أعد مسؤولون بالاممالمتحدة قائمة تضم شخصيات سورية يشتبه في ارتكابها جرائم ضد الانسانية أثناء الانتفاضة ضد الرئيس بشار الاسد لكن معارضة روسيا والصين تعني أنه من غير المرجح مثول المتهمين خلف قضبان المحكمة الدولية لجرائم الحرب قريبا. وبينما تضغط القوى العالمية لانهاء العنف في سوريا الذي حصد أرواح الالاف تتزايد الضغوط لتوجيه اتهامات لجهاز الامن الموالي للاسد بارتكاب جرائم حرب في قمع الانتفاضة المستمرة منذ عام. واتهم تقرير للامم المتحدة قوات الامن السورية بارتكاب انتهاكات جسيمة ومنتظمة وواسعة النطاق لحقوق الانسان تصل الى حد الجرائم ضد الانسانية. وقالت الاممالمتحدة الشهر الماضي انه كانت هناك أيضا أدلة على انتهاكات ارتكبت على أيدي بعض جماعات المعارضة. وسلمت لجنة تحقيق خاصة بسوريا تابعة للامم المتحدة قائمة سرية تضم مسؤولين سوريين كبارا يشتبه في أنهم أصدروا أوامر بارتكاب جرائم ضد الانسانية من بينها جرائم قتل وخطف وتعذيب لاجراء محاكمة محتملة سواء من خلال محكمة دولية أو عبر هيئات وطنية لها سلطة قضائية عالمية أو حتى من خلال محكمة سورية في المستقبل. ولكن المحكمة الجنائية الدولية وهي أول محكمة عالمية دائمة معنية بجرائم الحرب عاجزة أمام الحالة السورية في الوقت الحالي. ولا تستطيع المحكمة أن تصل الى سوريا لانها لم توقع على لائحة روما ولان الطريق مسدود في مجلس الامن التابع للامم المتحدة بخصوص التعامل مع المشكلة. قال لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في وقت سابق هذا الشهر "اذا أصدر مجلس الامن قرارا بالتحقيق في سوريا فاننا سنفعل ذلك." وأضاف "نستطيع ذلك دائما." ولكن موسكو وبكين تضعان العقبات في مجلس الامن. قالت لويز دوسفالد بيك أستاذة القانون في معهد جنيف العالي للدراسات الدولية ودراسات التنمية "في مقدور مجلس الامن أن يحرك الدعوى ولكن من غير المرجح أن توافق الصين وروسيا ولذلك فان الفرص ضئيلة في هذه اللحظة. "ولكن هناك امكانية (للاعتقال والمحاكمة) اذا كان هؤلاء الناس متهورين الى حد يدفعهم للسفر الى دول تستطيع محاكمة أناس متهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية." ولدى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وحدة للمعلومات والادلة التي يقدمها أفراد من الهيئات العامة أو الرسمية.. ومن ثم يمكن تقديم الادلة عن سوريا على سبيل المثال الى الوحدة والاحتفاظ بها في حالة السماح لتحقيق رسمي أن يمضي قدما. ولكن ممثلي مكتب المدعي العام رفضوا الكشف عما اذا كانوا تلقوا أدلة عن ارتكاب جرائم حرب في سوريا. وأيد مسؤولو الاممالمتحدة اجراء تحقيق. وقال خوان مينديز مقرر أو محقق الاممالمتحدة الخاص في جرائم التعذيب في أنحاء العالم في مقابلة "أؤيد دعوة (نافي بيلاي مفوضة الاممالمتحدة السامية لحقوق الانسان) أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية باجراء تحقيق فيما اذا كانت هذه تصل الى حد الجرائم ضد الانسانية." وتقدر الاممالمتحدة أن أكثر من 9000 شخص على الاقل قتلوا في الانتفاضة على مدى العام الماضي في قصف القوات الموالية للاسد لمعاقل المعارضة لاخضاعها. وتقول الحكومة السورية ان حوالي 