رئيس جامعة كفر الشيخ يستقبل وفدًا من "ماسترخت الهولندية" لبحث سبل التعاون المشترك    «الصحة» تنظم برنامج تدريبي للإعلاميين حول تغطية الشؤون الصحية والعلمية    البنك المركزي يعلن تراجع معدل التضخم الأساسي إلى 27.1% خلال مايو 2024    محافظ مطروح: توصيل شبكات الرصد المرئي والاتصالات والغاز في العديد من المناطق السكنية    بلينكن في إسرائيل للدفع بجهود التوصل لوقف لإطلاق النار في غزة    بعد واقعة مدرس الجيولوجيا بالصالة المغطاة.. الشباب والرياضة تكشف إجراءات لمنع تكرار الأمر    لاعبو الزمالك يخوضون تدريبات بدنية في صالة الجيمانيزيوم    بحوزته كيلو هيروين.. حبس تاجر مخدرات في مصر القديمة    آسر ياسين يروج لشخصيته في فيلم "ولاد رزق 3- القاضية"    بكاء ومرض.. لهذا السبب لميس الحديدي تتصدر مؤشر جوجل    غدًا.. ولي عهد الكويت يتوجه إلى السعودية في زيارة رسمية    البابا تواضروس يدشن كنيسة القديس الأنبا أبرآم في ذكراه ال 110 بالفيوم    اقتراح برلماني بتشريع خاص بحماية التراث الثقافي غير المادي    منتخب مصر للبليارد يحقق 4 ميداليات فى بطولة العرب والبحرين تحصد ذهبية الفرق    المرصد المصري للصحافة والإعلام يُطلق حملة تدوين في "يوم الصحفي المصري"    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    ماكرون يعلن حل البرلمان ويدعو لإجراء انتخابات في نهاية يونيو واليمين يُعلن "استعداده" لتولي السلطة    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    قصور الثقافة تواصل فعاليات ورشة إعادة تدوير المخلفات بالإسماعيلية    عضو «العالمي للفتوى»: يجوز للمرأة صلاة العيد في المساجد والساحات    قافلة جامعة قناة السويس الطبية تفحص 115 مريضًا ب "أبو زنيمة"    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    رحلة العائلة المقدسة إلى مصر حماية للمسيحية في مهدها    حورية فرغلي دكتورة تبحث عن الحُب في مسلسل «سيما ماجي»    جمع مليون جنيه في ساعتين.. إخلاء سبيل مدرس الجيولوجيا صاحب فيديو الدرس الخصوصي بصالة حسن مصطفى    أخبار الأهلي : 5 مرشحين لخلافة علي معلول فى الأهلي    هيئة الدواء تقدم الدليل الإرشادي لتأمين أصحاب الأمراض المزمنة فى الحج    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    توفير فرص عمل ووحدات سكنية ل12 أسرة من الأولى بالرعاية في الشرقية    المنيا تعلن استمرار فتح باب التقدم في المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية    اسكواش - مصطفى عسل يصعد للمركز الثاني عالميا.. ونور الطيب تتقدم ثلاثة مراكز    «القومي للبحوث» يوضح أهم النصائح للتغذية السليمة في عيد الأضحى    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    إعلام إسرائيلى: قتلى وجرحى فى صفوف الجيش جراء حادث أمنى فى رفح الفلسطينية    ياسمين عبد العزيز ترد على رسالة أيمن بهجت قمر لها    «مودة» ينظم معسكر إعداد الكوادر من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    الرئيس الروسي يزور كوريا الشمالية وفيتنام قريبا    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    الأوقاف: افتتاح 27 مسجدًا الجمعة القادمة| صور    وزيرة الهجرة: نعتز بالتعاون مع الجانب الألماني    أمين الفتوى بدار الإفتاء يوضح آداب ذبح الأضاحي في عيد الأضحى (فيديو)    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته ببسيون لشهر