فتحت عيني وتثاءبت كثيرا ولكني تعودت على بوق سيد المنوفي الذي يشبه صور يوم القيامة وسرعان ما كنت أول الواقفين أمام الحمام وكنت أول من تناول فطوره بنهم وسرعة فمن ذاق مرارة الجوع مرة فلن يجربها ثانية وارتديت ملابسي بسرعة فقد كانت عبارة عن جلباب أبيض وتحته سروال قصير وفي القدمين صندلا بإصبع ولعل هذا الزي له مميزات كثيرة ففضلا علي أنه خفيف ومريح وسهل الارتداء فانه يجعلك تشبه أهل البلاد الأصليين ولكنه أيضا لا يخلو من عيوب فهو لا يمكنك من الجري وراءأحد الطلاب المذنبين ولا يجعلك تعطيه شلوووووتا إن لزم الأمر ولكن إحقاقا للحق فإن العقال يقوم بالدور المطلوب علي الوجه الأكمل !!! وبدأ أول يوم تدريس لي فعليا ودخلت أحد الفصول المكلف بها حيث بلغت أربعة فصول في كل فصل ما يقرب من ثلاثين طالبا أي بحسبة بسييطة فإنني مسئول عن تدريس اللغة العربية لمئةٍ وعشرين طالبا أقل طالب فيهم يبلغ من العمر ثمانية عشرعاما برغم أنه في الصف الأول الثانوي ولا عجب في ذلك فتلك مدرسة خاصة ومعظم هؤلاء الطلبة يمتلكون مؤسسات استثمارية أخذوهاعن آبائهم والتعليم بالنسبة لهم لا يمثل إلا رفاهية أوتسلية أوإن شئت الحقيقة التعليم بالنسبة لهم لايتعدي سوي وسيلة للمرازِيّة لنا كمعلمين وإشباع لعقد نقص كثيرة عندهم إلا من رحم الله وهؤلاء قلة جدا.... ********************************* سَكّر التكييف يا أستاذ الجو برد ( اغلق) حاضر يا بني ولّع التكييف يا أستاذ ليه؟! والله الجو حارمرَّة (جدآ) يا سبحان الله الجو حار ولا بارد حار.. لا... بارد لا.. حار لا..... بارد.. جُلنا حار لا.... بارد باااااااااس رأيي هوه اللي هيمشي...... بيني وبينكم كان هذا أول اختبارلقوة شخصيتي في إدارة الفصل ولكن ماذا أفعل؟! قلت لطالب توسمت فيه الطيبة والأخلاق : افتح ياابني الشباك علشان يجيب هوا فرش من بتاع ربنا بلا تكييف بلا زفت... ماله هوا ربنا... دا حتى طبيعي وصحي وبالمرة يدخل نور وشمس.... وبذلك انتهت المشكلة وبدأت كتابة الدرس على السبورة ولكن هيصة وميصة وهرج ومرج وبمجرد أن أعطيهم وجهي إلا وجدتهم يلوذون بالصمت وما إن انتهيت من كتابة الدرس واستعددت للشرح إلا وجدت شيئا عجيبا! وجدت جميع الطلاب وهم نائمون أو بالأحرى وهم يتناومون.... فعملت على إيقاظهم فلم أفلح وكان أحدهم ينظر إليَّ بعين وعين ويخرج لي لسانه.... وأدركت أنني لست في فصل بل في جبلاية القرود... والمصيبة هي أنني لم أتعود في حياتي على أن تهان كرامتي أو يعاملني الطلاب بتلك المعاملة السيئة لكن ما أثار حفيظتي بحق هو أن معظم الطلاب كانوا يشاهدون أفلاما إباحية على شاشات الهواتف المحمولة الخاصة بهم وطبعا في هذا الوقت كانت تليفونات نوكيا الباندا والشيطان والدمعة هي أحدث ما في السوق... وهالني ما رأيت فذهبت لأحضر أحد مشرفي الدور ليكون شاهدا معي علي تلك المهزلة اللاأخلاقية وكان أستاذ خميس ذا الوجه الغير مريح... ولكن يا ليتني ما أحضرته فقد أخذني علي انفراد وقال لي : يا سيدي قولتلك قبل كده كل عيش يا حبيبي وبلاش تدخل نفسك في مشاكل مشاكل!!! آه مشاكل... بص لو عاوز تكمل معانا لازم تتكيف علي الوضع القائم ملعون دي لقمة عيش اللي تيجي بالتغاضي عن الأخلاق والسكوت عن المعاصي... يا خي دا احنا معلمين يعني المفروض نكون قدوة و..... قاطعني بابتسامته المقيتة: خلصت محاضرتك في القيم والبتنجان... ثم احتدت نبرته ورمقني بنظرات حادة: شوف أنا هاعمل إيه وتعلم مني.... دا أنا راجل خبرة... ثم تركني وتوجه إلى أحد الطلاب ممن يشاهدون تلك الوساخات : واد يا فيصل نعمين أستاذ افتح البلوتوث حقك كده ليش عشان يا ولد تبعتلي المقطع حقك والله قلبك كبييير يا خميس انجز يا