خرج صفوت من شقة خالد بعدما يئس من العثور عليه وهو ملتاع الفؤاد علي أخيه وكان لايلوي علي شئ بل ويشعر بدوار شديد يكاد يوقعه علي الأرض ولكنه تماسك سريعا وبدأ يفكر في حالة أخيه فهو ليس شخصا عاديا فهو مريض وليس بأي مرض إنه مريض بمرض خطير خطورته تكمن في أنه أثناء النوبة يجعل صاحبه قد يبلع لسانه أويسقط في نهر أو ترعة فيغرق أويرتمي تحت أي سيارة وبعد النوبة يكون كالجثة الهامدة وبعد هذه الجملة قفزت إلي ذهن صفوت أفكار سوداء فخالد قد يكون فاجأته نوبة الصرع وهو يعبر الطريق فوقع تحت عجلات إحدي السيارات فدهسته وهو إما الآن في عِدَاد الموتى أو في إحدي المستشفيات وسرعان مانفض عن ذهنه تلك الأفكار والهواجس وبدأ يفكر فيما يجب فعله الآن فاتصل بأخته صفاء(وهي متزوجة من مهندس مدني ويعيشان في نفس المدينة التي يعيش فيها خالد وخطيبته وهي مدينة ساحلية اختارها خالد ليبعد عن أخيه صابر وسطوته وليكون بجوار أخته صفاء والتي كانت بمثابة الحضن الدافئ وبئر الأسرارله .. برغم أنّ زوجها سعيد كان دائم الخلاف معه بسبب أنه كان علي صلة وثيقة بصابر وربما كانا يتشابهان في كثير من الصفات ..............) - وردّت صفاء علي صفوت فأخبرها بخبر خالد فأصابها الحزن الشديد وانعقد لسانها ثم قالت هل حاولت الاتصال بخالد علي تليفونه المحمول ولكنها سرعان ماتذكرت أن خالد لايحب حمل الجوال معه أبدا وطلبت من صفوت الاتصال بصابر وتكوين فريق بحث في المستشفيات المجاورة ومراكز الشرطة وهنا بادرها صفوت قائلا وإن استدعي الأمر فلنبحث في ......في .... في ماذا ياصفوت ....في ماذا........؟؟ !!! -ردعليها صفوت بأسي وبعد تردد شديد: -في المشرحة ياصفاء . -وهنا وقعت صفاء مغشيا عليها *************** في شرفة خالد ببيت الشباب وبعد أن وصل إلي نقطة اللا عودة وقد هداه تفكيره إلي الانتحار بأن يرمي نفسه من شرفة حجرته في بيت الشباب ولكن دينه ورصيد الفطرة السوي الذي ما زال يمتلكه قد منعاه من ذلك .. ولكنه قرّر بأن ينهي بأقصي سرعة وجوده في أسوان ولسان حاله يقول : ( نار صابر ولا جنة أسوان) خاصة أنه لم ير فيها أي جنة ولكن كيف ذلك؟!! فالأمر ليس لعبة يلعب بها ثم يقرر بعد ملله منها أن يتركها إنه عمل حكومي له قواعد وأصول خاصة أنه لم يمض عليه سوي أيام في أسوان أيام قلائل ولكنها مرت عليه كالدهر الطويل فقال موبّخا لنفسه: ياه ما أضعفك !!!! إنك تافه!!!إنك طفل كبير حقاً !!! لابد من الاتصال بصابر فهو برغم كل شئ هو الوحيد القادر علي إنقاذي وإخراجي من هنا ........... فأمسك خالد سماعة التليفون الأرضي الخاص ببيت الشباب واتصل بأخيه صابر في بيته : -آلو: أنا أخوك خالد -ازيك ياخالد عامل إيه يابني في أسوان أظنك مستمتع بجمال الطبيعة وسحر الآثار شرد خالد فأبطأ في الرد علي صابر مما دفع صابر للقول : -خالد !!!