لندن (رويترز) - تتعرض المالية العامة لإيران لضغط غير مسبوق ويضع التضخم المرتفع صبر المواطن العادي موضع الاختبار مع تهاوي ايرادات البلاد من النفط نتيجة العقوبات الغربية المشددة والهبوط الحاد في سعر النفط. وزادت اجراءات مالية مشددة فرضتها واشنطن وبروكسل الصعوبات أمام سداد ثمن النفط الإيراني وتحميله. وهوى انتاج البلاد من الخام لأدنى مستوى في 20 عاما لتتراجع الايرادات الضرورية لتمويل جهاز الدولة الضخم. ومن المتوقع أن تواصل شحنات الخام من إيران الهبوط حينما يدخل حظر أوروبي على واردات الخام الإيراني حيز التنفيذ في أول يوليو تموز. وانخفضت الشحنات بالفعل أكثر من 25 بالمئة أو نحو 600 ألف برميل يوميا من 2.2 مليون برميل يوميا العام الماضي. وتفيد تقديرات بأن طهران خسرت بالفعل عشرة مليارات دولار من إيرادات النفط هذا العام. وتتفاقم الالام الإيرانية مع هبوط أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل الأسبوع الماضي مسجلة أدنى مستوياتها في 16 شهرا وسط تدهور التوقعات الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة والصين. وقال مهدي فارزي المسؤول السابق في شركة النفط الوطنية الإيرانية "هذا نوع من الحرب الاقتصادية. العقوبات لها تأثير كبير من الناحية التراكمية .. يجري عزل إيران عن النظام المالي العالمي." وأضاف "يبدو أن التفاوض مع إيران الان أسهل مما كان عليه قبل عام. ينبغي أن يستغل الغرب هذا الوضع المؤقت لتقديم تنازلات أكثر قيمة .. خارطة طريق لما سيؤول إليه كل هذا." ويقول دبلوماسيون ومحللون إن إيران قد تعرض مزيدا من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية كورقة مساومة في مفاوضاتها مع القوى العالمية التي جرى استئنافها في ابريل نيسان بعدما توقفت 15 شهرا وستتواصل بموسكو في 18-19 يونيو حزيران. ووفقا لقواعد الرياضيات الأساسية فإنه كلما تراجعت صادرات النفط الإيرانية ارتفع سعر النفط الذي تحتاجه البلاد لتظل في المنطقة الامنة. ووفقا لصندوق النقد الدولي تحتاج إيران لأن يبلغ سعر النفط 117 دولارا للبرميل لتحقيق التعادل في ميزانيتها البالغ حجمها 462 مليار دولار. وقال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن الميزانية تهدف لتقليل اعتماد إيران على ايرادات النفط. وأقر مسؤولون كبار بقطاع النفط الإيراني أن العقوبات قلصت الصادرات لكنهم يقولون إن إيران تملك خبرة كبيرة في ايجاد سبل للالتفاف حول العقوبات وإن تراجع ايرادات النفط ليس نهاية العالم. وقال مسؤول نفطي إيراني طلب عدم نشر اسمه "شخصيا سأكون سعيدا للغاية لو قلصنا اعتماد الاقتصاد على عائدات النفط ... يمكننا استغلال العقوبات كفرصة." وتتعرض إيران لعقوبات غربية منذ عقود وطهران ماهرة في التحايل عليها. لكن هناك علامات متزايدة على أن المواطن العادي يشعر الان بسببها بمعاناة أكبر مما كان يجده في ضوء قفزة في التضخم خلال الشهور الستة الماضية. وقال أحمد (54 عاما) الذي يمتلك محلا صغيرا للاقمشة في طهران "فاجأني ارتفاع الأسعار عندما ذهبت لمحل البقالة أمس." وأضاف قائلا ان سعر التفاح ارتفع لأكثر من مثلي مستواه الشهر الماضي وبلغت الفراولة نحو ثلاثة أمثال سعرها لتصل إلى 110 الاف ريال للكيلو أو أكثر من ستة دولارات بأسعار السوق. وقال "حتى الفواكه تصبح نوعا من الرفاهية تدريجيا." ويبلغ التضخم الرسمي حاليا نحو 20 بالمئة إلا أن اقتصاديين يقولون إن اسعار السلع المهمة لمعظم الإيرانيين ترتفع بوتيرة أسرع كثيرا. وتمر البلاد بما تسميه الحكومة جراحة اقتصادية كبيرة في شكل تخفيضات لبرنامج الدعم البالغ عدة مليارات