متابعتي لأحوال الساحة الرياضية وما يحدث فيها بجنباتها من مساخر ومهازل أصابتني بالاكتئاب والحقت بي القرف والاشمئزاز.. وكنت في حالة الذروة يوم الأحد الماضي عندما تنامي لعلمي الأحكام القضائية التي صدرت ضد الأخوين الهواري بالحبس.. وقبلها تابعت اختفاء أعضاء مجلس الجبلاية "الموقر" وهروبهم من ملاقاة "البعبع" في حفل زفاف كريمة أحد زملائهم ومعركة التلاسن بالألفاظ والتنابز بالألقاب وتبادل كرات النار بين المتصادمين والمتصارعين لدرجة جعلتني أوشك علي التبرؤ من انتمائي لهذه الساحة الخربة الزاخرة بالوحوش والضواري المليئة بذئاب البراري خاصة وأن تلك الساحة المحلية تحولت لغابة خلت من الأسود وحتي الفهود فتعملق فيها الأقزام.. وما كاد قلبي ينفطر وفؤادي يعتصر إلا وشهدت أمسية هذا اليوم انفراجة كبيرة وانشراحة وفيرة تمثلت في "كلاسيكو" الأرض بين النادي الملكي وممثل كاتالونيا الأشهر.. وكم كنت أسعي لتناسي موعد اللقاء وأتمني عدم اقامته خوفاً وهلعاً علي الضيوف الذين نزلوا باستاد "سنتياجو برنابيو" وينقصهم أحد أبرز أضلاع المثلث الهجومي العالمي وهو البرازيلي نيمار المعاقب من قبل الاتحاد الاسباني المهيب والمحترم والذي لم يخش أحداً ولم يجامل أحداً وتصدي لظاهرة الانفلات والتجاوز من أحد اللاعبين ضد حامل الراية وليس الحكم فتمت معاقبته بالإيقاف ثلاث مباريات.. المدهش أن الاتحاد الاسباني الراقي جداً لم يضع في اعتباره أن العقوبة التي سيوقعها علي المنفلت ستجعل برشلونة يخسر جهوده في لقائه التاريخي مع ريال مدريد والأكثر اندهاشاً ان رئيس برشلونة لم يهدد ويتوعد مثلما يحدث عندنا أقصد في غابتنا بل لجأ مجلس برشلونة للمحكمة الرياضية لتخفيف العقوبة وحتي هذه المحكمة لم تنعقد قبل موعد اللقاء وبالتالي لم يشارك نيمار.. وما زاد خوفي علي برشلونة من هذه المواجهة التصادمية الصعبة أن عاملي الأرض والجمهور ظاهر النادي الملكي فضلاً عن تواضع مستوي سواريز في المباريات السابقة.. تضافرت كل هذه العوامل لتجعلني في حالة صراع داخلي وأصبحت كالمستجير من الرمضاء بالنار.. هل الهروب من متابعة سوءات وزلات الرياضة المصرية يكون بمتابعة الكلاسيكو العالمي.. أم أن الأخير سيزيد لوعتي ويعمق وعكتي بهزيمة برشلونة المتوقعة وستكون ثقيلة.. المهم توكلت علي الله وتابعت اللقاء وكل طموحي أن ينتهي بالتعادل ولا يشهد انهيار كتالوني عنيف.. وكانت البداية ضدي بشدة فقط ضغط رونالدو ورفاقه بيل ومودريتشي وبنزيما والداهية مارسيللو وتقوقع ميسي ورفاقه انيستا وبيكيه وأوبنتيتي وبوسكيت.. تضاعفت سرعة ضربات قلبي وعلا ضغطي وزاد الطين بلة الهدف المباغت الذي أحرزه البرازيلي كاسيميرو في مرمي برشلونة قبل مضي نصف ساعة.. تصورت ساعتها ان الأمور تم حسمها لصالح الريال لكن "المعجزة" ميسي أفضل من لمس الكرة بأقدامه والذي لم ولن يجود الزمان بمثله رفض الاذعان للتفوق الملكي وأحرز هدف التعادل بانطلاقة ومراوغة وتسديدة ولا أروع في ظل ذهول الجميع.. شهد الشوط الثاني ندية ومنافسة وقوة وسرعة وكل مقومات الكرة الحديثة لما شهد طرد المنفلت "العفيجي" راموس.. ويبتسم الحظ لراكيتيتش الكرواتي فيحرز هدف السبق لبرشلونة غير ان الكولومبي رود ريجرز أحزر هدف التعادل وليرضي الجميع بالنقطة.. لكن ميسي المعجزة الأرجنتينية الذي يتفوق علي بلدياته الخارق مارادونا والبرازيلي الرائع بيليه تمكن من احراز الهدف النهائي في الدقيقة 91 قبيل النهاية مباشرة.. والي كل عشاق الساحرة المستديرة يثبت البرغوث الموهوب أنه الأفضل والأحرف والأمهر.. إنه فعلاً معجزة وليت الإنسانية تشهد تكراره رغم ان هذه الأمنية من المستحيلات كالغول والعنقاء والخل الوفي.. فلم يصل أحدهم لهذا المستوي الخارق ولن يجود الزمان الآتي بمثله.. وكل ما نتمناه ان يطيل الله في عمره ويحافظ عليه كي يواصل تقديم وجبات المتعة الدسمة التي تعوضنا عن الجوع والظمأ والهشاشة التي نعانيها محلياً.