سبتمبر لاستكمال المرافعات    تاريخ فرض الحج: مقاربات فقهية وآراء متباينة    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    "أتمنى ديانج".. تعليق قوي من عضو مجلس الزمالك بشأن عودة إمام عاشور    ضياء رشوان: لولا دور الإعلام في تغطية القضية الفلسطينية لسحقنا    سرقا هاتفه وتعديا عليه بالضرب.. المشدد 3 سنوات لسائقين تسببا في إصابة شخص بالقليوبية    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    وزير التعليم العالي يستقبل وفدًا من مجموعة جنوب إفريقيا للتنمية «SADC»    أخبار الأهلي : ميدو: مصطفى شوبير هيلعب أساسي على الشناوي و"هو ماسك سيجار"    جالانت يتجاهل جانتس بعد استقالته من الحكومة.. ما رأي نتنياهو؟    مناسك (4).. يوم التروية والاستعداد لأداء ركن الحج الأعظم    جامعة القاهرة تطلق قافلة تنموية شاملة لقرية الودي بالجيزة    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    النسبة التقديرية للإقبال في انتخابات الاتحاد الأوروبي تقترب من 51%    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمرو الشوبكى يكتب :الاسلاميون بين الديمقراطيه والدستور
نشر في كلمتنا يوم 18 - 08 - 2011

تحول سجال الدستور إلى معركة خطيرة بين التيارات الإسلامية والقوى المدنية حتى باتت تمثل تهديدا للتجربة الديمقراطية الوليدة، واستند الإسلاميون فى موقفهم إلى أن هناك استفتاء شعبياً حدث وبمقتضى نتائجه تحدد المسار الذى ستسير فيه البلاد، ويبدأ بانتخابات تشريعية تختار برلماناً ينتخب بدوره اللجنة التى ستكتب الدستور، وبالتالى لا توجد حاجة لإعلان دستورى جديد يتضمن مواد حاكمة للدستور أو مواد أساسية على اعتبار أن ذلك يمثل قيدا على إرادة الجماهير واختياراتها لمواد هذا الدستور.
فى حين رأت القوى المدنية أن صدور إعلان دستورى يتضمن المبادئ الأساسية للدستور بعد توافق القوى السياسية عليها لا يتعارض مع المسار الذى استفتى عليه الشعب، لأن المجلس العسكرى سبق أن أصدر إعلاناً دستورياً رحب به الإسلاميون دون سند شعبى، وأن صدور إعلان دستورى ثان يتضمن ما تتوافق عليه القوى السياسية لا يخل بموضوع الإرادة الشعبية، لأن الدستور الذى ستكتبه اللجنة سيعرض فى كل الأحوال على الاستفتاء الشعبى.
والحقيقة أن الصراع حول الدستور يعكس صراعا أعمق حول ثقة قطاعات كبيرة من التيارات المدنية فى مدى إيمان التيار الإسلامى بالديمقراطية وأن معركة الدستور شكلا هى معركة حول الديمقراطية مضمونا.
وإذا كان من المؤكد أن خطاب بعض التيارات الإسلامية يمثل خطرا حقيقيا على الدولة المدنية والديمقراطية، إلا أن هذا لا يعنى أن كثيراً من التجارب الاستبدادية جاءت من نظم حكم ادعت المدنية والقومية كنظام البعث فى العراق وسوريا أو نظام القذافى المخرب بجانب نظم الفشل الدينية فى السودان وأفغانستان.
والحقيقة أن الوضع فى مصر يمثل فرصة تاريخية لإحداث «دمج آمن» للجسم الرئيسى من التيار الإسلامى فى العملية الديمقراطية، وتحويل أيديولوجية كلية وشاملة تمثلها تيارات الإسلام السياسى إلى ممارسة سياسية فى التفاصيل (مناقشة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية: تعليم، صحة، مواصلات) عبر أطر ومؤسسات ديمقراطية، وهى فرصة لم تتح لتجارب أخرى عرفها العالم العربى حين كانت الوسيلة الانقلابية هى طريق التغيير، فكانت كلها تجارب غير ديمقراطية، سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية.