خالد!!! مالك أنت سامعني وهنا رد خالد بعد أن استجمع شجاعته المسلوبة وقوته الواهنة -صابر أنا عاوزك تنقلني من هنا وترجّعني للبلد. قال ذلك وهو يتوقع سماع مالذّ وطاب من أخيه صابر ولكن جاء الأمر علي خلاف توقعه فقد رد عليه صابر بكل هدوء: -كنت عارف إنك مش هتقدر تعيش لوحدك وأنا هحاول أنقلك في أسرع وقت - بسرعة بسرعة أبوس إيدك وانخرط بعدها في بكاء حار لو رآه الحجر لانشقّ باكيا لمواساته فأغلق صابر الخط وقد طفرت من عينيه دمعة ساخنة قلّما تنزل من عينيه خاصة في هذه المواقف التي تحتاج إلي تفكير وعمل......... ولكنها الأخوّة بل ...... الأُبّوة ************* لما وصل خبر فقدان خالد وأنه ربما قد أصابه مكروه إلي دعاء وأبيها وأسرتها تباينت ردود الأفعال خاصة عندما عرفوا بحقيقة مرضه أيضا وهو الأمرالذي هزّ كيانهم - فدعاء عاشت لحظات مذهولة وهي تتخيل نفسها زوجة لمريض بهذا النوع من الأمراض وقد جاءها شيطانها قائلا: ولِمَ تقبلين بذلك وأنت البنت الصغيرة الجميلة وألف من يريد الارتباط بك وهم من الأصحاء خاصة أنك مازلت علي البَر ولم يتم الزواج بعد!!!!!!!!! ولكنها نزعت عنها لباس إبليس وقالت لنفسها: لالا هذه خِسّة وحقارة ولن أسامح نفسي طِيلة عمري ثم إنّ هذا قدري ونصيبي من الله فضلا علي أنني أحب خالدا حب ليلي لقيس وعبلة لعنترة وجوليت لروميو فكان قرارها هو أنها لبست ملابس الخروج وذهبت مع صفوت وصفاء وزوجها سعيد ليبحثوا عن خالد حتي ولو في آخر الدنيا فلما رآهم الحاج برعي بادرهم قائلا: ياولاد إنتوا هتسيبوني هنا لوحدي خذوني معاكم فخالد برضه زي ابني ويارب يرجع بالسلامة علشان نفرح بيه هو ودعاء بنتي قال ذلك وهو يعتصر ألما علي ابنته دعاء ونصيبها ولكن ما باليد حيلة!!!!!! وخرج الجميع للبحث عن خالد بينما كان صابر يبحث هو ومن معه من العائلة في البلد بحث الجميع وبحثوا ثم بحثوا ولكن دون جدوى فاسم خالد لم يكن مدرجا في أي سجلات حكومية لا في مراكز شرطة ولا مستشفيات ولاحتي في المشرحة!!! ****************** ولعلك عزيزي القارئ تتساءل: كيف لايوجد لخالد اسم في أي مستشفي برغم احتجازه في إحدي المستشفيات الحكومية والإجابة ببساطة شديدة : انه عندما دخل المستشفي لم يكن معه أي مستندات تثبت هويته فهو قد تعرّض لعملية سرقة لكل ما معه قبل دخوله المستشفي ولكني أراك تعيد التساؤل نعم ليس معه أي مستندات للهوية ولكنّ خالدا نفسه لم يفقد ذاكرته ويستطيع ذكر بياناته لإدارة المستشفي !! ولكن ذلك عزيزي القارئ لم يحدث لأن خالد باختصار يرفض العودة للحياة فهو يراها مهزلة ولابد أن تنتهي وقد رفض إنهاءها من قبل في أسوان خوفا من الله فلِمَ يرفض تلك الفرصة الإلهية التي واتته دون عمد ؟!!!! ************ كان خالد يري في عقله الباطن ملاذا آمنا يلجأ إليه كلما دخل في الغيبوبة متأثرا بإصاباته البالغة وكان شريط حياته يمرّ أمام عينيه دون توقف وهو عاجز حتي عن إيقافه فضلا عن تغيير مساره وأحداثه وكان قد توقف عند لحظة اتصاله بأخيه صابر لينقذه من الورطة التي وضع نفسه فيها بطلب تعيينه في أسوان وكان صابر قد وعده بأن يسعي لنقله بأسرع وقت ممكن