ليس مهما فقط أن يعرف الناس الفرق بين السلفيين والإخوان بقدر ما يكون مهما أن يعرف الإخوان الفرق بينهم وبين السلفيين، فالثابت أن الفروق واضحة فى الحركة والتنظيم والخبرة الانتخابية لكن منذ فترة والسلفية تخترق بأفكارها وغلوِّها وتطرفها ودعاتها جماعة الإخوان قيادات وأعضاءً وأنصارا، وتنتقل الجماعة من إيشارب الستينيات المتحفظ والمحتشم إلى حجاب السبعينيات المستجد الملتزم إلى النقاب بسواده ومحاولة تقديمه باعتباره الزى الشرعى، هكذا انتقلت الجماعة من حال إلى حالة، ومن ساحة إلى مساحة، ومن فاعل إلى مفعول، بعد أن تمكنت السلفية من تفتيت سماحة وانفتاح الإخوان بالأفكار والسلوكيات الموغلة فى الاهتمام بالشكل والمظاهر، والانشغال بالحكم على الآخرين بالكفر أو المعصية، والإصرار على أن الإسلام شكل واحد وفكر واحد وغيره مخالفون وعصاة وزنادقة! هذه هى الأفكار السلفية التى تعيش على تحريم عيشة الناس وتكفير تصرفاتهم، وعلى صب المسلمين فى قوالب واحدة حتى من حيث الزى الموحد من جلباب للرجال ونقاب للنساء واللحية ذات الكثافة الكثة والزبيبة (تأمل شكل الحوينى وحسان ويعقوب فهو نسخة واحدة) ثم إن أى خروج عن أفكار السلفيين ومظاهر تدينهم هو خروج من وجهة نظرهم عن الشرع وهو احتكار للدين لا شك فى تطرفه وغربته عن الدين ذاته. يبدو مطلوبا الآن نضج الجميع فى قراءة نتائج الانتخابات، خصوصا مع تحول الإخوان، نتيجة صعود السلفيين إلى جزء من الحل، لا إلى جزء من المشكلة، مهم إذن إثارة انتباه الإخوان إلى أن رفض معظم قطاعات الرأى العام للتشدد والغلو السلفى بتصويتهم للإخوان فى مواجهة السلفيين يلقى على هذه الجماعة مهمة التماسك الفكرى والتصميم على الفهم المنفتح التسامحى للإسلام، بدلا من التسرب والتشرب المنتظم للسلوك والفهم والمظهر المتشدد صاحب النظرة السلفية الضيقة للإسلام والمتضايقة من الآخر أيا كان هذا الآخر مسلمًا على غير رأيه أو مذهبه أو مسيحيًّا على غير دينه، خصوصا أن الإخوان فى السنوات الأخيرة قد تحولوا نحو تشدد السلفية، بل وتبنى أفكارها وسلوكياتها، فأصبح التمايز صعبا وإن بدا خلال هذه الانتخابات وما اقتضته من تنافس وتمايز وعرض الآراء على جمهور واسع أبعد من أنصار الطرفين فقط، أن حرص الإخوان على إظهار اختلافهم عن السلفيين مؤشر إيجابى فى سبيل العودة إلى الصورة الأصيلة للإخوان (لا يعنى هنا رضانا عن صورتها الأصيلة لكنها على الأقل صورتها الأصلية وليست مستنسخة). جماعة الإخوان أمام مهمة جديدة غاية فى الضرورة لحاضرها ومستقبلها، بل أزعم لأجل حاضرنا نحن ومستقبلنا كمصريين، بصرف النظر عن غلبة إخوانية فى برلمان أو أقلية فى برلمان آخر، هذه المهمة هى إعادة الجماعة إلى تسامحها وانفتاحها الفكرى والفقهى والمذهبى لا إلى انغلاق على ذواتهم على طريقة الجماعات السلفية التى تشتهر برفض أى فكرة واردة من خارجهم وأى مذهب أو فتوى خارج حدود ما يعتنقونه. يحكى الفذّ الراحل حسام تمام فى دراسته عن تسلُّف الإخوان «تآكل الأطروحة الإخوانية وصعود السلفية فى جماعة الإخوان المسلمين»، مسألة التحولات الأخيرة التى عرفتها جماعة الإخوان المسلمين، شارحا أن الإرباك الذى ظهر مؤخرا فى مواقف الإخوان هو نتاج نمو توجهات سلفية كامنة فى جسم الجماعة تخرج بها عن نطاق الحركة الجامعة ذات الرؤية التوفيقية التى عرفت بها فى مرحلة التأسيس نحو حالة من «التسلف» أو التحول إلى السلفية. التركيبة الإخوانية إذن تتعرض لتحولات داخلية أساسها أن السلفية صارت تيارا فاعلا بل وأكثر التيارات فاعلية وتأثيرا داخل الإخوان. طبعا الإخوان بشر والجماعة كيان داخل مجتمع تتصارع عليه التغيرات، لكن الجماعة الأقدر والأكثر قوة هى الجماعة التى تصدِّر التغييرات لغيرها والتى تهضم التغيرات داخلها والتى تحافظ على قوامها وصلابتها الفكرية من غزو أو تشويه أو تشويش أو تطرف أو انتهاك، والثابت أن «الإخوان» لم تستطع مقاومة السلفية، ولكن المشكلة أنها هى ذاتها تحولت إلى جماعة تعانى من اختراق سلفى كاد يحوِّل وجهها المنفتح إلى وجهها المنغلق، كاد ينتقل من جماعة لعبد المنعم أبو الفتوح إلى جماعة لعبد المنعم الشحات، هنا خطورة تسلُّف الإخوان وهنا أهمية عودة الجماعة مع الانتخابات الحالية إلى وجهها الحقيقى وجذرها الأصيل. المهمة ثقيلة.. ونكمل غدا بإذن الله.