تسبب رخص أسعار البنزين بالإمارات في انقسام وقف فيه المجلس الوطني الاتحادي الذي تقلقه اضطرابات الربيع العربي في مواجهة شركات النفط الوطنية التي تصارع لوقف الخسائر الناجمة عن انتاج وقود بأسعار متدنية للسوق المحلية. وقبل عامين درست الامارات إلغاء نظام الدعم السخي تدريجيا الذي يتيح للمواطنين والمقيمين الاجانب شراء لتر البنزين مقابل 47 سنتا فقط. وأطاح الربيع العربي بأي تفكير في رفع أسعار الوقود رغم ان الاجانب يمثلون 89 في المئة من سكان البلاد وهم اكبر مستفيد من الدعم الذي يضغط علي خزانة الدولة وشركات التجزئة لتجارة الوقود. وفي الشهر الماضي اقر اعضاء المجلس الوطني الاتحادي -الذي لا يتمتع بأي سلطات تشريعية- بالاجماع خططا لخفض أسعار البنزين للجميع إثر شكاوى من التكلفة المرتفعة لتزويد السيارات بالوقود. وتعارض وزارة الطاقة اي خفض للاسعار ولكن قبول توصية المجلس متروك للحكومة. وقال مصدر قريب من الوزارة "تعارض وزارة الطاقة بشدة اي زيادة للدعم .. نحاول تحسين اقتصادنا وزيادة الدعم ستكون بمثابة انتكاسة كبيرة." ووراء الحكومة واستراتيجيتها لبناء اقتصاد حديث متنوع اقل ارتباطا بالنفط وبلا دعم للطاقة من جانب الدولة يوجد قطاع صناعي قوي. ومن المفارقات بالنسبة لاقتصاد دولة خليجية أن شركات التجزئة التي تبيع البنزين محليا منيت بخسائر مذهلة فيما يرجع في جانب منه للدعم وايضا لاختلال الموازين بين امارات الدولة. وبلغت الخسائر المجمعة لاربع من شركات تجارة البنزين وهي شركة بترول الامارات الوطنية (اينوك) والامارات لمنتجات البترولية (إيبكو) وشركة امارات المملوكة للحكومة الاتحادية وشركة بترول أبوظبي الوطنية (ادنوك) ما يقدر بنحو 8.5 مليار درهم (2.31 مليار دولار) في عام 2011 وتتوقع وزارة الطاقة أن ترتفع الخسائر إلى 12 مليار درهم (3.27 مليار دولار) فى العام الجاري. ومع قيام اينوك ووحدتها ايبكو بإغلاق محطات للوقود في الشارقة وراس الخيمة اضطر مواطنو الامارتين الشماليتين للقيادة لمسافات طويلة والاصطفاف لساعات للتزود بالوقود. وجاء الاغلاق لان معظم نفط الإمارات -التي تنتج نحو 2.5 مليون برميل يوميا- يوجد في ابوظبي مما يضطر تجار الوقود في دبي لاستيراده بخسارة. لكن في حين يفعل التجار هذا في دبي يعتمد من هم في الإمارات الشمالية بصورة متزايدة على محطات الوقود التابعة لادنوك لانها تستطيع تحمل الخسائر بوصفها من أكبر الشركات المنتجة للنفط في العالم. وقال ايهم كامل محلل الطاقة بمجموعة اوراسيا "هذا مؤشر على ان حكومة دبي لم تعد راغبة او قادرة على دعم قطاع كبير من سكان الامارات بمفردها." ولتخفيف الضغط على محطات البنزين في الامارات الشمالية وقعت ادنوك اتفاقا مع شركة امارات الاسبوع الماضي لإدارة 74 محطة وقود في الشارقة ورأس الخيمة وعجمان وام القيوين والفجيرة. ويقول اصحاب الراي المعارض ان الاماراتيين يشعرون بالغبن مقارنة بمواطني الدول الخليجية الاخرى. ودعا المجلس الوطني الاتحادي في توصيته الحكومة لزيادة الدعم على البنزين وخفض أسعار الوقود لتتماشى مع الاسعار في دول الخليج الاخرى. ووجدت لجنة من ستة اعضاء كلفها المجلس ببحث اسباب ارتفاع اسعار الوقود ان تكلفة البنزين في الامارات أعلى منها في بقية دول الخليج. وذكرت اللجنة في تقريرها انه لا ينبغي ان تحتل الامارات -إحدى اكبر الدول المنتجة للنفط في العالم- المركز الثالث