اليوم أبعد ما يكون عن الأمس؛ فمن تناحر وصل إلى حد حمل السلاح في مواجهة بعضهم البعض، الى توحد ربما يحدث للمرة الأولى بينهم وإن كان غير معلن وهو مواجهة التيار الإسلامي. هذا هو حال المثلث القبلي الذي يحكم قنا، أحد أهم محافظات التمركز القبلي في جنوب مصر، والذي لاتزال العصبية والقبلية تخيم بظلالها على المشهد السياسي فيها. ثلاث قبائل فقط تضم في طياتها مئات الآلاف تشكل مثلثا يضم بين أضلاعه الثلاث "العرب" وهي قبيلة ذات امتداد جغرافي في 8 مراكز إدارية، و"الأشراف" المتمركزين في قلب العاصمة والقرى المحيطة بها، وأخيراً "الهوارة" الذين ينتشرون في شمال قنا في خمسة مراكز. وإن كانت مؤشرات الأيام الماضية تؤكد أن شفيق وموسى سيكونان ربما أصحاب الصدارة في عملية التصويت التي تضم مليون و600 ألف ناخب هم إجمالي من لهم حق التصويت، المراقبون للوضع في قنا يرجعون سبب التوحد للقبائل الثلاث "الأشراف والعرب والهوارة" الى خسارة تلك القبائل غالبية مقاعدها في الانتخابات الماضية وإن الوقت حان للتأكيد على أن الزعامات القبلية لها كلمتها ولن ترضي بأن يكون رأس الدولة من التيار الإسلامي وهو ذات الموقف الذي يتفق معهم فيه الاقباط. شفيق وموسى ورغم أن الغالبية من زعامات تلك القبائل كانت رموزا ل"الوطني" المنحل في العهد السابق إلا أن هذا لا يغفل حقيقة أن تلك الرموز لا تزال محتفظة بقوتها داخل قبائلها وإن كانت خسرت مقاعدها البرلمانية فلا ينسى لها أن قبائلها هي التي تصدت لفكرة قانون العزل السياسي قبل أشهر مع اقتراب فتح باب الانتخابات البرلمانية ونظمت قبائلها مؤتمراً كبيرا أعلنت فيه التهديد بانفصال الصعيد وقطع السكة الحديد التي قطعتها بالفعل متحدية الجميع مع اختيار محافظ قبطي للمرة الثالثة لها ورفضت فتح الطريق أمام حركة القطارات من والى الصعيد إلا بعد تغييره وهو ما حدث بالفعل. إن ما سبق يوصل الى حقيقة مفادها أن شفيق وموسى من المؤكد أنهما سيحصلان علي النسبة التصويتية الأعلى في قنا لاحتشاد القبائل بشكل كبير خلفهما وبشكل علني وصريح. حتى الأقباط في قنا أعلنوا بشكل شبه مباشر دعمهم للاثنين بعيدا عن التيار الإسلامي بمرشحيه. ولكن هذا التفوق سواء لشفيق أو موسى فإنه يجابه تحد من قبل شباب القبائل الذي خرج عدد منهم في ثورة 25 يناير واستشهد من بينهم العديد هؤلاء الشباب غير راضين عن ترشح من يسموهم بالفلول عكس زعامات قبائلهم التي تدعمهم بشكل كامل, ويدعم هؤلاء كلا من عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين الصباحي وأسهموا في الترويج لهم بشكل كبير. ويتفق معهم في هذا الاتجاه القوى الساسة والمثقفون الذين يرون أن سقوط النظام أسقط كل تابعيه ومن عمل فيه, لكن المؤكد أن كلمة القبائل ستكون هي الحاسمة في ميزان الرئيس المنتخب التيار الديني والذي نجح في أن يقلب موازين الانتخابات البرلمانية صاحب قوة هو الآخر في قنا ترتكز على حسن التنظيم والحشد لمن هم بعيدين عن التعصب القبلي ويجيدون الحشد في اللحظات الأخيرة.