حالة من الجدل والانقسام أحدثتها الكارثة التي وقعت أمس باستاد الدفاع الجوي، وتسببت في مقتل 19 من مشجعي نادي الزمالك، بعد تدافعهم لدخول ملعب مباراة فريقهم أمام إنبي بالجولة 20 من بطولة الدوري. مساحه اعلانيه وتعاطف الكثيرون مع موقف المشجعين الشباب، مؤكدين أنهم ذهبوا لمشاهدة مباراة لفريقهم الذي يعشقونه، ولا يوجد ما يبرر قتلهم حتى ولو لم يحصلوا على تذاكر اللقاء، وذلك في الوقت الذي اتهمهم آخرون فيه برفض الانصياع لأي قانون، ورغبتهم في دخول ملاعب الكرة عنوة، وبدون تفتيش، ما يتسبب في أزمات دائمة لهم. ويرصد "كورابيا" ثلاث حقائق تحسم الجدل الدائر بين القسمين حول هوية المسئول عن الحادث، تتضمن وقائع فعلية، بعيدًا عن التبريرات الإنفعالية، والتصريحات العاطفية التي سيطرت على الإعلام، والجماهير فور علمهم بالحدث. تذاكر المباراة ولعل أول الأسباب التي ساقها الكثيرون لوقوع الكارثة كانت الطريقة التي اتبعها مرتضى منصور، رئيس الزمالك في توزيع تذاكر اللقاء، بعد أن قررت الداخلية بالإتفاق مع اتحاد الكرة، دخول عشرة ألاف مشجع فقط، حتى استقرار الأوضاع في البلاد. واتهم البعض مرتضى بتوزيع التذاكر بمعرفته، وعدم طرحها للجماهير، نتيجة لخلافاته السابقة مع أعضاء رابطة أولتراس "وايت نايتس"، ما تسبب في اضطرارها للتوافد على الاستاد دون تذاكر، ثم وقعت الكارثة، وهو أمر غير منطقي، لأن المتابع لروابط الأولتراس عن قرب، يعلم أن مسألة شراء التذاكر أمر بعيد عنهم كل البعد، فهم لا يدخلوا الملاعب إلا عنوة، ويجعلون دائمًا الأمن أمام اختيارين لا ثالث لهما إما الخضوع، وتقبل دخولهم للملعب، مع الدعاء إلى الله بعدم وجود مندسين يحملون قنابل او متفجرات بينهم، أو محاولة إبعادهم، ما يؤدي لإندلاع اشتباكات بين الطرفين. وفي أسوأ الاحتمالات، قد يقبل البعض بفرضية قيام مرتضى بتوزيع عشرة ألاف تذكرة على أعضاء النادي، وعدم طرح أي منها للجماهير - رغم عدم صدق تلك الراوية - إلا أن ذلك لا يجب أن يكون مبررًا للذهاب إلى الاستاد، ومحاولة الدخول بالقوة، دون تفتيش، وجمع أعضاء الرابطة من كافة المحافظات للحضور دون تذكرة واحدة. بيانات الجماهير وتتعلق الحقيقة الثانية بنموذج البيانات الذي تم إعداده، لتوزيعه على الجماهير الراغبة في حضور المباريات، ويشمل رقمهم القومي، ورقم الهاتف، ومعلومات شخصية عنهم. وانتقد البعض اتحاد الكرة ونادي الزمالك لإصدار استمارة البيانات، على اعتبار أن ذلك يزيد احتقان الجماهير ضد المسئولين، محاولين بذلك التأسيس لحالة الفوضى، والإبقاء عليها، خاصة وأن جميع دول العالم تسير على هذا النهج، وتحرص على تسجيل بيانات جميع الجماهير، وتراقب الأماكن المخصصة لهم في المدرجات بعدد كبير من الكاميرات، حتى تتمكن من معاقبتهم بالمنع من حضور اللقاءات، إذا ما وقعت منهم أية حالات شغب. طريقة تعامل الشرطة مع الأزمة أما الحقيقية الثانية، فتتعلق بطريقة تعامل الشرطة مع احتشاد أكثر من عشرة ألاف مشجع خارج الملعب، وفي محيط الاستاد، حيث هاجمها البعض على استخدام قنابل الغاز ضد الجموع الراغبة في اقتحام الملعب. وبغض النظر عن تحدث الكثيرين بدون علم أو خبرة حول تكتيكات الأمن، والوسائل التي يجب إتباعها لفض التجمعات مثل خراطيم المياه وغيرها، نجد أنها كادت أن تتحول لوجهة نظر صحيحة، قبل أن يحسم الطب الشرعي الجدل حول سبب الوفاة، وهو التدافع، وهو ما يؤكد أن المياه والغاز تأثيرهم مماثل، وهو تدافع الجماهير، ودهسهم لبعضهم البعض. يأتي ذلك وسط تأكيدات من البعض بأن سماح الشرطة بدخول الجماهير كان سيمنع الأزمة، لكنها فرضية تطرح سؤالًا هامًا، حول ردة الفعل تجاه الشرطة، إذا ما استغل البعض احتشاد الجماهير، والسماح لهم بدخول المدرجات في جماعات دون تفتيش، واندس بينهم مرتديًا حازمًا ناسفًا، أو حاملًا لقنبلة، قرر أن يفجرها فور دخول الملعب!! وعلى الرغم من خطأ الداخلية في الرضوخ لقرار عودة الجماهير، وسوء تنظيم اللقاء من قبل الزمالك، إلا أن تعدد الأحداث الدامية، والاشتباكات الساخنة التي كانت روابط الأولتراس طرفًا فيها، بداية من حرق مشجع للزمالك على يد أولتراس الأهلي، مرورًا بأزمات الجماهير في كرة السلة واليد، وعمل الأكمنة على الطرق لاصطياد مشجعي الفرق المنافسة، وصولًا لكارثتي بورسعيد والدفاع الجوي، يؤكد أن استمرار البحث عن سبب الكوارث المتتالية للكرة المصرية في الفترة الأخيرة، ومنذ ظهور تلك الروابط، يعد نوعًا من السذاجة، ودربًا من الجنون.