستقرار. وقال كامل ان الانقسامات بين القادة المحليين للمعارضة ووجود مقاتلين اجانب وربما امكانية عودة الخلافات بين السعودية وقطر اللتين تدعمان المعارضة من الممكن ان يؤدي كل ذلك الى حدوث فراغ في السلطة. وفي حالة خسارة الاسد السيطرة على معظم أراضي سوريا توقع كامل ان يلجأ إلى تسليح "الطوائف الدينية المختلفة والقبائل والكيانات ليقلل من احتمال ظهور اي بديل" وهو ما من شأنه أن يدفع البلاد إلى صراع ثلاثي بين السنة والعلويين والاكراد. (إعداد ابراهيم الجارحي للنشرة العربية - تحرير أحمد حسن)