3000 من أفراد الجيش والشرطة قتلوا. وأجرت المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقرا لها التحقيق في عدد من الحالات التي تشتمل على جرائم حرب مزعومة على مدى السنوات العشر الماضية وأصدرت الشهر الماضي أول حكم عندما أدانت زعيم الميليشيا الكونجولي توماس لوبانجا دايلو بتجنيد أطفال للحرب في جمهورية الكونجو الديمقراطية. لكن المحكمة لم تجد فرصة لمحاكمة بعضا من الاسماء الاكبر للاشتباه في ارتكابها جرائم ابادة أو جرائم ضد الانسانية. ولا يزال الرئيس السوداني عمر حسن البشير المطلوب مثوله أمام المحكمة في اتهامات بتدبير جرائم ابادة حرا طليقا. وفيما يتعلق بسوريا منعت موسكو وبكين ادانة الاسد في مجلس الامن الدولي باستخدامهما حق النقض (الفيتو) ضد قرارين يدينان سوريا لكنهما وافقتا على بيان للمجلس في 21 مارس اذار بقبول جهود كوفي عنان المبعوث المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية لانهاء العنف في سوريا. ويقول خبراء قانونيون مثل دوسفالد بيك ان أحد المخارج المحتملة في الحالة السورية لامكانية محاكمة أي من هؤلاء المتورطين بارتكاب جرائم حرب هو مغادرتهم سوريا والسفر الى أي دولة أخرى تتيح ولايتها القضائية ذلك بشرط اثبات أن هؤلاء الاشخاص أمروا بشن هجوم مباشر على المدنيين أو تعذيبهم. وأضافت "اذا اختار هؤلاء السفر الى دولة عضو في العهد الدولي لمناهضة التعذيب تكون هناك حاجة الى تقديمهم للعدالة. ولكن نظرا لانهم يقيمون في سوريا ولا يتحركون فان هذه هي المشكلة." وبعتقد أن قائمة المشتبه بهم التي قدمتها لجنة التحقيق الخاصة بسوريا التابعة للامم المتحدة تضم الدائرة المقربة للاسد ومسؤولين كبار في حزب البعث والجيش وقوات الامن. قالت بيلاي لرويترز في جنيف "سلمتني لجنة التحقيق قائمة بأسماء أشخاص في مناصب رفيعة في الجيش وقوات الامن تورطوا في الجرائم الدولية الاكثر خطورة التي تخضع للولاية القضائية التي حددتها لائحة روما" في اشارة الى اللائحة المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. وقالت بيلاي وهي قاضية سابقة "سأقدم هذه القائمة التي تضم مرتكبي الجرائم المشتبه بهم لاي تحقيقات موثوق فيها في المستقبل." وقالت اللجنة المؤلفة من ثلاثة أعضاء برئاسة الخبير البرازيلي باولو بينهيرو في تقريرها في فبراير شباط الماضي ان القوات السورية المصممة على سحق الانتفاضة قتلت بالرصاص نساء وأطفالا عزل وقصفت مناطق سكنية وعذبت محتجين في المستشفيات بأوامر من مسؤولين "على أعلى مستوى" في الحكومة والجيش. وقال التقرير "حددت اللجنة أيضا وحدات بعينها من الجيش وأجهزة الامن ومكاتبها الفرعية والتي يوجد لديها أسس معقولة للاعتقاد بأنهم ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان." وهناك أيضا أدلة على انتهاكات ارتكبتها بعض جماعات في الجيش السوري الحر المعارض. وقال تقرير الاممالمتحدة ان لديه روايات موثوق فيها تفيد أن مكتب الامن الوطني التابع للقيادة القطرية لحزب البعث استخدم لترجمة التوجيهات السياسية الى عمليات استراتيجية. واضاف تقرير الاممالمتحدة ان الجيش وقوات الامن والسلطات المدنية ومسؤولي حزب البعث قاموا بتنسيق