من الدولارات والذي أبقى لسنوات على سعر السلع الضرورية مثل الوقود والغذاء منخفضا. وبدأت قيمة الريال تتراجع في يناير كانون الثاني وبلغ نحو 20 ألف ريال للدولار في فبراير ارتفاعا من 10500 ريال في ديسمبر كانون الأول. ويبلغ حاليا 17800 ريال للدولار بأسعار السوق بينما السعر الرسمي 12260 ريالا للدولار. ومازال سعر البنزين في السوق المحلية مستقرا لكن تعرفة سيارات الأجرة والنقل العام ارتفعت. وتعيد العقوبات أيضا تشكيل تدفقات السلع على الشركات الصغيرة وقال صاحب شركة للاستيراد في طهران إنه اضطر لتسريح بعض العاملين في الاونة الأخيرة بعدما أجبر على الاستيراد من الصين بدلا من أوروبا. وقال صاحب الشركة الذي طلب عدم نشر اسمه "سبب التحول لنا خسائر مالية كبيرة. لا أعرف إلى متى يمكننا الاستمرار بهذا الشكل. بالتأكيد لن نتمكن من التأقلم لو جرى تشديد العقوبات المالية على إيران." ومن ناحية التصدير علقت عدة شركات أوروبية كبيرة مشترياتها من النفط الايراني بينما يقلصها آخرون. وكانت إيران تأمل في أن تحصل الصين والهند المتعطشتان للطاقة وكلاهما من العملاء الرئيسيين على حصة كبرة من النفط الذي تركه العملاء الأوروبيون لكن الحال قد لا يكون كذلك. وقال مسؤول كبير بشركة نفط غربية طلب عدم نشر هويته "نشعر أن الصين والهند لم تقدما العون الذي كانت تتوقعه إيران." وأضاف "لكن من الصعب للغاية تصور كمية النفط التي يجري نقلها لأن السفن تغلق اتصالاتها عمدا." ومنذ مطلع ابريل تخفي طهران وجهة مبيعاتها النفطية باغلاق انظمة الرصد الموجودة على ناقلاتها. لكن الأرقام المتاحة من عد البراميل لدى وصولها إلى أكبر أربعة مشترين للنفط الإيراني - وهم الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية - تظهر انخفاضا نسبته 20 بالمئة أو 357 الف برميل يوميا منذ بداية العام الحالي وذلك وفقا لبيانات حكومية ومصادر بالصناعة. ويترجم ذلك لخسارة في الايرادات تقدر بحوالي 35.7 مليون دولار يوميا أو 4.3 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري بحسب سعر خام برنت الحالي. ويباع الخام الإيراني أيضا بخصم عدة دولارات للبرميل عن سعر برنت القياسي ولذا فإن الخسائر الفعلية من المرجح أن تكون أعلى. كان ارتفاع أسعار النفط في وقت سابق هذا العام قد خفف الخسائر إلى حد ما حيث بلغ متوسط سعر برنت منذ بداية 2012 حتى الان 116 دولارا للبرميل ارتفاعا من 110 دولارات في 2011 والذي كان مستوى قياسيا. لكن تراجع الانتاج وهبوط الاسعار يجعل الأمور تتدهور بسرعة أكبر. ويتوقع مورجان ستانلي انخفاض الصادرات الايرانية بدءا من أول يوليو بمقدار 150 ألف برميل يوميا اضافية بينما قالت وكالة الطاقة الدولية إن صادرات ايران قد تنخفض بنحو مليون برميل يوميا. لذا من المنتظر أن تعاني إيران انخفاضا ضخما في ايرادات النفط بينما ترتفع ايرادات منافسيها في منظمة أوبك لمستوى قياسي. وبحسب مركز دراسات الطاقة العالمية ومقره لندن فإن ارتفاع سعر النفط يجعل من المنتظر أن تحقق أوبك 911 مليار دولار من صادرات النفط هذا العام. وقد تتراجع ايرادات إيران ثاني أكبر منتج في أوبك 39 بالمئة إلى 44 مليار دولار هذا العام بينما من المتوقع أن ترتفع ايرادات السعودية ثلاثة مليارات دولار إلى 294 مليارا. وربما تحتاج إيران لخفض الانفاق لتحمل تراجع أسعار النفط وصادراته بعد دخول عقوبات الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ بالكامل. وقال فارزي "السبيل الوحيد للتحايل عليها سيكون أن تخفض إيران ميزانيتها." (إعداد محمود عبد الجواد للنشرة العربية - تحرير أحمد إلهامي)