يدلي المصريون الاربعاء باصواتهم لاختيار خليفة لحسني مبارك الذي اسقطوه العام الماضي في انتخابات تاريخية يتنافس فيها 12 مرشحا بعد عقود من الانتخابات المحسومة سلفا. وستحسم نتيجة هذا الاقتراع التوجه الذي ستتبناه الدولة العربية الاكبر ثقلا بعدد سكانها ال 82 مليونا. وتتوزع اهواء الناخبين بين المرشحين الاسلاميين واولئك الذين يرون فيهم ضمانة لعودة الاستقرار وهم -- للمفارقة-- من مسؤولي النظام السابق. وابرز المرشحين هم وزير الخارجية الاسبق في عهد حسني مبارك طوال تسعينات القرن الماضي الامين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى واخر رئيس وزراء في العهد السابق، القائد الاسبق للقوات الجوية احمد شفيق، ومرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي والاسلامي المستقل عبد المنعم ابو الفتوح والناصري حمدين صباحي. ودعي اكثر من 50 مليون ناخب مصري الى الاختيار بين 12 مرشحا اسلاميين ومدنيين او من اليسار والليبراليين وانصار "الثورة" او المسؤولين السابقين في نظام مبارك. وتشكلت صفوف انتظار طويلة في اجواء مرحة امام العديد من مكاتب التصويت في القاهرة حتى قبل فتحها في الساعة الثامنة صباحا (6,00 ت غ) تحت حماية امنية مكثفة. ولكن نسبة المشاركة في الانتخابات بدت اقل منها في الانتخابات التشريعية الاخيرة في نهاية العام الماضي وهو ما ارجعه البعض الى ارتفاع درجة الحرارة والى اجراء عمليات الاقتراع على مدى يومين. غير انه مع تقدم ساعات النهار ازداد الاقبال على التصويت ربما بسبب تحسن الجو ما دعا اللجنة العليا للانتخابات الى تمديد التصويت لمدة ساعة لتغلق مكاتب الاقتراع في الساعة التاسعة (19 ت غ) بدلا من الثامنة (16,00 ت غ). وانتشر رجال شرطة امام مكاتب الاقتراع لضمان الامن بينما انتشر الجنود داخلها للتأكد من حسن سير عمليات الاقتراع، وفقا لمراسلي وكالة فرانس برس. وفي حي السيدة زينب الشعبي طلب رجال الشرطة الذين يحرسون احد مكاتب التصويت من الناخبين الذين توافدوا مع حلول المساء باعداد كبيرة الى "العودة غدا" كما افادت مراسلة لفرانس برس. وقالت نحمده عبد الهادي (46 عاما) التي كانت تقترع في مدرسة عمر مكرم بحي شبرا (شمال شرق القاهرة) "انه يوم رائع لمصر، كنت اتمنى ان تكون امي وجدتي على قيد الحياة لتشاهدا معي هذا اليوم". واضافت هذه المراة المنقبة التي لا يظهر منها سوى عيناها "ايا كانت النتيجة سنقبلها". في الاسكندرية والسويس، كانت المشاركة بعد الظهر اقل منها خلال الانتخابات التشريعية الاخيرة ولكن، كما هي الحال في القاهرة، كانت عمليات الاقتراع تجري بهدوء. وفي جنوب شبه جزيرة سيناء، اوضح مكتب المحافظ ان نسبة المشاركة بلغت قرابة 12% في منتصف النهار. وتجري الجولة الاولى من الانتخابات اليوم وغدا الخميس. واذا لم يحصل اي مرشح على الغالبية المطلقة في الجولة الاولى وهو الامر المرجح، تجري جولة ثانية في 16 و17 حزيران/يونيو المقبل. ومن المقرر ان تعلن نتائج الجولة الاولى رسميا في 27 ايار/مايو. ويبدو من الصعب معرفة نتيجة هذه الانتخابات بسبب العدد الكبير من المترددين الذين لم يحسموا خيارهم حتى اللحظة الاخيرة مع حرية الاختيار غير المسبوقة المتاحة امامهم. ويقول المعلق السياسي هشام قاسم "يوجد تنافس بين نوعين من التصويت: التصويت الاسلامي والتصويت من اجل الاستقرار" مضيفا "كل الاحتمالات واردة بالنسبة للجولة