أجمل ما في الأدب الساخر_إذا كان يمكننا أن ندعو هذه الخطاريف أدباً_ هو أنه يمكنك أن تتريق على من و ما يحلو لك دون أن يستطيع أحد أن يفعل معك المثل و حتى إن فعل يظل ما فعله بلا قيمة لأنك سبق و اتريقت على نفسك و مسحت بيها بلاط مقالاتك عشرات المرات فأصبحت النكتة مستهلكة، لكن يبدو أن النكات في بلدنا لا تكون مستهلكة قط مهما عِدنا و زدنا فيها فما بالك إذا كانت هذه النكات تمشي على أرجل، ساعتها لن تعرف معنى أن تكون نكتة مستهلكة بل معنى أن تكون باردة، سمجة، غبية و تكسف جدا. قابلت تلك النكات البشرية عندما ذهبت لأدلى بصوتي في الانتخابات و أنا سعيدة بما وصلنا له من تقدم و أن حال البلد بدأ ينصلح ... إلخ إلخ إلخ، و بالرغم من أن شقيقتي_التي كانت متابعة في اللجان الانتخابية_ قد أعدتني لما سأجده و أخبرتني عن الانتهاكات التي تحدث أمام اللجان لكنني لم أكن أتصور كم الغباء الذي رأيته. لم أصدق عيناي عندما قامت سيدة و رجل بإيقافها -شقيقتي- و سؤالها عن أي مرشح ستعطي صوتها بالرغم من ارتدائها لبطاقة المتابعة... بطاقة كُتب عليها كلمة "متابع" بالبنط العريض لكنهما كانا منهمكين في الدعاية التي يقومون بها... منهمكان لدرجة لعينة منعتهم من ملاحظة أن تلك الفتاة متابعة و مهمتها تسجيل الانتهاكات التي تحدث، لم أعرف هل أغضب منهما لتجاوزهما هذا أم لغبائهما أثناء فعل هذا التجاوز، إذا قررنا أن نخترق القانون ألا يجدر بنا على الأقل أن نتمتع بأدنى نسبة من الذكاء لنفعل ذلك؟!!!، تركت شقيقتي بين يديهما و ابتعدت قبل أن أسدد درزينة من اللكمات لوجهيهما. أخذت أبحث عن لجنتي و أنا أشعر بالحماسة... سوف أدلي بصوتي... سوف أشارك في الانتخابات... لن يستخدم أحد صوتي بينما أنا أجلس في المنزل بعد الآن، رآني شاب ابن حلال و قد بدى علي الضياع فسألني "لجنتك رقم كام"، بعد أن أخبرته قال لي بلهجة الخبير "تعالي معايا" صعدت السلالم و أنا أشعر بنفسي بخفة الفراشة... سوف أدلي بصوتي اليوم، أخذ يخبرني كيف سأضع صوتي..." هتلاقي ورقتين... واحدة صغيرة هتختاري منها القايمة"، كنت أعرف ما سأفعله لكنني استمعت له و انا مبتسمة و سعيدة بهذا الجو، انتخابات رائعة... تجد من يدلك على مكان لجنتك و يخبرك أيضاً بكيفية التصويت... حقاً رائعة، تحولت ابتسامتي إلى ضحكت مشوهة عندما أكمل حديثة ذلك الشاب ابن ال... حلال "و الورقة الكبيرة فيها فردي هتختاري واحد عمال و واحد فئات 72... معاكي بقه الفئات 72 ماشي؟"، أخذت أضحك و نظرت له فابتسم ابتسامة دميمة "ربنا يخليلك مامتك...72" تركته و ركضت عندما انتابتنى تلك الرغبة في اللكم مرة أخرى بينما أخذ يصرخ خلفي" 72 ماشي؟ يارب تنجحي... 72؟ يارب تتجوزي" و هكذا في لحظة تحوّل رجل التوعيه إلى رجل توصيه و يالخيبة أملي. كذلك لفت نظري هؤلاء الذين يصرخون أن الحزب الفلاني يقوم بعمل دعايا و يغفلون أن حزبهم قام بها أيضاً،الجميع يرى تجاوز الأحزاب الأخرى و يرى حزبه برئ منها، كما كانت تقول جدتي _و عذراً للتشبيه_ "المعفّن مش بيشم ريحته أبداً"، حقاً لا يشمها فأغلب الأحزاب إن لم تكن جميعها كانت لها تجاوزاتها المستفزة و إن كان لبعضهم نصيب الأسد من الرعونة و قلة الأدب و البجاحة في تجاوزاتهم. عزائي الوحيد هو القاضي البشوش و زملاءه الذين بدوا فرحين بي في اللجنة، قد يكون ذلك لأنني بدون كال "هبلة" و أنا أسألهم بحماسة "أمضي فين؟" ،" الورق فين؟" ، "الحاجز فين؟"...قد يكون ذلك بسبب قلمي الذي طمعوا فيه و قلّبوه مني لكن لا يهم، لقد وضعت صوتي و أنا سعيدة و مبتهجة و متفائلة بالمستقبل و إن كانت هذه الأحاسيس موقته زالت بخروجي من اللجنة لتتقاتل على صوتي "الذي وضعته" الأحزاب التي يقف المروجين لها خارج اللجنة... يا عالم أنا حطيت صوتي خلااااص، لكن لا حدود لسخافة النكتة ما دامت غير مستهلكة، غبية... عمياء... مُضلّله و معندهاش دم لكنها من وجهة نظر أصحابها غير مستهلكه و قابله للتكرار حتى اللحظة الأخيرة و ما بعدها