على الرغم من مشاهدتى مسرحية الملك هو الملك أكثر من مرة.. سواء على المسرح أو فى التليفزيون.. فإنه إذا حدث وتكعبلت فيها ذات مرة فى أثناء تقليب القنوات لا أستطيع سوى أن أفعل شيئا واحدا.. أصمت وأتابع وأتفرج وأنا ساكت.. وهذا هو ما حدث مؤخرا.. فى ثالث أيام العيد.. حيث كنت أمرر يدى على الريموت فوجدتها.. فصمت وتابعت واتفرجت وأنا ساكت.. «الصحرا عذاب ومتاهه.. والحلم أخضر وعجيب.. وأنا كل ما أقول التوبة.. ترمينى المكاتيب»! كانت المرة الأولى التى أشاهدها فيها بعد الثورة.. وهو ما اعتبرته بمثابة خير دليل لى فى تلك التوهة الصحراوية والبعثرة الشعورية التى أعانى منها شأنى فى ذلك شأن الجميع اليومين دول.. فبينما التفاؤل عمال على بطال يرقى إلى مرتبة الهبل.. فإن التشاؤم طوال الوقت يرقى إلى مرتبة الحماقة.. وأنا شأنى فى ذلك شأنكم جميعا.. تتراوح مشاعرى فى هذا الصدد بين التفاؤل شوية، من منطلق أن التشاؤم حماقة، ثم التشاؤم شوية من منطلق أن التفاؤل عبط.. أود قفش تلك المنطقة الفاصلة بينهما.. أود الوصول إلى ذلك التوازن الشعورى الذى يمكننى من وضع الثورة فى جملة مفيدة وحقيقية ومعبرة، دون أن أبدو أمام نفسى متفائلا لحد العبط أو متشائما لدرجة الحماقة.. لهذا رأيتها فرصة مناسبة لأختبر حقيقة مشاعرى تجاه ما حدث فى مصر مؤخرا.. هذا الذى سميناه «ثورة».. بينما سماه آخرون «أحداث».. مجرد أحداث تم التعامل معها.. أى نعم التضحيات كانت كبيرة.. ولكن تم التعامل معها والحمد لله.. المصلحة قضيت! بدأ الاختبار النفسى وانهمكت مع عبقرية كتابة سعد الله ونوس وروعة أشعار أحمد فؤاد نجم، وتمكن إخراج مراد منير، وإبداع أداء وتشخيص محمد منير وصلاح السعدنى ولطفى لبيب وحسين الشربينى وعلى حسانين وفايزة كمال، وجرأة إنتاج محمد فوزى.. ها هو الاختبار يسير على خير ما يرام.. ها هى اللعبة التى يقرر ملك زهقان أن يلعبها ذات مساء تنقلب عليه.. ها هو الملك يعطى عرشه لصعلوك من عامة الشعب لمدة يوم أملا فى أن يضحك قليلا، ولكن ها هو المواطن العادى الصعلوك البسيط يصدق اللعبة وها هم من حوله يتعاملون معه كأن شيئا لم يختلف.. وها هو الملك السابق يقف مذهولا وهو يسأل رئيس وزرائه.. «أأنا مسحور.. ألم يتعرف أحد على سحنته.. ألم يلاحظ أحد وجهه؟!».. ليجيبه رئيس الوزراء.. «ليس للملك سحنة أو وجه»! إذن.. يتعامل الجميع مع رداء الملك وليس مع من يرتديه.. الوجوه لا تهم فى كثير أو فى قليل.. الذى يهم حقا من هو الملك الآن.. هذا هو الذى يهم.. أنه كان هناك ملك.. ثم أصبح هناك ملك جديد.. ملك يرى أنه «لن يحمى هذا العرش إلا الحديد».. ملك يحب البلطة لدرجة بكاء السياف غيرة منه على حبيبته التى ينازعه فى حبها الملك.. «أيها السياف.. منذ اليوم ستظل إلى جوارى.. ستصبح البلطة ساعدى وذراعى».. الملك الجديد يتكلم مثل الملك القديم لدرجة أن الملك القديم نفسه يتساءل.. «من أنا؟!.. بل من هو؟!».. الملك الجديد يقرر ميثاق شرفه الجديد وسط حاشيته وألاضيشه الذين لم يختلفوا كثيرا ويبحث عن تطهير نفسه على الطريقة الملوكى.. «سأريق الدم.. فلا شىء يطهر الملوك مثل الدم»! مع التعمق فى المشاهدة لم أشعر باختلاف كبير فى انعكاس الأحداث على مشاعرى قبل الثورة عنها بعد الثورة.. نفس الشجن الدفين المتصاعد من أعماق الروح في أثناء غناء منير.. «سألت شيخ الأطبا.. دوا الجراح اللى بيا.. نظر لى نظرة محبة.. وقال دوايا بإيديا».. أقلق عندما أشعر بنفسى أفكر فى الدواء.. يا نهار أسود.. أليس هذا هو الدواء الذى من المفترض أننا قد أخذناه بالفعل؟! أنحّى شعورى بالقلق جانبا وأعتبره انفعالا عاديا بجرعة الفن العالية.. ولكن يتزايد قلقى مع جملة النهاية الأخرانية خالص فى المسرحية.. عندما يسأل شهبندر التجار أحد الأعيان.. «ألم تلاحظ أن سحنة الملك قد تغيرت»؟!.. ليجيبه الرجل.. «نعم.. فقد أصبح ملكا أكثر»! المصدر : جريده التحرير