ومع ذلك ظل هناك تيار واسع من القوى العلمانية داخل مصر وخارجها يرى أن معضلة التيار الإسلامى فى بنيته الفكرية التى هى بحكم التعريف والطبيعة تمتلك عيوبا هيكلية تحول دون انفتاحها الديمقراطى، وتتجاهل السياق السياسى والاجتماعى المحيط بها، والقادر، فى حال إذا كان سياقا ديمقراطيا على أن يعيد تشكيل الخطاب الإسلامى وفق قواعد جديدة توائم بين مرجعيته الإسلامية وقواعد الديمقراطية.
والحقيقة أن تاريخ كل الأفكار والحركات السياسية لم يكن مجرد نص فكرى منفصل عن سياقه السياسى، بل كان نصا مندمجا فى هذا السياق، فمن الصعب أن نفصل الشيوعية الأوروبية التى راجت فى الستينيات والسبعينيات عن السياق الليبرالى الذى عاشته أوروبا الغربية، وأدى إلى تحول أغلبها من أحزاب ثورية تهدف إلى قلب الأسس، التى يقوم عليها النظام الرأسمالى القائم إلى تجارب اشتراكية ديمقراطية أصبحت جزءاً من المنظومة الرأسمالية والديمقراطية القائمة.
والمؤكد أنه حين جاءت قوى سياسية من خارج المنظومة السائدة أو الحاكمة، فإنها التزمت بالقواعد القانونية القائمة حتى لو كانت خطأ أو لا ترضى عنها كليا، ثم عبر الممارسة الديمقراطية استطاعت أن تعدلها. وأصبح وجود قاعدة قانونية ودستورية تحكم الخلاف والمنافسة السياسية بمثابة عنصر ضامن لإدماج الإسلاميين أو غيرهم فى العملية الديمقراطية وليس العكس كما يتصور البعض.
إن الرسالة التى قدمتها الخبرة التركية تدور حول هذه المسألة، فقد نجحت فى أن تفرض على كل أطراف الساحة السياسية، بما فيها الجيش، احترام قوانين الدولة ودستورها العلمانى على تطرفه، وهذا ما جعل التيارات السياسية المختلفة، خاصة الإسلامية، تعرف قواعد اللعبة وسقفها، فإذا احترمتها (حتى لو اختلفت مع بعض جوانبها) كما فعل حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإنها يمكن أن تغيرها كما فعل مؤخرا مع أهم ركن من «ثوابت» النظام التركى وهو الدور السياسى للجيش.
أما المشهد المصرى فإن أخطر ما فيه أن الإسلاميين الذين ناضل كثير منهم من أجل الحرية واضطهدوا لسنوات طويلة سعداء بأنهم هم الذين ستكون لهم اليد العليا فى وضع الدستور الجديد، ويهددون المجلس العسكرى والقوى الأخرى بمليونيات تحريضية تدمر فرصة تاريخية لدخولهم لأول مرة إلى الحياة السياسية عبر أحزاب قانونية وليس جماعات دعوية اضطهدت أغلب الوقت.
فحين يشعر فريق بأن الإخوان وحلفاءهم السلفيين سيحصلون على نصف مقاعد البرلمان فهذا فى حال حدوثه سيعنى إمكانية أن يقودوا حكومة، بما يعنى أننا أمام تحول تاريخى فى مصر ستكون له تبعات كثيرة محليا وإقليميا ودوليا، وهو الأمر الذى يستلزم كسر حالة الاستقطاب السائدة فى المجتمع، ونسج مجموعة من التوافقات مع قوى مدنية حقيقية وشبابية جديدة، كما فعل حزب العدالة والتنمية، الذى كان سبب نجاحه واستمراره فى الحكم أنه لم يكن حزبا أحاديا فى إدارة علاقاته بخصومه من المدنيين والعسكريين.
