في عيد تحرير سيناء، فوجئنا بمنع الأمن لينا من الدخول. أقف أمام الباب أنتظر ورقة أحلامي التي ترقبتها طوال عام دراسي شاق، وفجأة تخرج ورقة تحمل التوقيع الرسمي لعميد الكلية، وتعلن أن تدريبي في ماسبيرو، أخيرًا الحلم هيتحقق.. هدخل ماسبيرو وأمشي في ممراته بين الإعلاميين والمذيعين، هدخل ماسبيرو بتاع بوجي وطمطم وماما نجوى وأبلة فضيلة، ماسبيرو يعني صغيرة على الحب ونادي السينما، ماسبيرو تاكسي السهرة والعلم والإيمان، وهمشي في نفس الممرات اللي مشي فيها عبد الحليم وبليغ حمدي وعبد المنعم مدبولي، همشي جنب الحيطان اللي سند عليها فؤاد المهندس وبابا شارو وسميحة أيوب، معقول؟ هعدي من جنب الباب اللي خرج منه صوت إعلان بيان انتصارات أكتوبر، هقضي أسبوع في قطاع الأخبار بين الكاميرات والأضواء وأكشن وstop يا سلااااااام! وعلى الفور اتجهت لمبني الإذاعة والتلفزيون، وعلى البوابة دخلت في ترقب وانبهار سائلة أحد رجال الأمن: - صباح الخير من فضلك أنا معايا ورقة تدريب و... - بوابة «واحد» مش هنا. وانطلقت بسرعة الصاروخ وعند بوابة واحد سألت الأمن: - صباح الخير أنا معايا ورقة... - في الكشك.. مش هنا. - نعم؟ كشك؟ - آه الكشك الصفيح اللي هناك.. هناك. وعند الكشك: صباح الخير هنا الكشك؟ -كشك إيه يا بنتي..إحنا بنبيع سجاير..نعم؟ بعد ما حكيت له الحكاية واديته جواب التدريب، قالي سيبيه وتعالي بعد يومين، و في الموعد كنت أمام الكشك وقابلت نفس الرجل فقالي: اسمك مقيد عندي وجاهز، ثم فتح دفترا بحجم باب العربية وسابني أدور على اسمي، لأكتشف أن فترة تدريبي بدأت منذ أسبوع، يعني قبل ما أقدم ورقي أصلاً!! لأنهم جمعوا الطلبة اللي جايين من جامعتي وقدموا قبلي، وتم تسجيلي مع تاريخهم، وبعد الخناق والعراك مكانش قدامي غير القبول وطيران أسبوع من فترة تدريبي! أخرج رجل الأمن ورقة بحجم عقلة الإصبع، وقال لي: تحافظي عليها زي عنيكي دي اللي هتدخلي بيها لحد ما تطلعي الكارنيه.. اتفقنا؟ وفي اليوم الأول خيم علي جو من الانبهار،حتى فوجئت بطابور طويل..الله؟ آخره فين الطابور ده؟و بعد التتبع.. ده الأسانسير!! انطلقنا فورا إلى الدور الخامس ونحن نمر على أدوار قنوات النيل وقطاع الأخبار والنايلT.V.، تسيطر علينا حالة الانبهار حتى وصلنا إلى أستوديو القناة الثانية، وكان برنامج من خمسة لستة على الهواء مباشرة، جلست في غرفة التحكم أراقب بعينين واسعتين، مهندسة الصوت والمخرج ومساعده. وعندما اقتربت ودققت النظر، ارتفع صوت يصرخ: وبعدين؟ إنتي ارجعي ورا عند الحيطة هناك، ما أسمعش صوت حد فيكم! وفجأة لامست أكتافي آخرين بجانبي تم تذنيبهم على الحيطة ليتم ترحيلهم على النيابة أو على قسم شرطة ماسبيرو بعد الهواء مباشرة! ودول كانوا زمايلي اللي جايين يتدربوا ككوادر فنية ناشئة..ما علينا..بصراحة الظن مش كويس قلت لنفسي إيه الغباء ده؟ ما هو أكيد هم على الهواء ومتوترين، يعني ماعندهمش وقت يعلمونا حاجة؟ أيوه هو كده أكيد. وبعد انتهاء البرنامج، ذهبت لأسأل المخرج عن بعض الأشياء التي توجد على الmixer، فوجئت بيد من حديد تضرب على يدي في فزع: «إيدك..إياكي تمدي إيدك على حاجة»، فرديت: «أنا عايزة أعرف»، قاطعتني: «خلاص خلاص إنتم ربنا بلانا بيكم، أنا عارف لازمتكم إيه؟! آل تدريب آل.. خلاص هنقفل الأستوديو كله.. بره..