بعد نحو ثمانين عاماً من السياسات المتلونة، والمواقف المتباينة، وتعدد الوجوه، تحتفل جماعة “الإخوان السلمون” بنجاحها في مصر، وخروجها من الظل المعتم إلى منصّة السلطة، في ظاهرة هي الأولى من نوعها، أنعشت أذرعها في العالم العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية، التي كانت مأواهم الذي ختلوه، وكانوا السبب في الإساءة إليه مراراً، مستغلين حسن النية، والروح الإسلامية النبيلة، القائمة على فهم للإسلام لا يحتمل المراوغة والتلون. ما يحدث في مصر هو شأنها، سواء نجحت التجربة أو فشلت، إلا أن اللافت أن النشوة امتدت إلى “الإخوان السعوديين”، الذين عادت الروح إليهم فظنوا أنهم على الخارطة، وأن الطريق سالكة للعودة مجدداً، وإن لم يعد “الكاسيت” الشهير وسيلتهم، بل تويتر والمواقع والقنوات التي يسْطرون عليها. منذ لحظة سقوط النظام في مصر، تسابق إخوان السعودية للتهليل بعودة مشائخهم التقليديين إلى المسرح، وبدأوا في تكثيف نشاطهم، والتبشير بهذه الصحوة الإسلامية الجديدة، مع تنامي الحلم أن يكون لصوتهم النشوة ذاتها التي سيطرت في الثمانينيات وجزء كبير من التسعينيات. الواقع أن المملكة ليست مصر، ولن يكون ل”إخوان السعودية” حظوظ فيها، فلقد انكشف المستور، وبان الخلل؛ والدليل الأبرز على ذلك كبار قياداتهم التقليدين، الذين سرى فيهم تيار النشوة، فعادوا إلى لغتهم الأولى، وأنكروا الملامح السمحة التي تلبسوا بها حيناً من الزمن، واسترجعوا صورتهم “البنائية” ليؤكدوا أنهم مازالوا على المبدأ ذاته، وأن تحولاتهم كانت تقية حتى لا يفتضح أمرهم في مجتمع بدأ يستعيد وعيه بعض الشيء، ويتعرف إلى الشخصيات المتعددة التي عايشها في من عدّهم زمناً من “المشائخ”. الخيار الوحيد أن يهاجر “إخوان السعودية” إلى مصر، ليشاركوا رفاقهم النصر العظيم، ويتعلموا من تجربتهم، أساليب الحكم والسلطة. هذا إن وجدوا قبولاً فعلياً من رفاق الأمس الذين عاملوهم -دوماً- على أنهم مصدر تمويل وحالة احتضان فرضتها الظروف عليهم، وليس أنهم شركاء فعليون. وإذا فعلوا ذلك فسيريحوا المملكة من سحابة قاتمة، وسيكون ربيعاً حقيقياً تستعيد البلد فيه ملامحها الأولى الأصلية، وتقول للجامعة “هذه أمانتكم ردت إليكم”