من المستحيل أن تكون رافضا فكرة أن يضمن المصريون حدا أدنى للأجور يكفل لهم معيشة كريمة، قد تكون غير مهتم بهذا المطلب، لأنك تعيش حياة كريمة وتحقق دخلا كبيرا يتجاوز الحد الأدنى المطالب به، ولكن صدقنى لن تستمتع بحياتك وأنت محاصر بالجائعين، لن تستقيم حياتك فى مجتمع مقسوم إلى نصفين، الأول يمتلك سيارات فارهة والثانى ينجب أطفالا تجرح هذه السيارات طوال الوقت بمسامير صدئة. من المستحيل أن تكون رافضا فكرة تطهير الداخلية وعودة الأمن إلا لو كنت حضرتك تاجر مخدرات أو بلطجيا أو مرشدا يتكسب قوته من تسليم جيرانه وأقاربه لأمناء الشرطة، من المستحيل أن تكون رافضا المحاكمة العلنية الحاسمة لرموز الفساد والإفساد إلا لو كنت حضرتك تخاف من أن «تيجى رجليك فى هذه المحاكمات»، من المستحيل أن تكون رافضا فكرة منح رئيس الحكومة صلاحيات واسعة لتطهير كل مؤسسات الدولة، إلا إذا كان عند حضرتك حساسية من «الديتول» . من المستحيل أن تكون رافضا فكرة رعاية مصابى الثورة وتكريم شهدائها وصرف مستحقاتهم ومحاسبة قتلتهم وأنت تعرف جيدا أنهم شباب خرجوا فى كلمة حق أمام سلطان جائر دون أن يكون لديهم أى طموح آخر بخلاف أن حضرتك تعيش فى وطن عادل، ربما أنت لا ترتاح لفكرة أن يتحول دم الشهداء إلى لبانة فى فم البعض الذين قد يتاجرون بها لتحقيق مكاسب خاصة.. لكننى على ثقة أن حضرتك على قدر من الذكاء يسمح لك بالتفرقة بين المتاجرين والصادقين. من المستحيل أن تكون رافضا فكرة تطهير القضاء إلا لو لم يسبق لك أن طاردت قضية لك فى المحاكم تحاول أن تثبت فيها حقك وضاعت منك سنوات طويلة لإثبات هذا الحق دون فائدة، من المستحيل أن تكون رافضا فكرة تطهير المحليات إلا لو لم يسبق لك أن اضطررت لدفع رشوة فى كل مرة تحتاج فيها إلى تصريح ما أو ترخيص ما من المحليات، من المستحيل أن تكون رافضا تطهير الإعلام إلا لو كنت حضرتك لا تتابع إلا قنوات ال«شو تايم» فقط. أغلب الظن أن حضرتك لديك تحفظات على أداء الثوار، ومعك الحق أحيانا لأن الثوار ليسوا ملائكة ومن الوارد أن يخنهم التوفيق أحيانا، لكن لا بد لحضرتك أن تأخذ بالك من أن معظم الناس فى مصر حاليا يعلون ويتحركون من خلال حسابات شخصية وقائمة من المصالح الخفية، ما عدا ثوار التحرير. الأحزاب تقوم والجماعات تنتفض وكلهم يتعاملون مع الثورة كأنها ضريح يزورونه لأخذ البركة ثم يقومون بتفعيل هذه البركة من أجل مقعد فى برلمان أو فى قصر عابدين، وحدهم يظلون المجاذيب المحلقون المقيمون حول هذا المقام بلا أى طموحات فردية لأنهم يحلمون أن تسرى البركة والنفحات إلى جميع أنحاء البلد. مجاذيب الثورة هم الذين يحملون الأسرار، وقادرون ببراعة على التمييز بين نيات كل من يدخل إلى هذا المقام، عاطفيون جدا ويستفزهم أن يسىء أحدهم الأدب فى هذا المقام مهما كان شأنه. يقعون فى أخطاء بلا شك، لكن الرهان عليهم وعلى وعيهم الذى زلزل الأرض من حولنا ما زال قائما، أراهن على أنهم يعرفون أن الاعتراف بالأخطاء وتصحيح المسار هو عين الثورة، وأنه لا يضر الثورة أبدا أن تقسو على نفسها بنفسها حتى تستخرج أفضل ما فيها. أنا متأكد أنهم يعرفون أنه لم يعد باستطاعة الواحد أن يلوم الناس التى ملت الأمر وبدأت تفقد تعاطفها مع الثورة.. ده الواحد أحيانا بيزهق من أبوه وأمه عندما يكركبا حياته دون أن يفهم هما عايزين إيه بالضبط، متأكد أنهم يعرفون أن وضوحهم وصفاء أفكارهم أصبح مطلبا شعبيا عادلا، وأن الفجوة بين الثورة والشعب هى مسؤولية الثوار، وأن الثورة أسهمت فى ميلاد حزب الكنبة عندما تراخت فى أن تلعب -كما يجب- دورها فى أنها تقوّم الناس من على الكنبة، وأنه عار على الثورة أن يكون توفيق عكاشة قادرا على التأثير فى الناس أكثر منها. حضرتك مطالب بأن تضع النقاط فوق الحروف وأن تحدد موقفك من الثورة، فالفرق كبير بين الفكرة، ومن يشرف على تنفيذها، أما الثوار فليسوا مطالبين بوضع النقاط فوق الحروف.. بل مطالبين باختراع كلمات جديدة.