علي جثتي دا يبقي أخر يوم في حياتي !!! قالها الحاج صابر لصفوت بعدما طلب منه الذهاب إلي الحاج برعي ليطلب يد دعاء ابنته لأخيه خالد -ليه ياحاج صابر دا برضك أخوك -أخويا هو في أخ صغير يعامل أخوه الكبير بالشكل ده ده شخص معندهوش دم ولا احترام ولا يفكر إلا في نفسه وبعدين ياصفوت أنت لما اتجوزت فاكر عملت إيه ؟؟ -طبعاً فاكر والبنت إللي اختارتها وقتها أنت رفضتها بصراحة كنت عندك حق -وأنت كنت عاقل وسمعت الكلام برغم أنك بنيت نفسك بنفسك واتغربت وشفت المر -بس متنساش إن خالد مريض -مريض !!! ربنا يصلح حالك والله يا أخي أنا مش عارف هو اللي مريض ولا هو اللي هَيمرِضَنا ياعم إن كان علي المرض فكثير من الناس مرضي بأمراض مختلفة ومشفناش حد منهم بيعمل اللي بيعمله خالد بصراحة أنا زهقت فيه !!! -واضح إنك مصمم علي رأيك وعلي العموم أنت حر ولك كل الإحترام و..... وفجأة قطع كلام صفوت صوت واهن خافت وكأنه قادم من العالم الأخر وكان صوت الحاجة.... أم صابر والتي كانت تدخل في غيبوبة متكررة ولاتكاد تفيق حتي تفقد الوعي تكلمت الحاجه أم صابر بكلمات قليلة مقتضبة حيث قالت: -ياصابر جوِّز أخوك علشان أموت وأنا مطمنة عليه قالتها ودخلت في الغيبوبه مرة أخري وهنا أسقط في يدي صابر فلقد أصبح بين المطرقة والسندان ولم يكن أمامه إلا الرضوخ والموافقة علي الذهاب لخطبة دعاء لخالد فدينه وخلقه لا يسمحان له بمخالفة رأي أمه مخاصة أنها علي طرف الدنيا- طبعاً بإذن الله- وهو لايرضي أن تموت أمه وهي غير راضية عليه ************************ تعالت الزغاريد معلنة عن خطبة دعاء لخالد بحضور الأهل والأحباب من العائلتين وكان خالد في أسعد لحظات حياته وهو يجلس بجوار دعاء وقد أصبحت خطيبته ومرت ساعات الليل وخالد لا يكف عن الرقص والغناء مع أصدقائه ومن بعيد جلس الحاج صابر ومعه صفوت وهما يرمقان خالدا ولسان حالهما كأنه يقول له: اجلس – استرح – فالإرهاق لك مخيف وكان جُل مايخافانه هو إصابة خالد بنوبة الصرع والتي قد تأتيه في أي وقت ولا يخفي علي أحد الأثر الي سوف يحدثه هذا الأمر فهو كفيل بأن يقلب الفرح إلي مأتم ولكن الله ستر ومرت الليله هادئة ****************** داخل المستشفي حيث يرقد خالد متأثراً بجراحه وآلامه ويغط في غيبوبة متقطعة وقد جلس حسن بجواره وقد ظهر عليه التأثر الشديد نتيجة لما أ صاب عمه... ورائحة الدواء تزكم الأنوف ومشاهد المرضي مؤلمة .... وبينما تاه حسن في أفكاره وغرق في هواجسه إذا بخالد يبتسم وهو نائم مما أثار انتابهه وجعل يراقبه عن كثب وفجأة وجده وقد فتح عينيه ولأول مرة من زمن بعيد يري فيهما لمعاناً وبريقاً غير مألوفين وبدأ خالد في الكلام موجهاً خطابه لحسن: -ازيك ياحسن أنا مبسوط أوي وعاوز أخرج من هنا !!!! -بس ياعمي... أنت لسه تعبان -لا لا أنا حاسس إني سليم حاسس أني سعيد أوي وبحب الدنيا أوي... تعجب حسن من كلام عمه خاصة أنه قبل إغماءته الأخيرة كان يائساً محبطاً وكان لايريد استكمال حياته بل ولا يريد إخبار أحد بمكانه فما الذي دار في عقله الباطن أثناء الغيبوبة جعله هكذا مقبلاً علي الحياة وهنا دار هاجس مخيف في عقل حسن جعله يفغر فمه كالأبله وتجحظ عيناه من الرعب لهول مارأته في حلم اليقظة وتساءل: ( أتكون هذه صحوة ... صحوة ... صحوة الموت) ولكن سرعان ما نفض حسن هذا الهاجس المزعج من عقله ونظر إلي عمه فوجده مابين النائم والمستيقظ ووقتها لم ينتظر أكثر من هذا فهرع إلي الممرضة المسئولة والتي بدورها أحضرت الطبيب المعالج والذي قام بعمل الفحوصات اللازمة لخالد ولكن المفاجأةأذهلت الجميع أن خالد لم يكن يعاني من