وإذا كان من غير المطلوب أن تنقل التجربة التركية بحذافيرها فى مصر، لأن الواقع الثقافى والقانونى والدستورى فى أرض الكنانة يسمح بوجود أحزاب إسلامية، فإن هذه الأحزاب مطالبة حين تقرر تأسيس حزب سياسى بأن تؤمن بالديمقراطية ومدنية الدولة وهو ما لايزال يصرح بعكسه قادة أحزاب شرعية إسلامية بصورة تعكس عدم اتساق كامل مع النفس، بتأسيس حزب سياسى فى نظام ديمقراطى، وفى نفس الوقت ترفض قواعد هذا النظام الذى ارتضت على أساسها أن تؤسس حزبها.
إن تمسك التيارات الإسلامية برفض التوقيع على وثيقة المواد الأساسية أو الحاكمة للدستور، رغم اتفاق كثير منهم على مضمونها، ورفضهم أن تخرج فى إعلان دستورى آخر، رغم أنهم رحبوا بالإعلان الأول، وسبق أيضا أن صوتوا بنعم على التعديلات التى جرت على دستور 71 يعنى قبولهم بإمكانية العمل بالدستور القديم «محَسّن»، وعادوا الآن ورفضوا بضع مواد أساسية تحكم كتابة الدستور الجديد.
أفهم مبررات الإسلاميين فى التحفظ على هذا المسار نتيجة لوجود استفتاء حسم الأمر لصالح مسار آخر، ولكن الموضوع أكبر بكثير من مسألة الإعلان الأول (الذى لم يستفت عليه الشعب) والإعلان المحتمل (الذى لن يستفتى عليه الشعب أيضا)، إنما فى الوعى بتلك اللحظات التاريخية حين تلوح فى الأفق فرصة حقيقية لدخول الإسلاميين بعد طول استبعاد إلى الساحة القانونية، بل أيضا يرشحهم الكثيرون لكى يصبحوا أكبر كتلة فى البرلمان، فإن هذا القادم السياسى الجديد (رغم قدمه الثقافى والتاريخى) يثير تلقائيا شعوراً بالرفض والريبة والخوف وهى كلها أمور كانت تحلها القوى الجديدة فى كل المجتمعات، التى عرفت تجارب مشابهة بتقديم تنازلات ورسائل تطمينية حتى تستطيع أن تنال ثقة من فى الحكم ومن فى الشارع معا.
علينا ألا ننسى التحديات والمشكلات التى عرفتها أوروبا الليبرالية، حين كان يطرق أبوابها أحزاب اشتراكية وشيوعية فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى (قبل دمج الجميع مع بداية الثمانينيات، واختفاء البعض مع بداية التسعينيات)، وكيف أن هذه البلاد ذات المؤسسات الديمقراطية الراسخة كانت تحشد كل الإمكانات من أجل منع هذه الأحزاب من الوصول للسلطة (أقامت الولايات المتحدة فى منتصف السبعينيات جسراً جوياً لنقل عشرات الآلاف من الإيطاليين إلى بلادهم للتصويت ضد وصول الحزب الشيوعى للحكم)، كما يمكن أيضا أن نسترجع الانقلابات التركية، حين كان شبح الإسلاميين يقترب من السلطة وما جرى فى تشيلى من انقلاب ضد الحزب الاشتراكى الحاكم والمنتخب ديمقراطيا وغيرها.
صحيح أن الوضع فى مصر مختلف وأن العالم أيضا قد تغير ولكن «فزاعة الإسلاميين» فى داخل مصر وخارجها أكبر ربما مما يتصوره الإسلاميون، وأن الطريقة التى يطرقون بها أبواب المشهد السياسى الحالى تجهض فرصتهم فى تحقيق إنجاز تاريخى وهى أن يشارك الإسلاميون فى نهضة هذا الوطن عبر قواعد ديمقراطية ودستور مدنى لجمهورية حديثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.