ولد حاضر أستاذ ايه ده أنت غيرت الجوال حقك إيه أستاذ سويت نوكيا باندا لا الموضوع كده مش هينفع... فين جوالك القديم في البيت أستاذ بكرة تجيبه لِيَّه هدية أبشر أستاذ وبقولك ايه مش هتعزمنا اليوم على العشا في الباحة حقك والله مفجوع يا خميس وكرشك واسع ما أنت لساك واكل مندي لوحدك من يومين وبعدين ما في مكان في السيارة ليه والله الزملاء جايين معي اليوم هاركب ورا هذا مكان الخروف ماشي هاركب معاه والله مايحب حد يركب معاه أستاذ خميس هجيبلك الفون في دوام الغد وريّح بقي دماغي ماشي يا فيصل ثم توجه خميس الخسيس ناحيتي وهو لم يعلم أنني سمعت كل مادار من حوار ويا أسفا على الحمار قصدي خميس! وحقا إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم.... الرقص!!! ولكن ما الحل؟ هل الحل هو استخدام القوة اللسانية أو البدنية؟! أم في الصبر.... لعل وعسى... فمر اليوم... هكذا... كتابة للدرس على السبورة ولكن لا شرح....... وهذا يسري على الفصول الأربعة التي أدرس لها وكأنهم اتفقوا علىَّ.... ولكني صبَّرت نفسي بأني لا أعرفهم ولا هم يعرفون طباعي ويوم بعد يوم ستتحسن الأمور ولكن لا أخفي عليكم مقدار إحباطي وكآبتي وأنا في طريقي للسكن لدرجة أنني لم أكن أري الطريق أمامي ولم أشعر بأحد من حولي.... ومنظر القرود... أقصد الطلاب وهم يتغامزون ويتلامزون من حولي يكاد يمزقني إربا إربا وتذكرت حالي وأنا في مصر فقد كنت أسدا داخل الفصل وقلت في قرارة نفسي يحيا_طلاب جمهورية مصر العربية_ فعلا ما يعرفش قيمة الورد إنشالله ورد دبلان إلا اللي مسك الشوك، هيييييح.... يلا..... ربنا يصبرني ويهديهم. ****************************** مرت ليلتي هادئة وعندما عطشت ذهبت لأشتري عبوة كانز من محل بجوار السكن فهي بالتأكيد أرخص من الموية ولم أنس أن أشتري بعضا من ثمرات الفاكهة وعند عودتي تقافزت أفكار سوداء في مخيلتي عادة لا أفكر فيها إلا عندما أخلو إلى نفسي... وبينما كنت علي هذه الحالة من الشرود والسرحان إذ بي أبصر من بعيد شبحا يظهر فجأة ويختفي فجاة هذا الشبح يشبه القرد نعم القرد بنفس هيكله وخفة حركته وما أكد لي ذلك هو أنني سمعت باقي المقال: صوتا كصوته فبدأت فرائصي ترتعد وأوصالي ترتجف فوجود قرد أمامي حتي ولو كان حقيقة أمر يثير الذعر فلم يسبق لي رؤية سيادته إلا وهو حبيسا في حديقة الحيوان ولكن سرعان ما تبددت ظنوني وحلَّ محلها اليقين فعلي ضوء سيارة وجدت القرد فعلا واقعا ملموسا وللحقيقة كان شكله مفزغا ومقيتا في الوقت ذاته ولم أجد نفسي إلا وقد أعطيت الإذن لساقيَّ فجريت وجريت ولم أتوقف إلا عندما وجدت نفسي أمام باب السكن ففتحته بسرعة ودخلت وأغلقته خلفي سريعا ثم التقطت أنفاسي المتناثرة وأدخلت لساني المتدلي اللاهث كأنه لسان كلب يأكل الثرى من شدة الظمأ..... وبعد أن تمالكت أعصابي بحثت عن القرد فلم أعثر له علي أثر فتساءلت أيكون هذا وهما.... لا لا... أنا متأكد... نعم أنا متأكد.... وإلا ستكون مصيبة... فالهلاوس السمعية والبصرية من الأمراض النفسية و العصبية يا دي المصيبة أسيب بلدي علشان آجي هنا أتجنن..... ********************************** أنت بتحب القرود يا ناجي ( زميلي القاهري) اشمعنا القرود يعني ؟! بسأل بس لأ بالعكس دنا بكرهها كره العمى شجعتني تلك الإجابة علي إكمال الحوار... أصل أنا شوفت قرد وأنا في طريقي من شوية عادي.. القرود هنا كتييييير جدا علشان بتحب تسرق الفاكهة من الناس أنت مش ملاحظ حاجة ملاحظ ايه؟! مش ملاحظ أن الشبابيك هنا كلها متغطية بالحديد آه... علشان تحمي الناس من القرود آه طبعا وإلا كنت هتلاقى القرد في حضنك وإنت نايم ومش عايز أقول لك هي مفترسة span data-scayt_word="قد"