نظرا لأن رئيس التحرير في إجازة من الكتابة في الطبعة الورقية، فهو يخص موقع "الدستور" بمجموعة مقالات من كتبه المختلفة.. ننشر منها اليوم مقال "الديب من ديله" أكتر حاجة تفلقك حين يقف واحد من الحزب الوطنى سواء من رموزه وقادته أو من تابعيه وكتبته، يتهم المعارضة المصرية بأنها معارضة ميكروفونات وفضائيات وأنهم لا يفعلون شيئًا سوى الحديث للفضائيات، ثم يصفون الهجوم على أسيادهم فى الفضائيات بأنه حرب ميكروفونات، وهو تعبير يقولونه وهم فرحون به جدًا كأنهم جابوا الديب من ديله (بس على الله يكون له ديل !)، والغريب أنه تعبير يفضحهم أكثر مما يحرج غيرهم، فإذا كان معارضوهم يخوضون حرب ميكروفونات فماذا يفعل الأخوة المسئولون فى الحكم المصرى سوى الرغى ثقيل الظل والثرثرة التى لا تتوقف فى برامج التليفزيون الحكومى وفى مؤتمرات سمجة يجلبون لها جمهورًا من الموظفين والمخبرين.. وتصريحات وسفريات واجتماعات كلها كلام فى كلام وميكروفونات فى ميكروفونات؟.. لكن احتقار مسئولى مبارك وكتبته للميكروفونات والفضائيات يكشف فيما يكشف عن جهل بقواعد الصراع العالمى وأدوات العصر فى إدارة معارك الأمم ( الكلمات السابقة تحتاج مدرسًا خصوصيا لشرحها لمسئولينا !!) فالإعلام الآن هو أحد أهم أسلحة الحرب السياسية والعسكرية ويلعب دورًا مذهلا فى صناعة القرار السياسى بل والعسكري.. لقد تحولت الميكروفونات إلى دبابات وطائرات وقنابل وليست موضعًا لتهكم وسخرية فارغة من سياسيين قاصرين عن فهم تطورات العصر ومقتضيات الزمن! لكن هذا التهوين والتحقير الذى يبديه الإخوة الراكبون على مقاعدهم وفى مناصبهم من قرون فى مصر المحروسة تجاه الإعلام والدعوة والفكر والمظاهرات وصيحات البطولة وصراخ الوطنية يبدو تعبيرًا عن احتقارهم للرأى العام والجماهير ورأى المواطنين فالذين ينافقون الطغاة هم الذين يضعون مستقبل وحاضر الأمة فى يد الرئيس الذى يعرف كل شيء ويفهم فى كل شيء، وملناش نحن أى دعوة بأى شيء.. عندما رقص نواب الوطنى وهتفوا لمبارك بعد إقرار التعديلات الدستورية فى البرلمان كانوا يقولون إن مبارك هو الكل فى الكل وهو الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكيف بهؤلاء المعارضين من بتوع الميكروفونات والفضائيات أن يعرفوا أكثر من واهب الكراسى ومانح الحصانات؟.. فمن الطبيعى أن يكون الرأى العام ووجهات نظر الخبراء ونظريات المفكرين ومظاهرات المعارضة والعمال والإخوان والطلاب لا تساوى لديهم شيئًا ولا يعيرون لها انتباهًا، ويتعاملون مع المظاهرات على أنها قلة مندسة وشوية عيال، لكنهم مع ذلك يعملون عقلهم بعقل العيال ويعتقلونهم بلا رحمة وبلا ضمير.. وإذا كان هؤلاء المعارضون بتوع فضائيات فلماذا تهتز الدولة أمامهم وترتجف وترتعب لدرجة حشد عشرات الآلاف من جنود الأمن المركزى ومكافحة الشغب ومباحث أمن الدولة من أجل بضع عشرات من المتظاهرين.. إذا كانت الدولة جامدة قوى كده وسبع البرمبة ولا تهمها معارضة الميكروفونات فلماذا تبدو رخيصة فى خصومتها وترمى المعارضين فى السجون والمعتقلات وتلفق القضايا للمناضلين بتوع الميكروفونات.. كل هذا والنظام سمعه ثقيل !