فى الزمن الردئ يموت الضمير قبل أن تموت الأبدان وتخرج الأرواح كى تعود إلى خالقها ، فى الزمن الردئ يختلط الأبيض بالأسود فتتدتخل الألوان و تصبح الحياة رمادية .. بلا ملامح واضحة .. هى بالأحرى مشوهه ، فيه أيضا تصبح المعانى غامضة و الألفاظ ملتفة تحتمل أكثر من تأويل ، تصبح حياة الناس غامضة ، و يصبح الهزر حقائق ، والفضائح والشائعات أخباراً ، وكل سر بات يتردد على كل لسان ، بأعجوبة تنقلب الأمور رأساً على عقب. لم يعد أحد يحلم ، فالأحلام لا تتحقق ، وبالأساس لم يعد هناك أحلاماً ، فهى إما كوابيس أو أحلام يقظة ، الأزهار أصبحت بلا عبير ، حتى لونها بات غريباً و أصبح من الصعب التعرف عليها حين العثور عليها ، فلقد قطعتها عنوة أياد لا تعرف الرحمة كى تجعل منها هدايا سمجة ، سرعان ما تُرمى على الأرض و تدهسها أرجل غاشمة ، لقد باتت شجيرات الورود تحسد الأشجار الغير مزهرة على ما هى عليه ، إذ انها بذلك تتجنب عمليات الذبح اليومية لأزهارها و ورودها ، وفى الزمن الردئ أيضاً يذبح البعض البعض الأخر دون رحمة إما لحكم زائل أو ثروة فانية ، يذبح بعضنا أفكار الأخر دون عقل إما بالأهمال أو وضع العقبات أو الازدراء من أهميتها. فى الزمن الردئ يتحول الانسان إلى وحش يفترس كل ما يقابله ، وتصبح الرحمة سلعة نادرة لا يمتلكها سوى من حافظ على إرث قديم ورثه عن الأباء والأجداد من بقايا ضمير و إنسانية و مروءة ، فى الزمن الردئ يفقد الحب قيمته بعد أن تتوغل الانانية داخل نفوس البشر فتقتل ما تبقى من الإيثار و تنتزع الصدق لترديه صريعاً أمام الكذب الذى يحل مكانه على الألسنة ، ما عدت تعرف الأطفال أولئك صغار البشر بعد أن بات وعيهم يتشكل بفعل فضائيات لا تثير سوى الفتن ولا يشغلها سوى الربح بغض النظر عن القيمة أو المعنى ، صعب أن تجد طفل مازال لديه ما كنا نسميه قديماً ببراءة الأطفال بعد أن بتنا نعلمهم منذ نعومة أظافرهم ثقافة إنسان الغاب ، فأصبحوا يفتقدون القدوة الصالحة و صارت المطربة هى ما تطمح إليه كل فتاة ، ولاعب الكرة هو النموذج الذى يتمنى كل أب أن يصير ابنه مثله ! فى الزمن الردئ تصبح وسائل الاعلام مرتعاً للراقصات و مثيرى الغرائز فى حين يمارس الدعاة ورجال الدين عملهم فى الخفاء ، فى الزمن الردئ تصل طبعات كتب السحر والشعوذة والطبخ والأبراج إلى العشرين طبعة .. بل وتترجم إلى عدة لغات ، فى الوقت الذى لا يجد العلماء والأدباء من يطبع لهم كتبهم ، فى الزمن الردئ بات كل شئ سلعة قابلة للبيع و الشراء ، حتى البشر أنفسهم ، ألا تسمع عن إحتكار البشر تماما كإحتكار السلع ! سأترك لكم هذا الزمن الردئ ، سأرحل بعيداً .. سأغادر .. لكن إلى أين ؟! .. لا أعلم .. لكننى على يقين بأنه مازال هناك فى التاريخ المستقبلى ما يخلو من رداءة هذا الزمان الذى نحياه ألان !