بره». واستمرت باقي الأيام على هذه الحال، وأصبح التدريب رحلة عذاب! وفي مرة وأنا طالعة السلم،لقيت باب أستوديو مفتوح..خبطت وقلت يا ساتر، كان برنامج هوا برده، الحقيقة الناس رحبت، بس برضه وقفوني عند الحيطة، هو إيه الحكاية؟! ودخل ضيف فقدموا له عصير، وقعد معاه المعدّ، وسأله:«تحب تتكلم في إيه؟» ده طبعا غير المهازل اللي كانت بتحصل، زي المذيعة اللي كانت بتقول اسم ضيوف الفقرة غلط، واسمهم يظهر على الشاشة غلط لكن الحلقة عدت على خير، واعتذروا للضيف لأن الوقت ما كفاش لظهوره! وخلال رحلتي في هذا الأسبوع حدثت 3 وقائع: الأولى، وأنا مروحة، لقيت الموظفين خارجين من المبني ومعهم علب لونها «نبيتي»،وعرفت إن فيه واحد بيبيع فطير في الكافيتريا اللي فوق، ففهمت ليه الموظفين مش بيبقوا على مكاتبهم لما يقرب وقت الانصراف! الواقعة الثانية في عيد تحرير سيناء، فوجئنا بمنع الأمن لينا من الدخول، عشان عطلة رسمية.. بس حضرتك إحنا تبع برنامج من خمسة لستة، وده هيطلع هوا بعد نص ساعة، مفيش ليهم أجازة...ممنوع..طب حضرتك كلّم المخرج..بصراحة الراجل كان متعاون وكلمه وقاله أيوه طلعهم، فرد رجل الأمن:«أيوه قال إنكم تبعه ووافق تطلعوا له بس النهارده أجازة رسمية وبرضه ممنوع». .وطار اليوم! الواقعة الثالثة بكره آخر يوم..بالأمر تم إنزالنا لاستلام الكارنيهات، وكل واحد يدفع 10 جنيه، فاشتريته للذكرى! وأخيرا خلص الأسبوع، من غير ما أقول كل حاجة، زي إن كل التقارير اللي من الشارع، كان المراسل بياخد رأي الحبيبة على الكورنيش، أو الموظفين العائدين من أعمالهم، وساعات كانوا بيتكرروا ويقولوا سجلنا معاكم قبل كده! وما قلتش إن عمال وموظفي بياكلوا ويسمعوا أغاني على الموبايل، بصوت عالي جدا، وأخيرا بيناموا على المكاتب وقت الذروة! إلى من يهمه الأمر، كل اللي قرأ وسمع وشاف اللي كتبته، كل اللي يقدر يعمل حاجة: إذا مررتم فجأة داخل هذه الممرات بأدوار هذا المبنى، سترون هذه المهازل، سترون كم "ساعة" يعمل الموظفون في اليوم، عفوا كم "دقيقة"؟ سترون الكوادر الشابة التي لا تتعلم سوى أن تكون صورة طبق الأصل من الموجودين، علشان الدنيا تمشي! ليس المهم أن يكون لدينا بوابات أمن إلكترونية، وليس من المعقول أن نتفاخر بإدخال كومبيوتر لا يعرف الموظفون كيفية التعامل معه! ولا أن تأخذ تصاريح لخروج المعدات، فترة طويلة، حتى يضيع الخبر، ونفقد الحدث، ولا نحصل لا على سيادة ولا ريادة ولا حتى منافسة!! في الواقع نحن خارج المنافسة ! ولا يعقل أن يستقل الإعلامي "تاكسي" ليصل للحدث؛ لأنه لا توجد سيارة توصله، فلتلقوا نظرة على الصرح الشامخ، فقد أوشك على الانحناء، ولن ينقذه البكاء، وإنما أن يُعاقب من يُعاقب ويكافأ من يُكافأ علنًا وأمام الجميع. فمن يتقن عمله يستحقه، ومن لا يفعل، فليخرج من بيننا.. قد رويت الحكاية وأرجو أن يكون للكلام فائدة، فمازال عندي اليقين ومازلت أملك الثقة. المُرسل: إعلامية على وشك الإحباط، ومتدربة لم تتعلم شيئا، ومواطنة مفروسة جدا، و طالبة شُوِّهت أمامها صورة صرح كان قدوة، وشابة طُمِسَ التاريخ الإعلامي أمامها، ودُهِسَ بأقدام الجهلاء.