أي مضاعفات أو أزمات بل علي العكس من ذلك وجد الطبيب أن حالته تحسنت بصورة غير طبيعية وأن جميع وظائفه الحيوية تعمل باقتدار فأجري له فوراً رسماً للمخ فوجده قد تنبه بصورة ملحوظة وأن سبب إصابته بالإغماءات المتكررة قد زال حيث وجد أن التجمعات الدموية التي كانت توجد في مراكز الإنتباه بالمخ قد انصرفت وبدون أي جراحات كانت ستجري له في المستقبل وأصبح الآن لا داعي لإجرائها فكان هذا له بمثابةمعجزة إلاهية لم يرها منذ مباشرته لمهنة الطب فسبحان القادر علي كل شئ ولم يكن خالد يحتاج لبقائه بالمستشفي سوي أن تلتئم جروحه.... ******************
في أسفل باب الإستقبال سمع حسن أصواتا وجلبة... فنظر من شرفة الحجرة فإذا به يري أباه صابر ومعه جميع أفراد الأسرة ومعهم الحاج برعي ودعاء خطيبة عمه خالد وهم يتناقشون بصوت عالٍ مع موظف الإستقبال حيث يحاولون إقناعه بضرورة زيارتهم لخالد وهو يرفض ذلك للجميع بحجة أن هذه هي الأوامر ولكنه وعلي مضض وافق علي صعود شخص واحد فتفاوض الجميع علي من يصعد وأخيراًاستقروا علي صعود أحب شخص إلي خالد ألا وهو ....... دعاء صعدت دعاء وقلبها يكاد يطير من بين ضلوعها وقد اختلطت مشاعرها مابين حبها لخالد وخوفها عليه وإشفاقها علي حالته أو ربما إشفاقها علي نفسها !!!! وكان اللقاء حاراً مفعماً بالمشاعر الحالمة والعواطف الجياشة... ودار بينهما حوار طويل كانت دعاء خلاله حريصة علي عدم النظر إلي ملامح خالد والتي تبدلت بفعل الحادثة وإن ترك ذلك أثراً داخلياً في أعماقها و ما إن هدأت العواطف وسكتت الأفواه وزالت فورة اللقاء تنبهاً لوجود حسن والذي تظاهر بالنظر إلي الخارج من شرفة الحجرة وكأن لسان حاله يقول: يا تُري من أخبر الجميع بمكان خالد خاصةً أنه لم يخبر أحداً بذلك !!!!! ولكنه سرعان ما أدرك أنه والده... الحاج صابر... فلقد كان يشعر بحركة خفيفة ونَفَس مكتوم أثناء حديثه مع موظف المستشفي الذي جاء يخبره بمكان عمه بناءاً علي طلبه... وقد كان إحساسه في محلهفأبوه صابر كان يسترق السمع... وبيَّت في داخله هذا الأمر ولكن انتظر بعض الوقت ليعطي الفرصة لحسن أن يجلس مع عمه قدراً كافياً من الوقت لعله يقنعه بالعودة إلي الحياة فالحاج صابر علي علم بمتانة العلاقة بينهما وقطع حبل أفكاره صوت عمه وهو يناديه -ياحسن تعالي هنا بجانبي ألف حمد الله علي سلامتك ياعمي -حسن أنا عاوزك تجبلي مراية -وهنا تلعثم حسن ولكنه بادره بقوله: ليه دا أنت زي القمر و مش محتاج مراية ولا حاجة (قالها حسن وقد كان يخشي أن يصمم عمه علي طلب المرآة فتنتكس حالته عندما يري التشوهات التي حدث في وجهه نتيجة الحادثة) ولكنه فوجئ بعمه يقول له: علي فكرة أنا حاسس أن وجهي بقي شوارع ومش زعلان فكل شئ بإرادة الله ولكن الفضول يقتلني وعاوز مراية لو سمحت... -وهنا بادرته دعاء بقولها: ياحبيبي أنت لو قرد برضه بحبك المهم تخرج لنا بالسلامة عشان نتمم الفرح ولا أنت مش عاوز تجوزني ؟؟؟؟ وقعت كلمات دعاء كالبلسم الشافي علي قلب خالد ولم يتفوه بعدها بأي كلمة... وتوالت الأيام سريعة وحالة خالد تتحسن يوماً بعد يوم و جاء اليوم الموعود يوم خروجه من المستشفي وقد انتظره جميع الأهل والأحباب خارج المستشفي وكلهم لهفة لرؤيته وبينما خالد يلبس ملابسه... إذ دخل عليه الطبيب المعالج وقد ظهرت عليوجهه علامات اللهفةالشديدة وقد أثار ذلك انتباه حسن وخالد وقد ساورهما الشك والريبة وتساءل كل منهما في قرار نفسه عن سر تلك اللهفة الشديدة التي تظهر علي وجه الطبيب وقد مرت عليهما اللحظات بطيئة قبل أن يعرفا سر ذلك ؟؟؟؟ (ونكمل فيما بعد مادام في العمر بقية)