بين الدول العربية من حيث أسعار الوقود المرتفعة بعد سوريا وتونس. وقال كامل من مجموعة اوراسيا "الخطوة التي اتخذها المجلس الوطني الاتحادي محاولة ليبدى انخراطه في الشؤون الداخلية بخاصة القضايا التي تتعلق برفاهية الاماراتيين." وتبلغ تكلفة البنزين في الامارات 1.72 درهم (47 سنتا) للتر وهو ما يقل عن نصف متوسط سعره العالمي البالغ 1.21 دولار للتر حسب البنك الدولي. وتدفع الحكومة حوالي 1.20 درهم لدعم كل لتر بنزين. وفي عام 2010 أنفقت الامارات ستة بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي على دعم الوقود وبلغ متوسط نسبة الدعم 67.8 بالمئة حسبما ذكرت وكالة الطاقة الدولية. ويبلغ متوسط الدعم في الكويت 85.5 بالمئة وفي السعودية نحو 76 بالمئة. وتعالت مطالب من بعض الدوائر للحكومة الاتحادية بخفض الاسعار كي يشتريه مواطنو الامارات بنفس الاسعار الرخيصة في الدول المجاورة. ولكن محللين يحذرون من ان استهلاك الوقود في الخليج بين اعلى النسب على مستوى العالم وان خفض اسعاره سيشجع على مزيد من الهدر. وجاء في تقرير برنامج الاممالمتحدة الانمائي "يعتقد كثيرون من المواطنين في الدول المنتجة للنفط والغاز أن أسعار الطاقة المنخفضة حق مكتسب بالميلاد." وذكر التقرير ان الدعم الكبير في العالم العربي يشجع على الهدر ووصفه بأنه وسيلة لا تتسم بالكفاءة لإعادة توزيع الثروة النفطية. وتابع التقرير "اتضح ان حصة كبيرة من الدعم تحصل عليها طبقات مرتفعة الدخل وصناعات .. ويجب ان ينظر لذلك على انه اداة باهظة التكلفة وغير رشيدة لحماية الفقراء في العالم العربي." وتحدد الحكومة الاتحادية أسعار الوقود ويباع البنزين بسعر زهيد مقارنة بما يدفعه تجار التجزئة في الاسواق العالمية حيث ارتفعت الاسعار ارتفاعا حادا نتيجة زيادة أسعار الخام بنسبة 50 في المئة منذ مايو ايار 2010 . وذكرت اللجنة التي شكلها المجلس الوطني الاتحادي ان طاقة التكرير المحدودة هي سبب الاحتياج لاستيراد كميات كبيرة مما يكبد شركات التجزئة التي تبيع الوقود خسائر. ولكن محللين بالصناعة يقولون إن أسعار الوقود المنخفضة تبعد الاستثمارات عن قطاع التكرير لانها تجعل من المستحيل انتاج البنزين دون تكبد خسائر. وقال مسؤول باحدى شركات التجزئة المملوكة للدولة "اللجنة المؤلفة من ستة اعضاء ليس لديها فكرة عن اسواق النفط او كيف يدار الاقتصاد." وتابع "شركات البنزين مديونة بالفعل ونأمل الا تنفذ الحكومة هذا الاقتراح." وكانت اخر مرة رفعت فيها حكومة الامارات أسعار الوقود في عام 2010 على مرحلتين وزاد سعر اللتر 0.35 درهم لخفض عبء الدعم عن الميزانية العامة ومحاولة التشجيع على الترشيد. وكان متوقعا رفع الاسعار مرة اخرى نتيجة الزيادة الحادة لاسعار الخام على مدى العامين الماضيين ولكن يبدو مرجحا الان تجميد خطط اي زيادة اخرى لاجل غير مسمي. وخلص تقرير الاممالمتحدة إلى أن "المناخ السياسي الناجم عن الانتفاضات العربية في عام 2011 سيزيد من المحن السياسية التي تواجه العديد من الدول العربية التي تطبق اصلاحات اقتصادية مؤلمة بما في ذلك اصلاح أسعار الطاقة محليا." وأضاف "إن رفع أسعار الوقود إلى جانب زيادة أسعار الغذاء وغيرها من السلع الضرورية الاخرى امر حساس وقد يثير احتجاجات على نطاق واسع." (الدولار= 3.6730 درهم اماراتي) من امنة بكر (إعداد هالة قنديل للنشرة العربية - تحرير أمل أبو السعود)