الثانية. والنتائج غير واضحة بشكل كبير". ويعتمد موسى وشفيق على اصوات "الذين ضاقوا ذرعا بهذا الوضع ويريدون عودة الاستقرار" كما يرى هشام قاسم. وفي حي شبرا الشعبي في القاهرة، اكد العديد من المسيحيين انهم يصوتون لأحمد شفيق. وقال الشاب نسيم غالي الذي يزين رسغه وشم على شكل صليب "ليرحمنا الرب اذا وصل الاسلاميون الى الحكم وسيطروا الرئاسة بعد ان سيطروا بالفعل على البرلمان". وصرح شفيق نفسه لفرانس برس بان البلد "سيواجه مشكلات ضخمة" اذا ما فاز مرشح اسلامي. ولدى توجهه الى مكتب الاقتراع للادلاء بصوته في ضاحية التجمع الخامس تعرض شفيق للاعتداء من قبل مجموعة من المواطنين الذين رشقه بعضهم بالاحذية وهم يصيحون "يسقط الفلول" وفقا لمراسل لفرانس برس. ورغم ضرورة الالتزام بفترة "الصمت الانتخابي" ادلى بعض المرشحين بتصريحات صحافية سواء لدعوة الناخبين للتصويت لهم او للتنديد بمنافسيهم. واعلن فاروق سلطان رئيس لجنة الانتخابات في مؤتمر صحافي ان الانتهاكات احيلت على النيابة العامة. ويعتمد الاسلاميون على النجاح الذين حققوه في الانتخابات التشريعية الاخيرة مع سيطرة الاخوان والسلفيين على مجلسي الشعب والشورى. وقد سخرت جماعة الاخوان كل ماكينتها الانتخابية القوية لخدمة مرسي. وقال مرشح الاخوان محمد مرسي عقب مشاركته في التصويت ان "المصريين قادرون على الاختيار الصحيح". اما منافسه ابو الفتوح، فأعرب عن امله في ان "يختار الشعب رئيسا لمصر لا يخضع لأي إملاءات وليس من فلول النظام السابق". وقد اقيم 13 الف مركز اقتراع موزعة على جميع انحاء مصر. ودعا المجلس العسكري، الذي تعهد بنقل السلطة التي يتولاها منذ سقوط مبارك الى الرئيس المنتخب، المصريين الى المشاركة في الاقتراع محذرا من اي خروج عن القانون ومتعهدا بان تكون الانتخابات "شفافة 100%". وكان المجلس العسكري الذي تعرض لانتقادات شديدة بسبب ادارته للمرحلة الانتقالية، التي شهدت اعمال عنف واحتجاجات عديدة، وعد بتسليم السلطة الى رئيس منتخب قبل نهاية حزيران/يونيو. الا ان العديد من المحللين يرون ان الجيش، الركيزة الاساسية للنظام منذ سقوط الملكية عام 1952 والذي يملك قوة اقتصادية ضخمة، سيبقى له دور قوي في الحياة السياسية. وتبقى صلاحيات الرئيس الجديد غير واضحة المعالم في ظل غياب دستور جديد للبلاد يحدد طبيعة النظام السياسي مع تعليق العمل بدستور 1971 الذي كان ساريا في عهد مبارك وعدم وضع دستور جديد. فقد اثار تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة بوضع الدستور الجديد للبلاد ازمة سياسة كبيرة بسبب هيمنة حزبي الحرية والعدالة والنور السلفي عليها. وانسحب ممثلو الازهر والكنائس المسيحية المصرية وكل الاحزاب الليبرالية واليسارية والعديد من الشخصيات العامة من هذه اللجنة احتجاجا على عدم توازن تشكيلتها وعدم تمثيلها لكل طوائف الشعب المصري. وقضت محكمة القضاء الاداري الشهر الماضي ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية في قرار اعتبر انتكاسة سياسية لجماعة الاخوان المسلمين وانتصارا لليبراليين واليسار. وسيكون على الرئيس الجديد، ان لم يكن اسلاميا ان يتعامل مع برلمان يسيطر عليه الاخوان المسلمون والسلفيون. كما سيكون على الرئيس الجديد مواجهة وضع اقتصادي صعب مع التفاوت الاجتماعي الشديد الموروث من النظام السابق وبطء عجلة الانتاج وتراجع النشاط وخصوصا في القطاع السياحي منذ ثورة 25 يناير.