أشكر الشيخ وجدى غنيم شكرا جزيلا على صدقه وشفافيته. أخيرا نطق علنا بما يقوله الإسلاميون سرا «الديمقراطية قائمة على الكفر». لو قلنا ذلك عنهم لاتهمونا بالافتراء عليهم، وبأننا جزء من حملة «صهيونية أمريكية إفريقية مريخية» لتشويه صورتهم. من يقول لكم غير ما قاله الشيخ وجدى غنيم فاعلموا أنه يتحدث تقية، يدلّس، يقول كلاما يحتمل وجهين. يقولون -علنا- إن الديمقراطية لا تعارض الإسلام لأن القرآن قال: «وأمرهم شورى بينهم». لكنهم يدرِّسون لأتباعهم فى المساجد شيئا آخر تماما. يقولون لهم إن الديمقراطية كفرٌ بيِّن، لأنها تنزع الحاكمية من الله وتعطيها للشعب. ويعلمونهم أن الشورى المذكورة فى القرآن تختلف عن «ديمقراطية الدهماء» فى أمرين أساسيين، أولا: أنها شورى فى ما ليس فيه نص. وثانيا (وهو الأهم هنا): أنها ليست لعموم الناس، بل شورى بين أهل الحل والعقد، العدول الضوابط. بمعنى أنها شورى مقتصرة على طبقة معينة من «العلماء والرؤساء ووجوه الناس» على حد قول التفتازانى، وليست ديمقراطية يتساوى فيها العالم والجاهل والرئيس والبسيط ووجوه الناس ورعاعهم. بمعنى ثالث، فى دولتهم لن يعرض الأمر على الشعب كى يكون لكل فرد فيه صوت واحد على قدم المساواة مع الآخرين، بل سيعرض الأمر فقط على مجلس مكون من العدول الضوابط (مجلس شورى الجماعة الفائزة) كى يقرروا «ما فيه صلاح الناس». أوليس هذا شبيها بالبرلمان؟ أسمعك تسأل، وأؤكد لك أن لا. لأن أهل الحل والعقد لا يُنتخَبون انتخابا حرا، إنما يُختارون، إما اختيارا مباشرا، أو من خلال تصفية المرشحين تصفية تامة لكى يكون كلهم من «العدول الضوابط» المعروفين بصلاح دينهم، ويستطيع الشعب بعد ذلك أن يختار من هؤلاء العدول الضوابط، الذين سبق لأولى الأمر أن «رضوا عنهم». الأخطر من ذلك لدى الإسلاميين أن الفقه الإسلامى يعترف بأربع طرق فقط لعقد البيعة (اختيار الإمام أو الأمير أو الخليفة أو الحاكم). أولا: النص، أى أن ينص القرآن أو السنة على شخص بعينه (كما اختار الرسول أبا بكر، حسب رأى أهل السنة)، وهذا انتهى بانقطاع الوحى ووفاة النبى. ثانيا: الاستخلاف (كما استخلف أبو بكر عمر بن الخطاب، وكما استخلف الحكام خلفاءهم فى التاريخ الإسلامى). وهذا أيضا انتهى لغياب الإمام العادل الذى يستخلف من بعده إماما. الثالث: بيعة أهل الحل والعقد (كما اختار الستة الذين سماهم عمر عند موته عثمان بن عفان أميرا). وهذا مستحيل حاليا -بالنسبةإلى الإسلاميين- لأن أهل الحل والعقد الذين يُرضَى دينهم لا سلطان لهم. وتبقى الوسيلة الشرعية الرابعة: القهر والاستيلاء. «فإذا مات الإمام وتصدى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له، وإن كان فاسقا...». الإسلاميون يؤمنون بهذا الفقه، لا بالديمقراطية ولا بغيرها من المفردات السياسية الحديثة. ربما يفسر هذا رفضهم التام للاتفاق على أى ضمانات دستورية تضمن الحقوق الأساسية للشعب ولو فى حدها الأدنى، حقه فى أن لا تُحتكر سلطة الحكم بعد الوصول إليه وتُسد الطريق على الآخرين. من حقكم طبعا أن لا تصدقونى. لكن، على الأقل، صدقوا الشيخ وجدى غنيم. إن قال لكم أحدهم «طبعا نريد ديمقراطية، ولكن ديمقراطية محكومة بأحكام الإسلام»، فاسألوه عن معنى هذا، عن التفاصيل. اسألوه عن شكل هذه الديمقراطية. اسألوه عما يوافق أحكام الإسلام من مفردات الممارسة الديمقراطية وما يخالفه، وستجدون أنه قلّص الديمقراطية إلى شىء لا يشبهها إلا فى اسمها. إن آفة مجتمعاتنا العظمى، كما نردد جميعا، هى أننا لا نقرأ، وإن قرأنا لا نفهم حجم الخطر وجديته. وقد آن الأوان لكى نغير هذا، وأن نتحرى هذه الأسئلة التى ستحكم مصير أمتنا المصرية. كلمة أخيرة: ليس هذا مقالا عن المفاضلة بين الديمقراطية والشورى. إنما مقال عن الصدق والكذب. حديث الشيخ غنيم: http://www.youtube.com/watch?v=dS2X1lPbGi0