ياله من يوم، بدأ من الساعة العاشرة صباحاً.. عندما لفت انتباهي خبرٌ كارثي، حول انفجار عنيف أمام كنيسة القديسين بالأسكندرية، والذي راح ضحيته أرواح بريئة كُتبت على أوجه بطاقاتها "الجنسية مصري"، عند قراءتي لتلك الفاجعة أخذ وميض آمالي في الخفوت، بعد آمالٍ وأحلامٍ سعيدة رُسمت أمس، بعد أن دقت الساعة الثانية عشر، وطلَّت على حياتي سنة ألفان وأحد عشر، لأصحو في اليوم التالي على أسماء ضحايا أبرياء، تَعَكَّر مزاجي مع بداية صباح العام الجديد . وجاءت ساعة مشاويري خارج بيتي الدافيء، ومع سيري على الطريق أخذ صوت كوكب الشرق أم كلثوم يداعب ذهني، وتخيلتها أمامي تلوح في الأفق وتغني لمصر بصوتها الشجي، لكنني لم أسمع هذه الأغنية من قبل، ولم أشعر بصوت الراحلة أم كلثوم حزيناً بائساً مثل ذلك الصوت، فدموعها تتطاير مع ألحان الأغنية الحزينة، وإذ فجأة حلقت عينيَّ نحو تمثال نهضة مصر بميدان جامعة القاهرة، وهنا أخذت أتأمل وأتساءل هل تشعر هذه السيدة بما يحدث اليوم، وهل ستجيبني إذا سألتها عن المستقبل . فأبحرت مع مخيلتي مرة أخرى، وأخذت أتأمل أكثر وأكثر، حتى رأيت انكسار هذه السيدة التي مثلت مصر بشموخها ناطقة بفمها العتيق: "أناديك يا ناحِتي العزيز، لقد صنعتني من حجر ورفعت جبهتي إلى أعلى وسميتني نهضة مصر، لكنني لم أعد أحتمل، لقد أتعبتني رؤى المستقبل، فالأمة تنهار وأدياننا تتآكل، وأعلم أنني سأسقط وأصبح حطاماً، تاركةً رؤيايا تتطاير حول سماء مصر في ثوبها الداكن، تاركةً آمالي لتحفةٍ فنيةٍ ناضرة تحمل أعباء مصر عنِّي، عذراً أيها المختار.. لقد أتبعتني مصر وأعمت أعيني بضبابها الأسود . يا لها من رسالة نطقت بها تحفة فنية شهدت مئات الأحداث منذ عام ألفٍ وتسعمائة وثمانٍ وعشرين، وجاءت اليوم لتتلاحم مع مخيلتي الثائرة، وحين عدت إلى البيت.. وقرأت خبراً حول إلغاء احتفالية بدار الأوبرا المصرية بمدينة الأسكندرية، تضامناً مع مأساة الشعب في ليلة رأس السنة، رسمت مخيلتي ثورةً مصرية، يتزعمها الفن المصري بإبداعاته المنحوتة والمعزوفة والمرسومة، لتقف أمام شبح الطائفية الذي يهدد أمن مصر . هيا فنحن نريد الثورات الفنية من جديد، نحن بحاجة إلى إبداع فني مصري يعزز الوحدة الوطنية، ويرسم خطاً فنياً هادفاً يحرك مشاعر الشعب المصري من جديد، الذي يعاني من الانقسام العام، فأنا أناشد جميع فناني مصر للوقوف أمام مثل هذه الأزمات، للحفاظ على وتيرة مشاعر الوطنية لأبناء مصر، في إطار فني يليق بتاريخ هذا البلد العظيم .