العمليات من خلال لجان امن محلية. وتابع "في عدة مناسبات تم ايفاد مسؤولي امن كبار من العاصمة لتنسيق العمليات التي تتضمن جرائم ضد الانسانية وانتهاكات اخرى جسيمة." "نفذت معظم الجرائم ضد الانسانية والانتهاكات الجسيمة ضد حقوق الانسان في عمليات معقدة شاركت فيها اجهزة الامن باكملها ولذا تعين انها تطلبت توجيهات عليا." وذكر التقرير ان اجهزة المخابرات والامن الاربعة الرئيسية وهي المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية وادارة المخابرات العامة وادارة الامن السياسي والتي ترفع تقاريرها مباشرة الى مكتب الرئيس "كانت في قلب كل العمليات تقريبا". واضاف ان مع تطور الصراع فان وحدات الجيش النخبوية وثيقة الصلة بالقيادة وهي القوات الخاصة والحرس الجمهوري والكتيبة الرابعة وخاصة الوحدتين الاخيرتين لعبت دورا كبيرا على نحو متزايد في دمشق وضواحيها. وقال خبير دولي في حقوق الانسان لم يطلع على القائمة لكنه طالع التقرير العلني "تتوقع من المؤسسات الوارد ذكرها في التقرير ان الشخصيات الرئيسية في هذه المؤسسات ستكون في القائمة.. هناك ما يكفي من الاشارات." واضاف الخبير ان تضمن تقرير لجنة التحقيق لهذا يرجح ان تكون كلها ادلة مؤكدة لكن لا تزال في حاجة الى اثباتها في محكمة. وتابع "سينظر المحققون الى دائرته (الاسد) المقربة والنظام الدستوري ووزيرا الدفاع والداخلية وقيادات الاجهزة الامنية. ستبدأ بشبكة وادلة مؤكدة من شهود.. هذه هي المعايير." وقالت منى رشماوي رئيسة قسم سيادة القانون والمساواة وعدم التمييز بمكتب مفوضة الاممالمتحدة السامية لحقوق الانسان ان وجود القائمة يشكل ضغطا على الدول للقيام بافعال لانها تعني ان عشرات الاشخاص يمكن تقديمهم للعدالة بمجرد تمكين سلطة قضائية ذات مصداقية من مباشرة القضية. واضافت رشماوي التي قادت تحقيقا مماثلا للامم المتحدة في دارفور ساهم في توفير الادلة التي ادت الى اصدار مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير ان العديد من الدول من بينها بريطانيا وبلجيكا وكندا واسبانيا والولايات المتحدة لديها سلطات قضائية تتيح لها نظر قضايا دولية تتعلق ببعض الجرائم مثل التعذيب. وبعيدا عن تقرير الاممالمتحدة قال خبراء قانون ان هناك ادلة اخرى يمكن ان تستخدم لرفع دعوى قضائية. وقال خوان منديز مقرر الاممالمتحدة الخاص المعني بالتعذيب ان لقطات فيديو بثتها محطة "تشانيل 4" التلفزيونية البريطانية يزعم انها تظهر مرضى سوريين يتم تعذيبهم في مستشفى تدعم بشكل متزايد على ما يبدو مزاعم خطيرة تشير الى جرائم ضد الانسانية. وقال منديز الذي تعرض للتعذيب في السجن اثناء الحكم العسكري في بلده الارجنتين خلال السبعينيات في مقابلة في جنيف "فيما يتعلق بالتعذيب فانه بقدر ما كانت المزاعم خطيرة خلال الفترة ما بين ستة الى ثمانية اشهر مضت لكن هذه (المزاعم) الاخيرة تبدو اعلى بدرجة او اثنتين عن هذا المستوى." واضاف "هناك حدود لما يمكنني القيام به. يجب ان اقول انني محبط من عدم قدرتي على فعل المزيد. اود لو كانت لدي المزيد من الصلاحيات." (اعداد أشرف راضي ومحمود رضا مراد للنشرة العربية - تحرير نبيل عدلي) من ستيفاني نيبيهاي ولويس شاربونو