مساء أمس الأول وأمس كنت فى نقاشات متواصلة مع بعض المعتصمين والمحتجين فى ميدان التحرير، دارت فى المجمل حول مطالب الاعتصام وردود الأفعال الرسمية والموقف من إغلاق مصالح حيوية كمجمع التحرير ومحطات مترو الأنفاق والخطوات القادمة. المبهر فى هذه النقاشات كان تعبيرها بوضوح عن وجود توافق حقيقى بين المعتصمين والمحتجين حول المطالب الأساسية التى تم الإعلان عنها الجمعة الماضية وخرجت بها بيانات الكثير من القوى السياسية والوطنية. وحيث إن البعض مازال يدعى أن المطالب التوافقية هذه والتى وجهت للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء غامضة وغير محددة، أكررها هنا كى يتثبت القراء من وضوحها ومن وطنيتها الخالصة: وقف إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى وإعادة إجراءات محاكمة المدنيين الذين أصدر القضاء العسكرى أحكاما بحقهم أمام القاضى الطبيعى، تعديل التشكيل الوزارى وإعطاء الحكومة صلاحيات تنفيذية حقيقية، تطهير وزارة الداخلية وجهاز الشرطة من المتورطين فى قتل المصريين وانتهاك حقوق الإنسان استنادا إلى إجراءات قانونية غير تعسفية وإعادة هيكلة القطاع الأمنى بما يضمن الاتساق مع معايير الديمقراطية ووفقا لجدول زمنى معلن، تطهير أجهزة الدولة من استبداد وفساد النظام السابق، محاكمة رموز ومسئولى النظام السابق عن تهم القتل والفساد وفقا لمعايير المحاكمات العادلة والعاجلة وفى ضوء جدول زمنى محدد لا تباطؤ به ومع الامتناع عن التدخل فى عمل السلطة القضائية، اتخاذ إجراءات كفيلة بالانتصار لحقوق الفقراء ومحدودى الدخل بتطبيق الحد الأدنى للأجور والشروع فى تحسين الخدمات الأساسية المقدمة لهم ووضع هدف العدالة الاجتماعية على رأس أولويات العمل التنفيذى، والالتزام بإعلان وثيقة تتضمن المبادئ الأساسية الحاكمة للدستور ومعايير اختيار اعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور. العدد الأكبر ممن تحدثت معهم توافق حول هذه المطالب وأكد على أن الاعتصام يهدف إلى تحقيقها وعلى أن الشعور بالإحباط بعد بيانى الدكتور شرف يأتى من محدودية الاستجابة للمطالب والصمت المطلق عن بعضها والوعود الفضفاضة غير القاطعة بشأن البعض الآخر. نعم تسمع فى التحرير من يطالب بإسقاط المجلس الأعلى للقوات المسلحة واستبداله بمجلس رئاسى مدنى، ومن يطالب برحيل المشير وأعوانه، ومن يطالب بمحاكمات عسكرية للرئيس السابق ورموز نظامه، ومن يطالب بالعصيان المدنى إن لم تتم الاستجابة للمطالب. إلا أن هؤلاء فى المجمل لا يمثلون أغلبية المعتصمين والمحتجين فى الميدان ومازالت المطالب التوافقية محل التزام من الجميع. المعضلة هى أن كل ساعة تمر دون خطاب صريح للمواطنين من قبل الدكتور شرف يحدد موقفه من المطالب التوافقية بصيغة سياسية حاسمة (إجراءات وجدول زمنى) يفقده شيئا من مصداقيته ويدفع المعتصمين إلى المطالبة بإقالته وتشكيل حكومة جديدة بالكامل تستطيع أن تنتزع ما يكفى من الصلاحيات لتنفيذ مطالب الثورة. وعلى الدكتور شرف اليوم قبل الغد الخروج بهذا الخطاب الصريح على الرأى العام. المعضلة هى أن كل ساعة تمر دون استجابة رسمية صريحة للمطالب التوافقية من قبل المجلس الأعلى تعطى للأصوات الداعية إلى تصعيد لا نهائى شيئا من القبول بين المعتصمين ودفعت البعض إلى التضامن مع ممارسات رفضت بوضوح يوم الجمعة كإغلاق مجمع التحرير أو تعطيل المصالح الحيوية فى القاهرة والمدن الأخرى. والحقيقة أن إغلاق المجمع أو تعطيل منشأة حيوية كقناة السويس هى ممارسات مرفوضة بالكامل وتتجاوز خطوطا حمراء ينبغى ألا نتجاوزها حماية لمصر وللمصلحة الوطنية, المعضلة أيضا هى أن المجلس الأعلى، وفى ضوء الإحباط من بيانى رئيس الوزراء، بات فى موقع ذى محددات متناقضة. من جهة يطالب الرأى العام المجلس ببيان سياسى شامل يستجيب للمطالب التوافقية ومن جهة أخرى ينتقد المجلس بسبب تقييده لعمل الدكتور شرف والحد من صلاحيات الحكومة. وفى الحالتين أصبح المجلس محل انتقاد وهجوم. استجاب المجلس الأعلى فى بيان الأمس لبعض المطالب المهمة كالالتزام بإصدار إعلان دستورى مكمل يتضمن المبادئ الحاكمة للدستور الجديد وضوابط لاختيار أعضاء الجمعية التأسيسية وبإعمال أحكام القانون والعدالة وبدعم صلاحيات مجلس الوزراء استنادا للإعلان الدستورى، إلا أنه تجاهل إيقاف محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى وحمل البيان لهجة تهديد ووعيد تجاوزت التأكيد المقبول على ضرورة الامتناع عن الإضرار بالمنشآت العامة أو تعطيلها أو إغلاقها. مازلنا فى انتظار استجابة المجلس الأعلى لمطلب عدم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، وفى انتظار أن يخاطب الدكتور شرف الرأى العام محددا إجراءات وتوقيتات الإستجابة لبقية مطالب التحرير التوافقية.